ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت منطقة الغوطة معروفة في صفوف بعض الأشخاص فقط، قبل صباح 21 من آب/أغسطس الهادئ من سنة 2013. وفي ذلك اليوم، لقي أكثر من 1400 شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، حتفهم مختنقين بغاز السارين الذي أطلقته قوات الأسد، التي تعد الجهة الوحيدة التي تمتلك القوة الضرورية لشن عملية مماثلة. وقد أعادت هذه الحادثة إلى ذاكرتنا ما وقع في “حلبجة”، تلك المدينة الكردية العراقية التي تم قصفها بالغاز من قبل صدام حسين سنة 1988. وعلى غرار عدة مدن وبلدات غير معروفة، دخلت الغوطة التاريخ المعاصر نتيجة الهجوم الذي تعرضت له باعتماد السلاح الكيميائي. وقد كانت الغوطة الشرقية تعيش حصارا فرضته القوات الموالية للأسد وعدة ميليشيات شيعية منذ بداية السنة.
تعد الغوطة بمثابة واحة على أبواب دمشق، في حين تعتبر مدادا لبلدات صغيرة تحولت بسرعة إلى مدن حضرية في ظل هجرة الدمشقيين الذين فروا من تزايد أعداد الأثرياء الجدد المقربين من السلطة ابتداء من سنة 2000 الذين عمدوا إلى شراء منازل داخل مدينة دمشق. بالإضافة إلى ذلك، كانت الغوطة ملجأ مؤقتا لعشرات الآلاف من السوريين الذين وفدوا من مناطق أخرى، فضلا عن العراقيين الذين فروا من الحرب الأهلية في بلادهم. وتعتبر الغوطة أرضا خصبة تكسوها مناطق خضراء غنية بالأشجار المثمرة، في حين أنها تتسم بمجتمع محافظ على الطريقة السورية، الأمر الذي جعل من هذا الوسط الطبيعي أشبه بمنطقة مستقلة بذاتها. وتفتخر الغوطة بتاريخها، حيث لعبت دورا ضمن الانتفاضة في وجه الانتداب الفرنسي سنة 1925، كما أنها تعتبر مرجعا في كتب التاريخ والمسلسلات التلفزيونية ومجمعا للرجال الأحرار.
تبحث إيران، من جهتها، على ترسيخ مشروعها الذي يهدف إلى الولوج إلى مياه البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من طهران، مرورا ببغداد، وصولا إلى دمشق
تطهير عرقي – ديني
يمكن للأسد أن يواصل التغني بهؤلاء الثوار طالما أن تحركاتهم كانت ضد الفرنسيين. ولكن عندما يتعلق الأمر بأولاد هؤلاء الرجال الأحرار الذين عمدوا إلى تنظيم مظاهرات ضد حكمه، فلا يتوان الأسد عن اتهامهم بالتخابر مع جهات أجنبية، تحديدا وفي المقام الأول، قطر، ومن ثم المملكة العربية السعودية. في الواقع، دفع حضور الفصائل المسلحة التي تمولها أو تدعمها هذه الدول في الغوطة النظام إلى قمع شعبه بشكل أكبر، في هذا الجيب الذي حاولت الفصائل فيه مهاجمة دمشق في عدة مناسبات، ولكن دون جدوى.
منطوين على أنفسهم، محاصرين وممنوعين من تلقي أية مساعدة دولية، يجد أهالي الغوطة أنفسهم مجبرين على التسلح بالصبر والإيمان، واستعمال شبكات طرق التهريب في محاولة للالتفاف على ممارسات النظام مرورا بأنفاق تتخذ مسارا متعرجا في باطن الأرض شرق دمشق. منذ سنة 2013، يعاني السكان المحليون في الغوطة من نقص حاد في الغذاء والدواء والتعليم. فضلا عن ذلك، ما فتئ المدنيون يتعرضون لقصف وحشي في حين تمارس ضدهم سياسة ترنو إلى طرد المقاتلين، ومن ثم استهداف الأفراد في إطار عملية تطهير عرقي ديني تعد الأسوأ من بين السيناريوهات الأكثر قتامة في مسلسلات التطهير العرقي.
