اليوم هي الذكرى السنوية لانقلاب 28 من فبراير/شباط 1997 في تركيا أو ما يعرف بانقلاب ما بعد الحداثة الذي أطاح بحكومة نجم الدين أربكان الذي وصل للحكم بعد تحالف حزب الرفاه وحزب الطريق القويم.
وقد كان وجود نجم الدين أربكان المعروف بتوجهاته الإسلامية على رأس الحكومة في تركيا أمرًا مزعجًا للنخبة العسكرية ذات العقلية الانقلابية التي كانت على موعد مع أول انقلاب في مايو 1960 تلاه انقلاب في مارس 1971 وانقلاب في سبتمبر 1980، ويجمع الخبراء في العلاقات بين السياسة والجيش في تركيا بأن انقلاب مايو 1960 كان مصدر إلهام لبقية الانقلابات؛ حيث أوجد طغمة عسكرية في تركيا وجعل الحالة الانقلابية أشبه بحالة مؤسسية أصبح لها أذرع في الجهات المدنية مثل الجامعات ومؤسسات التعليم والإعلام وبعض الأحزاب وأصبح هناك مثقفون يدافعون عن هذه العقلية الانقلابية.
وكانت الذريعة التي يتذرع بها الجيش والنخبة المدنية التي كان متحكمًا بها المحافظة على نظام البلاد العلماني والمحافظة على “الأتاتوركية”، ولهذا فقد اعتبر نجم الدين أربكان والمجموعة التي كانت حوله من الإسلاميين بمثابة خطر على تركيا الكمالية وعلى النهج العلماني للبلاد.
بل اعتبر الإسلاميون والمتدينون مصدرًا للرجعية، حيث كان هناك استياء من عدد من المواقف التي تبناها أربكان مثل الانفتاح على الدول الإسلامية ورفض التقارب مع “إسرائيل”، واعتمادًا على النخب المدنية حرضت قيادة الجيش هذه النخب على إطلاق حملات ضد حكومة أربكان، ومع قيام أنصار الحزب بمظاهرات من أجل القدس في أنقرة تدخل الجيش ثم وصولاً إلى يوم 28 من فبراير/شباط أصدر مجلس الأمن القومي قرارات طالب رئيس الحكومة بالتوقيع عليها ومن ضمنها حظر الحجاب في الأماكن الحكومية وخاصة مؤسسات التعليم وإغلاق المدارس الدينية وحظر الفعاليات الدينية والطرق الدينية وغيرها؛ مما اضطر أربكان للاستقالة.
إن كان انقلاب 28 من فبراير/شباط قد نجح في إبعاد أربكان عن السياسة فقد هيأ الطريق لقدوم أردوغان الذي أدرك هذه التفاعلات واستطاع على مدى 15 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية أن يجعل اليد العليا للمدنيين
تلا ذلك إغلاق حزب الرفاه ليؤسس أربكان حزب الفضيلة الذي صعد أردوغان من خلاله لرئاسة بلدية إسطنبول، وقد أغلق حزب الفضيلة أيضًا بعد مدة قصيرة، وهنا حصل انقسام بين من تبقى من أعضاء حزب الفضيلة؛ حيث أسس قسم منهم حزب السعادة فيما أسس أردوغان ومجموعة من القيادات الشابة للحزب حزب العدالة والتنمية، وكان أردوغان قد ذاع صيته في فترة رئاسته لبلدية إسطنبول.
لقد كان لانقلاب 28 من فبراير/شباط أثر كبير في بناء إستراتيجية حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان الذي ما زال في الحكم منذ فوزه في الانتخابات في 2002 مسجلاً الفوز والتقدم في كل العمليات الانتخابية التي شارك فيها، حيث أدرك الحزب ضرورة تغيير نمط العلاقة بين المدنيين والعسكر لتصبح الكلمة الأعلى للمدنيين؛ وبالفعل نجح في إبعاد الجيش عن السياسة مستفيدًا من عدة فرص منها عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي.
لقد أحدث حزب العدالة والتنمية إصلاحات كبيرة على مستوى العلاقة بين الجيش والسياسة وأعاد الجيش إلى مهمته الأساسية وهي حماية البلاد من الأخطار الخارجية وتطوير ذاته في القطاع العسكري، وهو ما بدأ يظهر بوضوح في السنوات الثلاثة الأخيرة؛ حيث خاض الجيش معركتين خارجيتين وظهر التطور في قطاع التصنيع العسكري.
وقد علق الكاتب الأمريكي ستيفن كوك على صور جلوس قادة عسكريين أتراك خلف وزير الدفاع المدني بالقول إن هذا يعد أمرًا غريبًا على النخبة العسكرية في تركيا التي كانت ترفض أن تجلس خلف الوزراء المدنيين حتى في اجتماعات الناتو، وكانت تتخذ قرارات مصيرية حتى دون أن تكلف نفسها عناء إبلاغ الحكومة المدنية.
كان برنامج أردوغان وحزبه في عام 2001 يتطلع إلى ترويض العلمانية، حيث أراد أن تكون علمانية غير معادية للدين
لكن الواقع اليوم أصبح مختلفًا وإن كان انقلاب 28 من فبراير/شباط قد نجح في إبعاد أربكان عن السياسة، فقد هيأ الطريق لقدوم أردوغان الذي أدرك هذه التفاعلات واستطاع على مدى 15 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية أن يجعل اليد العليا للمدنيين، بل إنه كان أول رئيس وكان حزبه أول حزب ينجح في إحباط محاولة انقلابية كانت الأولى عام 2007 والثانية وهي الأشهر في 15 من يوليو/تموز 2016 التي عززت موقفه.
لقد ظهر أردوغان قبل أسبوع في أحد المواقع العسكرية يرتدي سترة عسكرية في إشارة واضحة على قيادته للمشهد التركي سياسيًا وكقائد أعلى للبلاد ومن المتوقع أن فوزه في انتخابات 2019 إن تحقق سيعطيه زخمًا أكبر وقوة أكبر.
لقد أعاد أردوغان وحزبه الحرية بارتداء الحجاب والعبادة والتدين وسمح للمتدينين بالعمل في الوظائف الحكومية وازدهرت مدارس الأئمة والخطباء وأصبح لوقف الديانة دور كبير في البلاد، ومن الأمثلة التي تشير إلى الفارق ما قام به الرئيس في العام الماضي حيث صادق على تعيين مروة قاوقجي سفيرة للبلاد في ماليزيا وهي التي طردت من البرلمان بسبب ارتدائها للحجاب عام 1999، بل وتم سحب جنسيتها التركية واعتبر دخولها للبرلمان بالحجاب تحديًا للدولة.
لقد كان برنامج أردوغان وحزبه عام 2001 يتطلع إلى ترويض العلمانية؛ حيث أراد أن تكون علمانية غير معادية للدين ولكن هذا أيضًا لم يقنع العلمانيين، ورغم تراجعهم لصالح حزب العدالة وتراجع فرص تنفيذهم لانقلاب جديد إلا أن أحدًا ما لا يمكن أن يجزم بموت العقلية الانقلابية في تركيا.
وإجابة عن سؤال العنوان، فقد نجح انقلاب ما بعد الحداثة في الإطاحة بأربكان، لكنه مهد الطريق لأردوغان الذي نجح في القضاء على الوصاية العسكرية على السياسة، وبهذا يكون انقلابًا فاشلاً بالنتيجة وكان بمثابة الفعل الأخير الذي ولد فعلاً معاكسًا في المجتمع التركي كان أول آثاره الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية وتشكيله الحكومة بمفرده عام 2002 ثم استمراره في الفوز إلى يومنا هذا.