ترجمة وتحرير نون بوست
لم تحظ السياسة الخارجية بالكثير من الوقت على الهواء في المرتين الأخيرتين اللتين تواجه فيهما الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن على منصة المناظرة خلال السباق الرئاسي قبل أربع سنوات. ولكن في أول مواجهة بينهما في حملتهما الانتخابية لهذا العام ليلة الخميس – في ظل حربين كبيرتين لواشنطن مصلحة حاسمة فيهما، فضلاً عن تصاعد المنافسة بين القوى العظمى مع الصين – كان من الصعب تجاهلها.
وكما كتب جيريمي سوري من جامعة تكساس في أوستن في مقال له في مجلة “فورين بوليسي” قبل المناظرة، فإن ترامب وبايدن متباعدان في نهجهما تجاه علاقات واشنطن الدولية أكثر من معظم المرشحين الرئاسيين في التاريخ الحديث، حيث يسعى بايدن إلى استعادة مكانة أمريكا العالمية وعلاقتها مع الحلفاء التقليديين بينما يتبنى ترامب سياسة أكثر انعزالية.
هيمنت على المناظرة القضايا المحلية مثل الاقتصاد – بما في ذلك التضخم وارتفاع تكلفة رعاية الأطفال – وأزمة المواد الأفيونية، بينما حظيت الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب بين إسرائيل وحماس باهتمام كبير. ومن اللافت للنظر أن المرشحين لم يُسألا عن الصين، على الرغم من أنهما ذكراها لفترة وجيزة عند مناقشة الاقتصاد الأمريكي وتأثير الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها ترامب، وأبقى بايدن على معظمها، على العديد من الواردات الصينية.
إليكم ما قاله المرشحان على منصة المناظرة ليلة الخميس حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية التي تواجه واشنطن في الوقت الحالي:
روسيا والحرب في أوكرانيا
تجادل بايدن وترامب بشدة حول موقف الولايات المتحدة من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وحجم المساعدات الأمريكية لكييف، ومساهمات واشنطن في حلف الناتو. في ظل إدارة بايدن، كانت الولايات المتحدة داعمًا قويًا للمجهود الحربي في أوكرانيا بتقديم حوالي 175 مليار دولار من المساعدات العسكرية لكييف منذ أن شنت موسكو غزوها الشامل للبلاد في سنة 2022. ودافع بايدن عن هذا الموقف، وصور الولايات المتحدة كموحد عالمي في حشد الدعم الدولي لكييف خلال الحرب قائلا: “لقد جعلت 50 دولة أخرى حول العالم يدعمون أوكرانيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية”.
في المقابل، أشار ترامب بلا أساس إلى أن بايدن “شجّع روسيا” على الغزو وسعى إلى تصوير الغزو كنتيجة للانسحاب الفوضوي لإدارة بايدن من أفغانستان في أيار/ مايو 2021، قائلا إن: “[بايدن] كان سيئًا للغاية في أفغانستان، لقد كان الأمر محرجًا للغاية. لو كان لدينا رئيس حقيقي، رئيس يحظى باحترام [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين، لما غزا أوكرانيا أبدًا”.
وتعهّد ترامب في حال انتخابه لفترة رئاسية ثانية “بتسوية” الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل تنصيبه – دون أن يشرح كيف يمكن القيام بذلك. كما انتقد بشدة حلف الناتو، مستندًا إلى تهديداته السابقة بأن على روسيا أن تفعل “ما يحلو لها” بأعضاء الناتو الذين يفشلون في تحقيق أهداف إنفاقهم الدفاعي موضحًا “نحن ندفع فواتير الجميع”.
أعلن ترامب أن موقف إدارة بايدن سيدفع الولايات المتحدة إلى حرب أخرى، محذرًا من أنه: “سيقودنا إلى حرب عالمية ثالثة، ونحن أقرب إلى حرب عالمية ثالثة أكثر مما يتخيله أي شخص، وهو سيقودنا إلى هناك”. ورد بايدن على هذا الشعور: “هل تريد حربًا عالمية ثالثة؟ دعوا [ترامب] يفوز ودعوه يقول لبوتين أن يفعل ما يشاء بحلف الناتو”.
