يتواصل منذ أكثر من شهر، توقف إنتاج الفوسفات في تونس بسبب اعتصامات ينفذها عاطلون عن العمل ومحتجون على نتائج مناظرة في محافظة قفصة (جنوب) المصدر الأول للفوسفات في البلاد، رغم تدخلات الحكومة لإيجاد حل للمشاكل العالقة بين الطرفين، الأمر الذي يؤثر سلبًا على اقتصاد البلاد المتعثر.
توقف الإنتاج
في الـ23 من شهر يناير الماضي، توقف إنتاج الفوسفات كليًا في مدن الحوض المنجمي التونسية بسبب اعتصام بدأه عاطلون عن العمل نتيجة غضب المحتجين من نتائج مسابقة توظيف أعلنتها شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة.
ومنذ ذلك التاريخ، نصب المحتجون خيامًا أمام مواقع الإنتاج ومنعوا نقل وإنتاج الفوسفات في مدن المتلوي وأم العرائس والرديف والمظيلة، مما أدى إلى نفاد مخزون تونس من الفوسفات وعرقلة الخطط الحكومية لزيادة الإنتاج.
عادة ما يلجأ طالبو الشغل والمطالبون بتسوية وضعياتهم المهنية بجهة قفصة إلى الاعتصام بمواقع استخراج وإنتاج الفوسفات
ويتكون الحوض المنجمي من 4 مدن هي المظيلة والرديف وأم العرائس والمتلوي التي تتبع إداريًا محافظة قفصة، وشركة فوسفات قفصة هي المشغل الرئيسي في جهة، وشهدت المحافظة عام 2008 (منطقة الحوض المنجمي) انتفاضة احتجاجية، إثر تزوير نتائج مسابقة توظيف في الشركة، وقمعت شرطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تلك الانتفاضة، مما أدى إلى مقتل 4 متظاهرين، ومنذ ذلك الوقت تعيش قفصة على وقع الاحتجاجات المستمرة للمطالبة بفرص عمل لأبناء الولاية في شركة الفوسفات.
وعادة ما يلجأ طالبو الشغل والمطالبون بتسوية وضعياتهم المهنية بجهة قفصة وخاصة بمعتمديات إنتاج الفوسفات وهي الرديف وأم العرائس والمتلوي والمظيلة إلى الاعتصام بمواقع استخراج وإنتاج الفوسفات وبمسالك نقله إلى معامل التكرير التابعة للمجمع الكيميائي التونسي الحكومي إلى محافظة قابس وبنقاط تزويد منشآت شركة فوسفات قفصة بالمياه الصناعية وهو ما يؤدي حتمًا إلى تعطل نشاط قطاعي الفوسفات والأسمدة.
نتيجة لهذه الاحتجاجات قامت الحكومات المتعاقبة في تونس بإضافة العديد من الوظائف في شركة فوسفات قفصة الحكومية لاستيعاب أكبر قدر من العاطلين غير أنها لم تفلح في كبح جماح الغضب الشعبي في المحافظات الفقيرة وفق خبراء الاقتصاد.
فقدان الأسواق التقليدية
توقف إنتاج الفوسفات، جعل تونس تتأخر عن ركب البلدان المنتجة لهذه المادة، مما أدى إلى فقدان أسواقها التقليدية، وتأمل الحكومة التونسية في إعادة استقطاب الأسواق الخارجية التي كانت تصدر لها خاصة الأسواق الأوروبية التي تستحوذ على نحو 75% من صادرات تونس.
في السابق كانت تونس تصدر ما يقارب 80% من إنتاجها من الفوسفات إلى أكثر من 20 سوقًا خارجية فيما تخصص الـ20% الباقية للسوق المحلية، إلا أن موجات الإضرابات في سنوات ما بعد الثورة إضافة إلى تنامي المطالب الاجتماعية من تشغيل وزيادة في الرواتب ومنح الإنتاج، تسببت في فقدان تونس لعدد من أسواقها الخارجية.
