في الوقت الذي تسعى فيه المملكة المغربية، إلى تعزيز علاقاتها مع كبرى التجمعات الإقليمية على رأسها الاتحاد الأوروبي لدعم اقتصادها، أصدرت محكمة العدل الأوروبية، قرارًا نهائيًا يعتبر أن اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا ينطبق على الصحراء الغربية، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على علاقات المملكة بدول أوروبا حسب عديد من المراقبين.
إلغاء الاتفاقية
المحكمة الأوروبية، قالت أمس الثلاثاء: “اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ساري المفعول ما لم يُطبق على إقليم الصحراء ومياهه الإقليمية”، معتبرة أن ضم مياه الصحراء إلى الاتفاق “يخالف عدة بنود في القانون الدولي وتقرير المصير”.
هذا الرأي يتماشى مع ما سبق أن أعلنته المحكمة التي دعت في ديسمبر/كانون الأول 2016، إلى استثناء الصحراء من اتفاق للتبادل الحر مع المغرب، واعتبرت المحكمة أن المغرب لا يمكنه ممارسة سيادته “إلا على المياه المحيطة بأراضيه والتابعة لبحره أو منطقته الاقتصادية الخالصة”.
تستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سمك سنويًا، تمثل 5.6% من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية
وفي 17 من يناير/كانون الثاني الماضي، دعا المحامي العام الأوروبي ميلشيور واتليت، وهو أحد تسعة مستشارين يقدمون الرأي القانوني للمحكمة الأوروبية، إلى إلغاء الاتفاقية لأنها تتضمن إقليم الصحراء، وكلف وزراء الفلاحة والصيد البحري في دول الاتحاد الأوروبي الـ28، الإثنين الماضي، المفوضية الأوروبية بالتفاوض بشأن تجديد اتفاقية الصيد من جانب دول الاتحاد في المياه الإقليمة المغربية.
وتسمح هذه الاتفاقية للسفن الأوروبية بدخول منطقة الصيد الأطلسية للمغرب، مقابل 30 مليون يورو سنويًا يدفعها الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى 10 ملايين يورو مساهمة من أصحاب السفن، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 2014 لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، تنتهي يوم 14 من يوليو/ تموز المقبل، وتهم الاتفاقية نحو 120 سفينة صيد (80% منها إسبانية) تمثل 11 دولة أوروبية وهي: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وليتوانيا ولاتفيا وهولندا وإيرلندا وبولونيا وبريطانيا.
تستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سمك سنويًا، تمثل 5.6% من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية، وجاء قرار المحكمة الأوروبية الأخير بناءً على طلب من محكمة بريطانية، تنظر في شكوى بشأن اتفاق الصيد البحري مقدمة من منظمة تدعو إلى الاعتراف بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية.
ليست الأولى
هذا القرار لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن أصدرت ذات المحكمة في ديسمبر/كانون الأول 2016، قرارًا باستثناء منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو من اتفاق التجارة الحرة للمنتجات الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الذي خلف حينها توترًا في العلاقات بين الرباط وبروكسل، وتهديد المغرب بقطع العلاقات مع الأوروبيين قبل أن يتوصل الطرفان إلى تجاوز هذا القرار، وتجديد اتفاقية التجارة الحرة للمنتجات الزراعية.
سبق للمملكة المغربية أيضًا أن قرّرت وقف اتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي، رفضًا لقرار المحكمة الأوروبية في ديسمبر 2015، الخاص بإلغاء اتفاق التبادل التجاري الحر لمنتجات الزراعة والصيد، بدعوى شموله منتجات مناطق الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، حيث قرّر العاهل المغربي محمد السادس في الـ25 من فبراير 2015، وقف جميع الاتصالات الرسمية مع مختلف مرافق الاتحاد.
تصر محكمة العدل الأوروبية على ضرورة تطبيق القرار
ووقعت المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي اتفاق تبادل المنتجات الزراعية عام 2012 الذي يمنح المغرب تخفيضات جمركية على المنتجات الزراعية والبحرية المصدَّرة إلى دول الاتحاد، تصل إلى نحو 70% على مدى 10 سنوات.
وتأتي هذه القرارات، في الوقت الذي تعتبر فيه المملكة الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، فيما تقول الجبهة إن المنتجات البحرية والزراعية القادمة من الصحراء والمتوجهة نحو الأسواق الأوروبية، تابعة لها وليس للمغرب باعتبار أن الصحراء تحت سيطرتها وتعود إليها، حسب قولهم.
الاتحاد الأوروبي المستفيد الأول من الاتفاقية
قرار المحكمة الأوروبية، بعدم قانونية الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، يصعب تطبيقه على أرض الواقع، خاصة أن دول الاتحاد هي المستفيدة أكثر من الاتفاق، كما أن هذه الدول لا تريد الدخول في أزمة مع المملكة.
وتجني دول الاتحاد خاصة إسبانيا التي تعاني من أزمة اقتصادية فادحة، أموالاً طائلة من هذه الاتفاقية كقيمة مضافة مباشرة وغير مباشرة بالنسبة لقطاع الصيد في ذلك الفضاء، تساهم بقدر كبير في تنمية اقتصادها، وهو ما يجعل الاتحاد الخاسر الأكبر من قرار المحكمة الأوروبية.
يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية
ومنح الاتحاد الأوروبي سنة 2008، المغرب صفة “الوضع المتقدم” التي بموجبها أعطى الاتحاد للمملكة حق ولوج كل مجالات الفعل الأوروبي باستثناء الانضمام الكامل لبناه وهياكله، لا سيما التشريعية والتنظيمية، وجعلت هذه الصفة المملكة أقل من عضو كامل في الاتحاد وأكثر من شريك عادي، مما مكّنها من امتيازات كبيرة قل منحها لأي دولة.
يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية، حيث تمثل صادرات المملكة إليه 77% من مجمل صادراتها، كما تربطها عدة اتفاقيات كبيرة مع الاتحاد في مجالي الزراعة والصناعة، إضافة إلى اتفاق للتبادل الحر، ويبلغ حجم استثمارات الاتحاد الأوروبي القائمة حاليًا في المغرب نحو 2.1 مليار يورو.
نقاط قوّة المغرب
في حال إصرار المحكمة الأوروبية على تطبيق قرارها الأخير، يرى خبراء، أن المغرب سيلجأ إلى التصعيد خاصة أنه يمتلك نقاط قوة كثيرة ترجح كفته، أهمها الهجرة وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب وكثيرًا ما يستخدم المغرب ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل مصالحه الاقتصادية والسياسية، وإجباره على العدول عن بعض قراراته.
يلوح المغرب باستعمال ورقة الهجرة
يرتبط المغرب مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية شراكة من أجل الهجرة والتنقل بين الطرفين، تمّ توقيعها سنة 2013 وتهدف إلى ضبط تيارات الهجرة والتنقل وتحقيق ملاءمة العرض والطلب على العمالة ومكافحة الهجرة السرية وتحسين الحماية الدولية للاجئين وتنظيم حركة الأدمغة وتنقلها كبديل عن حركة هروب الأدمغة.
وتمثّل قضية الهجرة جوهر العلاقات المغربية الأوروبية، على اعتبار موقع المملكة الإستراتيجي الذي يطل مباشرة من شمال القارة الإفريقية الفقيرة على أوروبا الغنية، مما جعل هذه القضية محور الرهانات السياسية والأمنية والاقتصادية لضفتين، المغربية والإسبانية.