يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الإثنين، زيارة إلى الجزائر تستغرق 3 أيام، ضمن جولته الإفريقية الثانية التي تقوده أيضًا إلى موريتانيا والسنغال ومالي، ويتصدّر الملف الاقتصادي فضلاً عن الملف الليبي، سلّم أولويات هذه الزيارة.
تطوير العلاقات الاقتصادية
أردوغان يعود إلى الجزائر، للمرة الثانية، بصفته رئيسًا لجمهورية تركيا، بعد زيارة رسمية أولى في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ومن المنتظر أن يلتقي الرئيس التركي خلال هذه الزيارة نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كما ستكون له لقاءات مكثفة مع الوزير الأول أحمد أويحيى ورئيسي غرفتي البرلمان السعيد بوحجة وعبد القادر بن صالح، إضافة إلى مسؤولين كبار في الدولة الجزائرية.
هذه اللقاءات، ستتطرق بدرجة أولى إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان أوردته وكالة الأنباء الجزائرية أن المباحثات التي سيجريها الرئيس التركي خلال زيارته للبلاد اليوم الإثنين، مع نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ستعطي دفعة أكبر للمبادلات والشراكات القائمة بين اقتصاد البلدين.
بلغت المبادلات التجارية الجزائرية التركية، السنة الماضية، 4 مليارات دولار أمريكي لكن بميزان تجاري على حساب الجزائر
يرافق أردوغان في جولته مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك للمشاركة في منتدى الأعمال التركي الجزائري الذي يقام بالعاصمة غدًا الثلاثاء، الذي من المنتظر أن يعطي إلى جانب باقي المحادثات دفعًا أكبر للمبادلات والشراكات القائمة بين الاقتصاد الجزائري والتركي، بحسب بيان الرئاسة الجزائرية.
ويرمي الطرفان إلى تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، لا سيما في ميادين السياحة والفلاحة والطاقات المتجددة، ويشهد التعاون الاقتصادي الجزائري التركي تنوعًا أكثر فأكثر على ضوء اتفاقيات الشراكة في قطاعات الصناعة (النسيج، والحديد والصلب…)، والطاقة والنقل البحري والبناء الذي تجسد البعض منها.
يعتبر قطاع النسيج من أبرز القطاعات التي تستثمر فيها تركيا في الجزائر
تحتل تركيا، حسب الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار (حكومية)، المركز الأول في الاستثمارات المختلطة في الجزائر من حيث عدد وقيمة المشاريع بأكثر من 20 مشروعًا استثماريًا يفوق مبلغه الإجمالي 200 مليار دينار جزائري وتوفر قرابة 6000 منصب شغل، فيما ينشط حاليًّا بالجزائر في الوقت الراهن نحو 796 مؤسسة تركية، تشغل أكثر من 28 ألف عامل.
ويعتبر مصنع الحديد والصلب الذي أنجزته الشركة التركية الخاضعة للقانون الجزائري “توسيالي أيرون أند ستيل” بدائرة بطيوة بوهران غرب البلاد الذي تصل طاقته الإنتاجية مليون و200 ألف طن سنويًا، ومصنع غزل القطن والنسيج بولاية غليزان غرب البلاد المنجز في إطار شراكة جزائرية – تركية، أكبر الاستثمارات التركية في الجزائر.
وخلال السنة الماضية، بلغت المبادلات التجارية الجزائرية – التركية 4 مليارات دولار أمريكي لكن بميزان تجاري على حساب الجزائر، واحتلت تركيا خلال سنة 2017 المرتبة الـ6 من حيث زبائن الجزائر بصادرات جزائرية بلغت 1.96 مليار دولار أمريكي أي بزيادة تقدر بأكثر من 45% مقارنة بسنة 2016، كما احتلت تركيا المرتبة الـ6 ضمن قائمة الدول المصدّرة للجزائر بما قيمته ملياري دولار أمريكي بارتفاع 3.2% عن السنة الماضية.
دفع الاقتصاد الجزائري
يرى خبراء أن زيارة أردوغان إلى الجزائر قد تسهم في دفع الاقتصاد الجزائري المتعثّر الذي يشهد أزمة كبيرة بدأت صيف سنة 2014، مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، خاصة أن الاقتصاد التركي يشهد انتعاشه كبيرة في السنوات الأخيرة.
وتخشى الجزائر أن يؤدّي التدهور في القدرة الشرائية للجزائريين وصعود مؤشرات التضخم وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والخدمات بشكل لافت، إلى انفجار الوضع في البلاد ويزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه منذ سنوات.
تعمل الجزائر وتركيا على مسافة واحدة مع كل الأطراف الليبية لبحث سبل تعزيز فرص الحل السياسي في هذا البلد العربي
وتشير البيانات الحكومية في الجزائر إلى أن عوائد صادرات الطاقة انحدرت من نحو 60 مليار دولار في عام 2014 إلى نحو 27 مليارًا في العام الماضي، ولم تعد كافية لتسديد فاتورة الواردات السنوية، وتشكل إيرادات النفط والغاز 95% من صادرات الجزائر (عضو منظمة أوبك) و60% من الميزانية العامة.
الملف الليبي
فضلاً عن الملف الاقتصادي ودعم الاستثمار في البلاد، ستكون المسائل الأمنية ومكافحة الإرهاب في صدارة مباحثات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي الذي يهم أنقرة والجزائر كثيرًا.
وتعتبر الجزائر مركز انطلاق نحو ليبيا التي تعاني من أزمات حادة شملت جميع مناحي الحياة هناك وأثرت عليها سلبًا، مما أدى إلى انتشار ظاهرتي الإرهاب والهجرة السرية، ويتفق البلدان في الموضوع الليبي بشأن دعم حكومة الوفاق الوطني وعدم دعم تكتل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث تصر الجزائر على عدم إقصاء أي طرف لإقامة مصالحة في جارتها الشرقية.
وتأمل القيادة التركية في تدعيم تعاونها مع الجزائر في خصوص الملف الليبي، خاصة أن الجزائر تقود بكل إمكاناتها مبادرة لحل الأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد، فيما ترغب الجزائر في أن تلعب تركيا دورًا لإنجاح جهودها في إدارة وحل الأزمة الليبية.
تطابق وجهات النظر التركية والجزائرية في خصوص ليبيا
تجدر الإشارة إلى أن الأوضاع في ليبيا تدفع ثمنها دول الجوار وعلى رأسها الجزائر التي تنشر آلاف الجنود على مستوى حدودها الشرقية ردعًا لأي تسرب لعناصر إرهابية داخل التراب الوطني، وسبق أن قال وزير الخارجية عبد القادر مساهل إن حل الأزمة الليبية خاص بليبيا فقط ولا يمكن التدخل فيه، مؤكدًا أن التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية مثلت أبرز العثرات التي عرقلت الوصول إلى حل نهائي لها.
وتعمل الجزائر وتركيا على مسافة واحدة مع كل الأطراف الليبية لبحث سبل تعزيز فرص الحل السياسي في هذا البلد العربي بعيدًا عن شبح التدخلات العسكرية الخارجية التي لا يراها البلدان طريقًا صالحًا لحلحلة الأزمة المتفاقمة في البلد الغني بالثروات وهو محل أطماع خارجية عديدة، ومن المنتظر أن تدفع الأمم المتحدة خلال السنة الحاليّة 2018 إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا علها تنهي حالة التصدع التي مست هذا البلد سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.