ترجمة وتحرير: نون بوست
تتواصل قائمة التتبعات القضائية في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث تطارده عدة قضايا متعلقة بالغواصات والتابلويد، وفي الوقت الحاضر قضية شركة الهاتف. ولكن كل هذه القضايا لم تؤثر البتة في نتانياهو، حيث لا يعتزم أن يقدم استقالته.
في الوقت الذي تطارده القضايا من كل الاتجاهات، عبر بنيامين نتانياهو عن ترحيبه باقتراب موعد “نقل” السفارة الأمريكية إلى القدس خلال افتتاحية اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد. كما أشاد نتانياهو، “بالنمو الهائل للطبقات الوسطى داخل إسرائيل”، وكأن شيئا لم يكن. وسيشد نتانياهو الرحال إلى الولايات المتحدة تلبية لدعوة وجهها له دونالد ترامب، الذي يتشارك معه الخطاب الشعبوي ذاته المعادي للإعلام كما تحوم حوله أيضا ضجة قضائية. وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، وجد نتانياهو نفسه مجبرا من جديد على الإجابة عن أسئلة المحققين، حيث فتحت الشرطة، مؤخرا، أربعة تحقيقات في حق نتانياهو، متورط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وضمن وحدة “لاهاف 433″، يعمل “الأف.بي.آي الإسرائيلي”، المختص في النظر في “قضايا الفساد على الصعيد الوطني”، على ترقيم كل ملف على حدة، حيث يحظى كل ملف بعدد متكون من أربعة أرقام. وبالنسبة لقضية نتانياهو، فلديه ملفان الأول يحمل العدد 1000 والثاني يحمل العدد 2000، استعانت بهما الشرطة للقيام بتتبعات في حق زعيم حزب الليكود في قضايا تتعلق “بالفساد، والتهرب، وخيانة مؤتمن” وذلك في 13 من كانون الثاني/ يناير.
وجد نتانياهو نفسه مجبرا من جديد على الإجابة عن أسئلة المحققين، حيث فتحت الشرطة، مؤخرا، أربعة تحقيقات في حق نتانياهو، متورط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر
يتعلق الملف الأول “بهدايا” تصل قيمتها إلى 240 ألف يورو تلقتها عائلة نتانياهو من قبل رجال أعمال أثرياء في إطار عمليات تبادل لخدمات مختلفة. أما فيما يتعلق بالملف الثاني، فيرتبط بمحاولة مساومة مدير تحرير التابلويد المؤثرة “يديعوت أحرونوت” بهدف أن يحظى بأفضل تغطية إعلامية. وقد أصبحت لائحة الاتهام الرسمية في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بين يدي المدعي العام، أفيشاي ماندلبليت، حيث سينظر فيها على امتداد عدة أشهر، إذا وقع النظر فيها بالأساس. وقد وجهت للقاضي، الذي عينه نتانياهو في هذا المنصب، مؤخرا تصريحات هجومية. متأثرا بصورة نتانياهو التي اهتزت لدى وسائل الإعلام، أكد القاضي أنه لن يتردد في إخضاع رئيس الوزراء إلى التحقيق إذا ما كانت البراهين كافية.
مستشار الظل
يبدو أن نتانياهو، المستعد للدفاع عن نفسه، بالكاد قد أزعجته مخلفات الزلزال الأول الذي هز صورته أمام العموم، حيث أكد “في السنوات الأخيرة، تم فتح أكثر من 15 تحقيقا قضائيا في حقي. ولن يصل هذا التحقيق الأخير إلى شيء مثل سابقيه”. في الأثناء، تم احتجاز ثلاثة من أقاربه لتورطهم في قضية جديدة، المتعلقة بملف عدد 4000.
وفقا لبعض التفاصيل التي سربت في الصحافة، من المرجح أن رئيس الوزراء قد أقدم على التأثير على التحكيم القضائي حتى يصب في صالح شركة اتصالات “بيزك”، مقابل أن يتمتع بحق الاطلاع على مقالات تنشر عن زوجته في موقع “والا!” الشعبي الذي يمتلكه شاؤول إلوفيتش، مدير مشغل شبكة الجوال الإسرائيلي. وقد تم خلال الحادثة، احتجاز إلوفيتش مع كل من الناطق الرسمي السابق باسم رئيس الوزراء، نير هيفيتز، إضافة إلى مدير عام وزارة المواصلات، شلومو فيلبر.
تعتبر زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بمثابة هدف متواصل لهجمات الصحافة التي تعتبر سارة نتانياهو سيدة مرتشية، وهستيرية، ومراوغة
يعتبر مستشار الظل لرئيس الوزراء الإسرائيلي، شلومو فيلبر، بمثابة “الصندوق الأسود” لنظام نتانياهو. وبعد أن تم إيقافه في 18 من شباط/ فبراير، قبل فيلبر مباشرة الصفقة التي عرضتها الشرطة عليه، والتي تقضي أن يدلي بشهادته مقابل الحد من التهم الموجهة ضده. وبالنسبة للشخصية الثانية المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، أي المدير السابق لمكتب نتانياهو، آري هارو، فقد تنكر بدوره لرئيس الوزراء. ومنذ ذلك الوقت، أخذت الاعترافات تتوالى. فقد عمل الناطق الرسمي السابق باسم رئيس الوزراء والمكلف “بالتسويق السياسي”، نير هيفيتز، على إغراء قاضية إسرائيلية من خلال تقديم وعود لها في سنة 2015 بنيل منصب مدعي عام فيحالة وافقت على وأد قضية حول نفقات سارة نتانياهو في مهدها.