منذ أسبوع، يقوم كل من النظام وروسيا وإيران بتسليط ضغط على الغوطة من خلال توظيف القوة والعنف الأعمى وذلك من أجل إخضاعها
تبحث إيران، من جهتها، على ترسيخ مشروعها الذي يهدف إلى الولوج إلى مياه البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من طهران، مرورا ببغداد، وصولا إلى دمشق. وفي الأثناء، يتطلب الاستثمار الإيراني في الرجال والعتاد أموالا هامة. وعلى الرغم من معنوياتهم المهزوزة، إلا أن كلا من الإيرانيين، والروس، والسوريين وحلفائهم يعولون على تسريع عملية إسقاط الغوطة من خلال إشعال حرب بلا رحمة، التي تجلت من خلال النار التي خلفها القصف العنيف للطيران الروسي، والقنابل والقذائف الإيرانية، وهجمات مقاتلي الميليشيات والجيش السوري، في محاولة منهم للانتقام بعد الانتكاسات التي مني بها منذ شهر، أو سنة أو قبل بضع سنوات.
قمع وعنف أعمى
في حال كان النظام قد تردد قبل استخدام الأسلحة الكيميائية، فذلك ليس خوفا من ردة فعل الجهات البارزة من المجتمع الدولي، التي لا توجد بالأساس، كما أن الضربات غير المجدية للرئيس ترامب تندرج ضمن سلسلة فاشلة من الضربات الجوية، وذلك منذ قدومه إلى الحكم. والأمر سيان بالنسبة للتهديدات الصادرة عن الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يحاول البحث عن استراتيجية محددة في بداياته الرئاسية، مع العلم أن هذه التهديدات لا تثير خوف النظام الذي استخدم في أكثر من مناسبة غاز الكلور دون أن تفرض عليه أي عقوبات.
في الواقع، تستخدم الطائرات والمدفعية الروسية والسورية قنابل النابالم والقنابل العنقودية وقنابل الفسفور الأبيض وغيرها من الذخائر التي لم يتم الكشف عن طبيعتها ضد السكان المدنيين أو الثوار في الغوطة. ووفقا للتقديرات، فنحن نتحدث عن 300 إلى 400 ألف مدني من سكان الغوطة لا يزالون تحت رحمة قنابل بوتين والأسد.
عموما، يمكن القول إن الأمر بمثابة سيناريو مكرر لما حدث في حلب خلال كانون الأول / ديسمبر سنة 2016. وفي حين طالب السكان في حلب بإجلائهم، فالأمر يختلف في الغوطة، حيث رفض السكان مغادرة منازلهم والذهاب إلى المجهول بغض النظر عن حقيقة أن المنطقة مدمرة بالكامل. في الأثناء، ينتاب المواطنين هناك هاجس وخوف عميق بشأن مطاردتهم من قبل نظام الأسد وأساليبه العسكرية، كما حدث مع جيرانهم سكان داريا خلال شهر تموز/ يوليو من سنة 2016.
الوعي الدولي بات أشبه بصورة القرود الثلاثة الذين لا يرون، ولا يسمعون، وتقريبا لا يتكلمون
منذ أسبوع، يقوم كل من النظام وروسيا وإيران بتسليط ضغط على الغوطة من خلال توظيف القوة والعنف الأعمى وذلك من أجل إخضاعها. وتعد الصور ومقاطع الفيديو التي تصلنا، بمثابة دليل على حرب غير متوازنة تدور في ظل صمت ضمني وتواطؤ المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تم تعطيل قراراته بعد أن رفعت روسيا الفيتو في 11 مناسبة. ويعادل هذا الفيتو الروسي نظيره الفيتو الأمريكي الذي ترفعه واشنطن في الغالب لصالح إسرائيل. في الواقع، يبدو أن سوريا مقسمة بين الأمريكيين والروس والإيرانيين، حيث تسعى هذه الدول الثلاثة، إضافة إلى تركيا وإسرائيل، إلى تفكيك سوريا وخلق وحش في صلبها من المقدر أن يستيقظ قريبا.
عندما خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاحات واسترداد كرامتهم والتحرر من نظام نبذهم منذ سنة 1970، كان لديهم أمل بأن العالم الحر سيكون إلى جانبهم وسيقدم لهم الدعم المعنوي. والجدير بالذكر أن الوعي الدولي بات أشبه بصورة القرود الثلاثة الذين لا يرون، ولا يسمعون، وتقريبا لا يتكلمون. ولسائل أن يسأل: هل فات الأوان حتى يستفيق المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ويتسلحوا بالشجاعة لأداء المهام الموكلة لهم؟
المصدر: لوموند