ترجمة وتحرير: نون بوست
كان تنظيم الدولة قوة فتاكة ساهمت في تأجيج حروب غير متكافئة، تماما مثلما فعل تنظيم القاعدة، نظرا لامتلاكها آلة دعائية لا مثيل لها، ما استرعى انتباه جميع المتطرفين من شتى أنحاء العالم. كما ساهمت القدرات التي يمتلكها في ساحة المعركة في تحقيقه لإنجازات أكبر من أي منظمة إرهابية أخرى. وفي الحقيقة، ثبُت أن زوال شبه دولة الخلافة، التي أقامها التنظيم في سوريا والعراق، هو أمر مزعزع للاستقرار شأنه شأن عملية صعوده في البداية.
إلى جانب ذلك، كشفت الأحداث التي وقعت خلال الشهر الماضي ما حذر منه الخبراء الإقليميون منذ فترة طويلة. فقد تبين أن نهج القضية الوحيدة للحرب الأهلية في سوريا الذي توخاه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ثم خلفه ترامب، الذي ركز بصفة حصرية على القضاء على تنظيم الدولة، كان في أفضل الحالات ذا أبعاد سطحية.
في محاولة للقضاء على مقاومة المعارضة، دفن النظام المئات تحت الأنقاض، ودمّر المراكز الطبية، وأجبر المدنيين على الفرار إلى الملاجئ التي تفتقر للكهرباء أو الطعام
بعد أن تعرض مقاتلو تنظيم الدولة لضربات عسكرية كثيفة أجبرتهم على التراجع، اعتكف البعض منهم خارج المناطق الحضرية. وقد كان الشهر الماضي من أكثر الفترات فتكا وخطورة في الحرب، حيث شنت “إسرائيل” هجمات جوية على المواقع الإيرانية والقوات شبه العسكرية المدعومة من قبل إيران. كما أعلن عن سقوط المرتزقة الروس الذين يقاتلون المعارضة السورية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، في الغارات الجوية الأمريكية. وينضاف لهذه الأحداث توغل الجيش التركي داخل المزيد من الأراضي المجاورة سعيا منه لدفع الميليشيات الكردية المدعومة من قبل واشنطن بعيدا عن حدود بلاده.
في الوقت نفسه، أطلق بشار الأسد قنابل وصواريخ وقذائف هاون على منطقة الغوطة، المنطقة التي تحيط بالعاصمة الواقعة تحت الحصار الحكومي منذ سنة 2013. وفي محاولة للقضاء على مقاومة المعارضة، دفن النظام المئات تحت الأنقاض، ودمّر المراكز الطبية، وأجبر المدنيين على الفرار إلى الملاجئ التي تفتقر للكهرباء أو الطعام. وأمام هذه الأهوال، كانت المجزرة التي تسببت فيها قوات بشار الأسد في الغوطة أكثر وحشية حتى من حصار حلب.
حتى في ظل غياب عدو مشترك، كانت القوى الإقليمية والعالمية المتنافسة التي تورطت في هذه الحرب الأهلية، تنفذ ضربات على جبهات متعددة بشكل غير مباشر عن طريق مجموعة متشعبة من الوكلاء. ويحمل كل اشتباك في طياته خطرا يتمثل أساسا في نشوب مواجهة مفتوحة، نظرا لوصول مصالح الأطراف المتنافسة إلى “منطقة” لا يمكن الاتفاق حولها.
من المحتمل أن تؤدي أي تقديرات خاطئة ميدانية، في الوقت الراهن، إلى حدوث قتال مباشر بين أعضاء حلف شمال الأطلسي
من جهتها، أكدت “إسرائيل” خلال العديد من المناسبات أنها لن تتسامح مع الوجود الإيراني الدائم في سوريا الذي يشكل تهديدا لحدودها. في المقابل، تمكن الإيرانيون، من خلال حزب الله وغيره من القوات شبه العسكرية الشيعية، من تعزيز وجودهم في سوريا؛ ولا يعد ذلك استفزازا لـ”إسرائيل” فقط، بل أيضا للعالم العربي السني.
في الحقيقة، لا يمكن الدفاع عن التناقضات الكامنة في الموقف الأمريكي. ففي البداية، كانت واشنطن تدعم الميليشيات الكردية السورية باعتبارها القوة المحلية الأكثر فعالية في الحرب ضد تنظيم الدولة، إلا أن أنقرة كانت تنظُر إليهم كوكلاء للمتمردين الأكراد المحليين. لذلك، من المحتمل أن تؤدي أي تقديرات خاطئة ميدانية، في الوقت الراهن، إلى حدوث قتال مباشر بين أعضاء حلف شمال الأطلسي.
من الصعب أن نرى كيف يمكن لموسكو تعويض استثماراتها الملطخة بالدماء في خضم هذه الفوضى. فخلال السنة الماضية، شعر الرئيس فلاديمير بوتين بالثقة الكافية لإعلان النصر، بعد أن أعاد بسط نفوذ روسيا كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط. أما في حالتها الراهنة، أضحت سوريا من البلدان التي يصعب تقرير مصيرها أو تحديد الجهات الفاعلة على أراضيها، فضلا عن أن الأسد مازال يعتمد كسالف عهده على موسكو وطهران من أجل ضمان بقائه على رأس السلطة.
بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية السورية، تهدد جميع الأطراف المنخرطة في هذا الصراع بأن تُحول ما تبقى من سوريا إلى ساحة حربٍ إقليمية
في هذا السياق، كان قرار وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي يوم السبت، موضع ترحيب، بيد أنه ليس بوسعه أن يوقف نزيف الدم في سوريا. فمن المحتمل أن يوفر هذا القرار راحة مؤقتة للمدنيين العالقين في منطقة الاشتباك، ويضع حدا لسلسلة الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد وداعموه في كل من موسكو وطهران، في حق الشعب السوري.
لكن في ظل غياب مؤتمر دولي يمكن من خلاله التوصل إلى هدنة طويلة المدى، لن يحقق هذا القرار إلا القليل في مسار التوصل إلى حل للتوترات القائمة حاليا. وبعد سبع سنوات من الحرب الأهلية السورية، تهدد جميع الأطراف المنخرطة في هذا الصراع بأن تُحول ما تبقى من سوريا إلى ساحة حربٍ إقليمية.
المصدر: فاينانشال تايمز