تعتبر زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بمثابة هدف متواصل لهجمات الصحافة التي تعتبر سارة نتانياهو سيدة مرتشية، وهستيرية، ومراوغة… وقد أفاد شلومو فيلبر أنه قد وقع طرده من منصبه مستشارا لرئيس الوزراء بعد منعه لسارة نتانياهو من الاحتفاظ بساعةمن نوع “بولغاري” أهداها إياها سيلفيو برلسكوني، مجبرا إياها على وضعها في الأرشيف الوطني. عموما، يسارع نتانياهو للرد مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي مع كل سبق جديد منتقدا “الأكاذيب والمغالطات” في حقه.
أما بالنسبة إلى الملف عدد 3000 المتعلق بالغواصات الحربية الألمانية، فقد طفا من جديد على السطح. وتتعلق هذه القضية بالظروف المثيرة للشكوك التي رافقت شراء معدات من شركة “تيسين كروب” من خلال وزارة الدفاع. في الأثناء، لم يذكر اسم نتانياهو إلى حد الآن ضمن ادعاءات اللجان الفرعية للتحقيق بصفة محددة، ولكن تم اعتبار اثنين من المقربين منه مشتبها بهما رئيسيين من قبل الشرطة. وقد يتم مسائلة نتانياهو في هذه القضية، إضافة إلى القضية عدد 4000، وذلك قبل مغادرته إلى واشنطن.
في ظل هذه الصورة المروعة، يبدو أن رغبة العديد من الأطراف قد تزايدت للإعلان عن نهاية عهد نتانياهو. من جهتها، لم تتأخر الصحافة المعارضة في إطلاق العد التنازلي لنهاية رئيس الوزراء، على الرغم من أن نتانياهو قد دحض أي احتمال للاستقالة. في الوقت ذاته، لا يزال حزبه السياسي، حزب الليكود، يتصدر قائمة الداعمين له، وهو ما يروج له على مواقع الشبكات الاجتماعية.
حلفاء نتانياهو قد قضوا الأسبوع الماضي في حالة صدمة. فكل يوم يتم الكشف عن معطيات جديدة. أصبح الأمر شبيها بالقصف وفي كل مرة نظن أن “هذا كل شيء، إنها النهاية
في سياق متصل، أفاد الصحفي انشل بفيفر، الذي سينشر السيرة الذاتية لرئيس الوزراء في الشهر المقبل، أن “الاتهامات الموجهة لنتانياهو خطيرة جدا. قد لا يتمكن من الصمود، على الورق، أكثر من بضعة أشهر. ولكن الإعلان عن رحيله يعد توقعا محفوفا بالمخاطر. في الحقيقة، يعد نتانياهو سياسيا موهوبا للغاية وعادة ما يتحدى كل التوقعات ويخالفها”.
أما من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية، دينيس شربيت، تعتمد جميع السيناريوهات، سواء استقالته، أو عقد انتخابات مبكرة أو انهيار التحالف، على متغير واحد ألا وهو استطلاعات الرأي. وفي هذا الشأن، بين شربيت، أنه “طالما أن نتانياهو يتمتع بدعم قاعدته الشعبية، فلن يتزحزح من مكانه، بل على العكس من ذلك، ستزيد قوته. كما أن صورة الرجل الواحد في مواجهة النخبة تعزز حظوظه في الفوز. ويضاف إلى ذلك تأثير عبارة “أنا ومن بعدي الطوفان”، التي بات يرددها منذ فترة طويلة”. إلى حد الآن، لا يزال زعماء الأحزاب الأخرى، المنتمية لتحالف اليمين المتطرف، حريصين على تأييدهم لنتانياهو بشكل واضح.
في الأثناء، أفاد بفيفر أن “حلفاء نتانياهو قد قضوا الأسبوع الماضي في حالة صدمة. فكل يوم يتم الكشف عن معطيات جديدة. أصبح الأمر شبيها بالقصف وفي كل مرة نظن أن “هذا كل شيء، إنها النهاية”. لذلك تبنت الأحزاب موقف الانتظار والترقب، حيث لا يزال المناخ السياسي متقلبا جدا”.
