كثيرة هي الأسباب التي قد تحول بين أحد الكتاب وإتمام عمله الخاص، فبعض الكتاب قد يقضون عدة سنوات في محاولة إكمال أحد الأعمال، لكن العمل بشكل أو بآخر قد لا يكتمل، خصوصًا لو كان السبب هو “الموت”.
حال الموت بين العديد من الكتاب المشهورين وإكمال بعض الأعمال المهمة، وفي هذا المقال سوف أعرض عليكم عددًا من الأعمال الأدبية المهمة التي لم تكتمل، سواء كان الموت “سببًا” لها أم لم يكن السبب الوحيد.
1- لغز إدوين دورد.. تشارلز ديكنز
بإجماع النقاد يُعتبر تشارلز ديكنز أعظم الروائيين الإنجليز في العصر الفيكتوري، وما زالت جميع أعماله تقريبًا تحظى بانتشار واسع، والعديد منها يُدرس في المدارس والجامعات، كما أن ما تحول منها إلى أفلام ما زال مرتبطًا بطفولة العديد منا مثل “أوليفر تويست”.
طفولة ديكنز البائسة جعلت منه أديبًا مميزًا، أجاد وصف حالة الفقر في ذلك العصر، مستخدمًا أسلوبًا لاذعًا وساخرًا في تقديم معظم أعماله.
الرواية التي أحدثكم عنها اليوم هي آخر روايات ديكنز، وكعادة ديكنز وحبه لتسمية رواياته بأسماء شخصيات، سُميت هذه الرواية أيضًا باسم “لغز إدوين دورد” رُغم أن أحداثها ترتكز على خاله جون كاسبر مدمن الأفيون، وقائد جوقة الكنيسة.
يقع خاله في حب إحدى تلميذاته “روزا باد” التي بدورها خطيبة “دورد”، حال الموت بين ديكنز وإكمال روايته، وظلت نهايتها مجهولة.
2- الإنسان الأول.. ألبير كامو
إنه الفيلسوف الوجودي والكاتب المسرحي والروائي الفرنسي الجزائري “ألبير كامو”، ثاني أصغر من نال جائزة نوبل من الأدباء، لم يرَ كامو للحياة أي معنى، فهي بالنسبة له مجرد عبثية؛ فعاش حياته مستهترًا لا يبالي حتى وفاته، ورُغم تلك النظرة للحياة فقد كان أخلاقيًّا وأديبًا وفيلسوفًا مبدعًا.
بدأ كامو في كتابة “الإنسان الأول”، وهي عبارة عن سيرة ذاتية له، كنصوص متقطعة ولم يمهله القدر وقتًا كافيًا لإكمالها.
تحكي “الإنسان الأول” قصة طفل فرنسي نشأ في الجزائر التي جعلته يدرك أن حقوق الإنسان لا مكان لها في هذا الوطن سوى عبر شاشات التلفاز.
لقد رأى الفقر أمامه، وكان هذا جنسيته الوحيدة، المصير الذي يجمع البشر بمختلف أعراقهم، ذلك الطفل الصغير نشأ بلا أب ودون عقيدة؛ وكأنه “الإنسان الأول”.
حتى وإن لم تكتمل هذه السيرة الذاتية المليئة بالألم التي تضربنا بالحقائق في وجهنا؛ فهي بكل تأكيد تستحق القراءة.
3- القلعة.. فرانس كافكا
رائد الكابوسية، وأحد أفضل من كتبوا بالألمانية، إنه الكاتب التشيكي “كافكا” الذي لم يشتهر إلا بعد وفاته، وذلك يعود لعثور صديقه “ماكس برود” على مخطوطات لبعض من أعماله التي لم تكن منتهية.
ترك كافكا خلفه ورقة صغيرة يطلب فيها من صديقه حرق المسودات الأولى لتلك الأعمال غير المنتهية، لكن لحسن الحظ لم ينفذ صديقه وصيته، فقد أحرق كافكا أكثر من نصف أعماله في حياته.
إحدى هذه الروايات غير المكتملة هي “القلعة”، بطل الرواية يُدعى “ك”، وهو الاسم الأكثر انتشارًا في أعماله، من قرية صغيرة، يعمل كماسح للأرضيات، لم ينهِ كافكا روايته لأنه توفي قبل ذلك، لكنه اقترح أن تنتهي القصة بموت مساح الأراضي.
إنها رواية عن الإحباط المستمر من جراء محاولة مقاومة النظام، رواية عن الاغتراب ومحاولة النجاة.
4- آل واطسون.. جين أوستن
الروائية الإنجليزية الأكثر شهرة التي ألهمت العديد من أفلام فترة الأربعينيات، فمن منا لا يعرف “كبرياء وهوى” أحد أهم الأعمال المقتبسة من روايتها الرائعة “كبرياء وتحامل”، وما زالت أعمالها حتى الآن تُنتج أفلامًا مُحققة نجاحًا كبيرًا.
الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها هي رواية “آل واطسون”، كانت “جين” قد أنجزت نحو ربعها لكنها لم تكملها، ووقعت مخطوطة الرواية في 68 صفحة وُزِعَت على نحو 11 دفترًا، كُتبت بخط يدها.
تحكي الرواية قصة فتاة شابة تعود إلى منزل والدها بعد أن تربت في رعاية عمة ثرية، يُقال إن بعض الصفحات الأولى باعها أحد ورثتها خلال الحرب العالمية الأولى، والآن هي موجودة في مكتبة “بيربونت مورجان” في نيويورك، وقد فُقد ما تبقى من المخطوطة بشكل غامض في أثناء حفظها في كلية “كوين” في جامعة لندن.
5- مذكرات جوليوس رودمان.. إدجار آلان بو
شاعر عظيم وكاتب قصة قصيرة أعظم، ناقد لا يستهان به، زاول الصحافة لفترة طويلة، وقد عانى أشد المعاناة طوال حياته؛ غرق في الديون، فعاود الإدمان الذي أحال ما تبقى من حياته إلى جحيم.
من قرأ عن حياته من قبل سيعرف أننا أمام شخصية عجيبة، مختلفة، وهذا بالتأكيد سوف يظهر لنا من الحديث عن روايته “مذكرات جوليون رودمان”.
رواية متسلسلة غير منتهية، تتحدث الرواية عن تخيل لأحداث أول حملة لعبور المناطق البرية الغربية، عبر سلسلة جبال “روكي”، الرواية مبنية على أحداث حقيقية للحملة التي قِيمَ بها في عام 1792، نُشرت ستة أجزاء من الرواية ما بين شهري يناير ويونيو عام 1840، في مجلة “بورتن جنتل مان”، حتى أُقِيل “إدجار آلان بو” منها، وبعد إقالته رفض – ببساطة – أن يُكمل الرواية.
لم يمنعه عن إكمالها الموت كما حدث مع سابقيه، هو فقط لم يرغب في إكمالها!
6- إيما.. شارلوت برونتي
الشاعرة والمؤلفة الإنجليزية “شارلوت برونتي” التي بدأت النشر هي وأختيها تحت أسماء مستعارة، إنها أسرة “برونتي” المبدع، والمتقدة الخيال.
لمع نجم شارلوت بعد نشرها لروايتها “جين آير” التي حققت نجاحًا تجاريًّا كبيرًا، رُغم نشرها تحت اسم مستعار.
بدأت شارلوت في كتابة روايتها “إيما” عام 1853، ثم تزوجت في عام 1854، تأثرت وتيرة كتابتها بسبب زواجها وتعقيدات حملها التي أدت إلى وفاتها هي وطفلها الذي لم يولد عام 1855.
تتألف المخطوطة التي تركتها “شارلوت” ورائها للرواية من 20 صفة، أي ما يمثل فصلين من الرواية، في هذين الفصلين تصف “شارلوت” وصول فتاة شابة غنية إلى إحدى المدارس الخاصة، ليتبين بعد ذلك أن هويتها مزورة، وأن رسومها المدرسية لم تُدفع.
بعد وفاة “شارلوت” نُشرت المخطوطة عام 1857، ثم بعد ذلك حاول أكثر من كاتب إنهائها، أو كتابة رواية على أساسها.
ومن أشهر تلك النسخ المطبوعة هي نسخة “إيما براون.. رواية عن المخطوطة غير المكتملة لشارلوت برونتي” بقلم “كلاير بولين” عام 2003.
طورت الكاتبة “كلاير بولين” الرواية كرواية غامضة، مستخدمة شخصيتين من فصلي “شارلوت” الأوليين، واستخدمت الشخصيتين لمحاولة معرفة هوية الفتاة الغامضة، ورُغم النجاح الذي طال الرواية، فإنها بعيدة كل البعد عن أسلوب “شارلوت برونتي”، وطريقة كتابتها.
رُبما يكون الاستمرار في الكتابة سببًا قد يدفع الكثير من الكتاب إلى الاستمرار في الحياة نفسها، لكنه بكل تأكيد لن يقيهم شر التوقف الإبداعي أو الموت.
ما زال الكثير من كتابنا المبدعين يكتبون إلينا، وننتظر رواياتهم بفارغ الصبر سواء كل معرض كتاب أو كل عدة أعوام، ربما لا نتخيل أن يتوقفوا فجأة سواء برغبتهم أو رُغمًا عنهم، رُبما لا يجد بعضكم أي نفع في قراءة أعمال لم ينهها كتابها، لكنني أخبركم أنها جديرة بالقراءة، خصوصًا إن أصبحت هكذا بعد وفاتهم، أو كانت سببًا في شهرتهم بعد رحيلهم.