أيام قليلة بعد طرد دولة جيبوتي للإماراتيين من محطة دوراليه للحاويات في ميناء جيبوتي، ووضع حد لسيطرتهم على الميناء، أعلنت وسائل إعلام صومالية توقف بناء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة بإقليم أرض الصومال بشكل مؤقت بسبب تباين وجهات النظر في الاتفاقية المبرمة بين حكومة الإقليم ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقف أعمال البناء
وسائل إعلام صومالية قالت إن “عمدة مدينة بربرة سعيد حسن أبلغ يوم الأحد الماضي الشركات الأجنبية التي تعمل في بناء مطار القاعدة العسكرية الإماراتية بوقف أعمال البناء، وأن الإدارة المحلية ستخبرهم بعد صدور أوامر جديدة لاستئناف أعمال الترميم وبناء مطار القاعدة العسكرية”.
وتقع “أرض الصومال” في منطقة القرن الإفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمال الصومال الأم، وتعد نفسها دولة مستقلة على الرغم من كونها غير معترف بها من الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم التي تعتبرها لا تزال تحت سيادة الصومال.
يشعر سكان الإقليم بالغضب نتيجة ما يعتبرونه “خداع” الإمارات لهم
يرجع قرار سلطات أرض الصومال وقف أعمال بناء مطار القاعدة العسكرية الإماراتية في بربرة، احتجاجًا على عدم تنفيذ شركة دي بي وورلد اتفاقياتها مع السلطات في البلاد، التي بموجبها تمول الشركة مشاريع تنموية هناك.
ومن المسائل المختلف عليها بناء وترميم طريق “بربرة-كوردول” الذي يصلها بمدينة وجالي على الحدود بين أرض الصومال وإثيوبيا، ويبلغ طوله نحو 220 كيلومترًا وتقول حكومة أرض الصومال إن بناء هذا الطريق كان جزءا من الاتفاقية، بينما تقول أبو ظبي إن المطلوب دفع نسبة مئوية فقط وليس تحمل جميع تكاليف البناء والترميم.
ميناء بربرة
إلى جانب ذلك، يشعر سكان الإقليم بالغضب نتيجة ما يعتبرونه “خداع” الإمارات لهم، حيث كانت أبو ظبي قد وعدت بتطوير الإقليم عبر بناء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والتجارية للسكان، غير أن هذا الأمر الذي لم يحدث.
وكانت أبو ظبي قد توصلت مع برلمان “جمهورية أرض الصومال” المعلنة من جانب واحد شمالي الصومال في فبراير/شباط 2017، إلى اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن لمدة 25 عامًا، مع حق الوصول إلى مطار المدينة.
طعن صومالي في الاتفاق
هذا القرار من شأنه أن يوتر العلاقات بين أرض الصومال والإماراتيين، وأن يضع حدًا نهائيًا للوجود الإماراتي هناك، خاصة أن الحكومة الصومالية تتهم نظيرتها الإماراتية بـ”انتهاك القانون الدولي”، عبر إبرامها اتفاقًا مع حكومة “أرض الصومال”، غير المعترف بها دوليًا.
ويعدّ هذا الاتفاق، الذي تصفه الصومال بغير القانوني، استكمالاً لمساعي السلطات الإماراتية في تمديد أذرعها داخل دول القرن الإفريقي، ولا سيما أن سيطرتها على معظم المواقع الحيوية في إريتريا، وإقامتها قاعدة عسكرية هناك برضى كامل من سلطات أسمرة، ولّدا لديها شعورًا غير مسبوق بالقدرة الفائقة على التوسع، شعور يحكم، كذلك، تحركات القوات الإماراتية في اليمن، التي تتطلع، من وراء كل ما تقوم به في البلد الفقير، إلى جعل مواني عدن والمكلا والمخا والحديدة، إلى جانب الجزر الجنوبية والغربية، تحت قبضتها.
دفعت هذه الأهمية المحورية لأرض الصومال الإمارات لمحاولة وضع يدها هناك والسيطرة على أهم منافذها البحرية
سبق أن أثار تأسيس هذه القاعدة جدلاً كبيرًا بين دول منطقة القرن الإفريقي، خاصة أن الإمارات تمتلك قاعدة عسكرية أخرى في مدينة “عصب” الساحلية الإريترية تقول إنها تستخدمها في شن هجمات ضدّ الحوثيين في اليمن ودعم الجماعات المسلحة الموالية لها.
وتقع مدينة بربرة شمال غرب الصومال، وكانت لعدة قرون عاصمة لأرض الصومال وأيضًا العاصمة الاستعمارية للصومال البريطانية من عام 1870 حتى 1941، وتعود أهميتها إلى موقعها الإستراتيجي الذي يربط بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي، كما أنها الميناء الوحيد الموجود في الساحل الجنوبي من خليج عدن، لذا فهي تعد المركز التجاري الأكبر للصومال حتى الآن.
أهمية “أرض الصومال” للإماراتيين
أهمية “أرض الصومال” التي انفصلت عن الصومال عام 1991، جاءت بحكم موقعها الإستراتيجي المهم، فهي في منطقة القرن الإفريقي التي تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، وهو ما أهل هذه المنطقة لأن تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى الغرب، كما أنها تُعد ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي.
منطقة القرن الإفريقي
دفعت هذه الأهمية المحورية لأرض الصومال الإمارات لمحاولة وضع يدها هناك والسيطرة على أهم منافذها البحرية، بالتوازي مع سعيها للسيطرة وإدارة عدد من أكبر وأهم المواني في القرن الإفريقي، حيث تعمل الإمارات على تمديد نفوذها الإقليمي ومحاولة مزاحمة الكبار في الحضور الإفريقي خاصة في منطقة القرن ذات الأهمية الإستراتيجية المحورية.
ولا يعدّ قرار بناء قاعدة عسكرية في “أرض الصومال” الوجود الأول أو الوحيد لدولة الإمارات في هذه المنطقة، ففي سنة 2016، حصلت شركة “مواني دبي” على امتياز إدارة مرفأ بربرة لمدة 30 عامًا بهدف تأهيل البنية التحتية له، وتسهيل حركة نقل البضائع ومرور الشاحنات عبر الطريق الذي يربط بين بربرة الصومالية والحدود الإثيوبية.