“التحايل قليلا”
بالنسبة لحزب الليكود فقد التزم الصمت، في حين خيم الهدوء على زعيم التحالف، ديفيد امسلم، الذي عادة ما لا يتردد في التكشير عن أنيابه دفاعا عن رئيس الوزراء. في الوقت ذاته، لم يتطرق سوى نائب واحد من الليكود إلى فكرة “انسحاب” نتانياهو، حتى يتمكن من إيجاد حلول “لمشاكله”، ألا وهو النائب المثير للجدل أورن حزان. وأورد حزان في تصريح على الإذاعة، أنه “من المحتمل أن يدفع الليكود فاتورة باهظة جدا على خلفية كل ما يحدث”. لكن هذا البرلماني، الذي تم استبعاده، أوائل شهر شباط / فبراير، من الكنيست على امتداد الأشهر الستة القادمة، بسبب ملاحظاته العنصرية والمعادية للمرأة، لا يملك رصيدا سياسيا أو أخلاقيا يخول له التمرد، حتى وإن لم يكن الشخص الوحيد الذي يعتقد بأن نتانياهو قد أصبح عبئا.
من جانب آخر، أقر الصحفي والنائب السابق في حزب العمل، دانييل بن سيمون، بأن “لا أحد في الليكود يريد أن يكون “بروتوس” الذي يطعن القيصر”. ويعزى ذلك لأن نتانياهو كان يهتم بقتل منافسيه المحتملين، سياسيا، وهو ما جعل نحو ثلث ناخبيه غير قادرين على تسمية شخصية سياسة أخرى لتحل محله.
وفقا لدراسة استقصائية، يعتقد 25 بالمائة فقط من الإسرائيليين في براءة نتانياهو. كيف نفسر شعبيته إذا؟ حسب التحليل الذي قدمه دينيس شاربيت، فإن “هذا الأمر يدل على التحول الثقافي الذي يشهده الإسرائيليون. ففي أعماقهم، لا يؤمن الموالون لنتانياهو بأنه يجب إدانة هذه الأفعال. وانطلاقا من العقلية الإسرائيلية، يمكن للمرء أن يقوم بالتحايل قليلا، حيث يجب أن نتجنب أن نكون مثل “فريير”، أي الحمام في اليديشية، الذي لا يجيد استخدام الحيل. في الأثناء، صرح بعض المصوتين أن “نتانياهو قد قام بالمساومة قليلا للحصول على تقارير إيجابية، ومن لم يسبق له أن قام بالمثل؟”.
لقد أخذ نتانياهو الدولة رهينة، في حين لا تدرك الدولة ما الذي يجب فعله”. مع كل يوم جديد يزاح الستار عن حلقة جديدة من مسلسل “بيت من ورق” في نسخته العبرية
منذ وصوله إلى السلطة، أخذت الصحافة والمعارضة في انتقاد ذوق الأثرياء الجدد، والسلوكيات الغريبة لأسرة نتانياهو واحتقارهم للقواعد والمعايير. ويبدو أن مقاومة عائلة نتانياهو لأي أمر قضائي وأخلاقي، قد عزز من قوتها. في المقابل، ظل اعتدال بعض الشخصيات الإسرائيلية، مثل بن غوريون وجولدا مائير، أمرا راسخا في الذاكرة البعيدة، الأمر الذي انتهى باستقالة إسحاق رابين سنة 1977، وذلك لأسباب تبدو سخيفة بشكل رهيب، تركه لبضعة آلاف من الدولارات في حساب بالبنك تم فتحه في الولايات المتحدة باسم زوجته بينما كان سفيرا في واشنطن، وهو أمر ممنوع في القانون الإسرائيلي. لكن الأوضاع قد تغيرت الآن.
بالنسبة إلى انشل بفيفر، تعد المعادلة اليوم بسيطة، حيث يعتقد مؤيدو نتانياهو أنه أفضل قائد يمكن لإسرائيل أن تحظى به، حتى لو كان فاسدا. وإذا كان كل السياسيين فاسدين نوعا ما، فلماذا يدفع نتانياهو الفاتورة؟ في المقابل، قد تكون قضية الغواصات السبب الذي سيدفع بنتانياهو إلى الهاوية، لأنها تمس من الأمن القومي. ويعود ذلك إلى أنه وحتى لو تسامح الإسرائيليون مع قبول الشمبانيا والمجوهرات والسيجار من أشخاص فاحشي الثراء، إلا أن كسب المال على حساب الجنود يعد عملا غير مقبول البتة بالنسبة لهم.
في سياق متصل، أوضح دانييل بن سيمون، أن “مثل هذه الأحداث لم يسبق لها مثيل منذ إنشاء الدولة. يشعر الأفراد بالارتباك، حيث يرون رئيس وزراء يتحدى المؤسسات، ومستعد لمواصلة الحكم وهو رهن التحقيق، خاصة وأن عملية الإقالة تبدو معقدة جدا. لقد أخذ نتانياهو الدولة رهينة، في حين لا تدرك الدولة ما الذي يجب فعله”. مع كل يوم جديد يزاح الستار عن حلقة جديدة من مسلسل “بيت من ورق” في نسخته العبرية. وقد أعلنت الشرطة يوم الأحد أن مشتبها به جديدا، لم يتم الكشف عن هويته، قد تم الاستماع إلى أقواله في الملف 4000.
المصدر: ليبيراسيون