تراجع الإنتاج أدى إلى خسارة تونس العديد من الأسواق الخارجية
وتعتبر الأسواق الآسيوية والأمريكية اللاتينية والأوروبية أبرز المستوردين العالميين لمادة الفوسفات من تونس، لكن العديد من الدول في هذه الأسواق حولت وجهتها إلى دول أخرى منتجة للفوسفات كالمغرب وغيرها بسبب توقف الإنتاج في تونس، وتراجعت حصة تونس من صادرات الفوسفات في الأسواق العالمية من 4.5% في 2010 إلى 3.2% في 2015.
العملة الصعبة
استمرار توقف إنتاج مادة الفوسفات منذ أكثر من شهر بصفة كلية في مقاطع الإنتاج، أدى إلى تزايد الخسائر المالية التي تعاني منها شركة فوسفات قفصة، الأمر الذي انعكس مباشرة على اقتصاد البلاد، ذلك أن تصدير الفوسفات كان يدر على الدولة أموالاً كثيرة.
تراجع احتياطات تونس من العملة الأجنبية إلى ما يغطي واردات 82 يومًا فقط لأول مرة منذ 16 عامًا
وسجلت سنة 2017، تراجعًا في الفوسفات التجاري بنسبة 36% مقارنة مع التوقعات الأولية التي قدمتها الحكومة في بداية السنة الماضية، والمقدرة بنحو 6.5 مليون طن، وكانت معطيات رسمية قد أكدت أن إنتاج شركة فوسفات قفصة بلغ كامل سنة 2016 نحو 3.6 مليون طن من الفوسفات التجاري، مسجلاً بذلك نقصًا بنحو 45% عن التوقعات الأولية التي كانت في حدود 6.5 مليون طن أيضًا، وقد شهدت منطقة المظيلة، إحدى أهم مناطق الإنتاج، خلال السنة الماضية توقفًا عن الإنتاج لمدة قاربت الأربعة أشهر.
كل هذا ساهم بقدر كبير في تراجع احتياطيات تونس من العملة الأجنبية إلى ما يغطي واردات 82 يومًا فقط لأول مرة منذ 16 عامًا، وقال البنك المركزي في موقعه على الإنترنت إن احتياطي العملة واصل هبوطه إلى 11.596 مليار دينار (4.85 مليار دولار)، مقارنة مع 13.702 مليار دينار تكفي واردات 116 يومًا في الفترة نفسها من العام الماضي.
خطة إنقاذ
تزامن توقف الإنتاج مع خطة حكومية تتطلع من خلالها الحكومة إلى تحسين موقعها العالمي في قائمة مصدري الفوسفات، في غضون السنوات الخمسة المقبلة، عبر استغلال مناجم جديدة أثبتت الدراسات قدرتها على رفع الصادرات بنحو 30%، فضلًا عن دعم إمكانات أكبر منجم بالبلاد في محافظة قفصة.
تسعى تونس إلى استغلال مناجم فوسفات جديدة
يشغل قطاع الفوسفات في قفصة 30 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وتمثل العائدات المالية لتصدير الفوسفات 10% من إجمالي إيرادات صادرات تونس، وفي 2010 أنتجت تونس أكثر من 8 ملايين طن من الفوسفات، لكن الإنتاج تراجع إلى 2.2 مليون طن عام 2011 وإلى 2.6 مليون طن في عام 2012 وإلى 3 ملايين طن في عام 2013 وإلى 3.5 ملايين طن سنة 2014، بحسب إحصاءات رسمية للشركة.
ومن المنتظر أن تبدأ تونس في استغلال مناجم جديدة بهدف تحقيق إنتاج سنوي لا يقل عن 10 ملايين طن في غضون سنة 2019، على أمل بلوغ 15 مليون طن إنتاج سنة 2021، وهو ما سيمكن تونس من أن تنضم إلى كبار منتجي الفوسفات على المستوى العالمي.