“إسرائيل” والحرب على غزة
وكما هو متوقع، عبّر كلا المرشحين عن تأييدهما الكامل لـ “إسرائيل”، وإن كان بدرجات وأساليب مختلفة. قال بايدن إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أيّد خطته لحل النزاع بين “إسرائيل” وحماس، وردّ على اتهام نتنياهو بأن واشنطن لم تدعم “إسرائيل” بما فيه الكفاية بتأكيده على أن الأسلحة الوحيدة التي حرمها بايدن “إسرائيل” هي القنابل التي تزن 2000 رطل، والتي “لا تعمل بشكل جيد في المناطق المأهولة بالسكان” و”تقتل الكثير من الناس”. وأشار إلى أن “الوحيدين الذين يريدون استمرار الحرب هم حماس”، مضيفًا أن الحركة المسلحة قد “ضعفت بشكل كبير” و”يجب القضاء عليها” – مع التأكيد على أن “إسرائيل” يجب أن تكون “حذرة في المناطق المأهولة بالسكان”.
لكن ترامب ضرب بهاتين الفكرتين عرض الحائط قائلاً: “في الواقع، إسرائيل هي التي تريد الاستمرار”، وأضاف: “يجب أن نتركهم يستمرون وينهوا المهمة”، كما وجّه اتهامًا صريحًا ومبالغًا فيه بشكل مميز لبايدن زاعمًا أنه دعم إسرائيل بشكل ضعيف قائلًا: “لقد أصبح مثل الفلسطيني”.
وفي تكرار لادعائه السابق بأن بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا لو كان ترامب في البيت الأبيض، أكد أن حماس لم تكن لتهاجم “إسرائيل” لو كان ترامب رئيسًا في ذلك الوقت. وردًا على سؤال مديرة الحوار دانا باش عما إذا كان سيدعم إقامة دولة فلسطينية، تهرّب ترامب من الإجابة على هذا السؤال، واكتفى بالقول إنه “يجب أن نرى” قبل أن يعود سريعًا إلى الانتقادات اللاذعة حول مشاركة بايدن في حلف شمال الأطلسي.
صورة أمريكا العالمية
انتقد كلا المرشحين بعضهما البعض بسبب ما اعتبراه تراجعًا في مكانة أمريكا العالمية. هاجم ترامب بايدن بشكل متكرر بشأن الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، مشيرًا إلى أنه “اليوم الأكثر إحراجًا في تاريخ بلادنا”، ووصفه في إحدى المرات بـ “عرض الرعب الأفغاني”. وقال ترامب: “ما حدث لسمعة الولايات المتحدة في ظل قيادة هذا الرجل أمر فظيع”.
من جهته، اتهم بايدن ترامب بالرغبة في الانسحاب من حلف الناتو، وقال إن دعم ترامب السابق وإشادته بالمتظاهرين اليمينيين المتطرفين في شارلوتسفيل في فيرجينيا وحتى أدولف هتلر هو ما أضر بسمعة أمريكا العالمية. وقال بايدن: “هذا الرجل ليس لديه أي فهم للديمقراطية الأمريكية”. وانتقد بايدن في وقت لاحق تصريحات ترامب المشؤومة حول صورة أمريكا العالمية: “فكرة أننا دولة فاشلة بطريقة ما، لم أسمع رئيسًا يتحدث بهذه الطريقة من قبل. نحن موضع حسد العالم”.
الصين
ربما كانت أكبر مفاجأة في المناظرة هي الغياب النسبي لمناقشة أكبر منافس عالمي للولايات المتحدة. فقد ركز المشرفون على المناظرة بشكل رئيسي على أسئلة السياسة الخارجية المتعلقة بالصراعات في أوكرانيا وغزة، بالإضافة إلى علاقة الولايات المتحدة بأوروبا وحلف الناتو.
قد يكون أحد الأسباب هو أن ترامب وبايدن أكثر تقاربًا بشأن السياسة تجاه الصين مقارنة بأي قضية أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية. فقد استمر بايدن في اتباع سياسة متشددة تجاه الصين التي بدأها سلفه ترامب، بل زاد من حدتها في بعض الأحيان حيث أبقى على العديد من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات الصينية وزاد من القيود المفروضة على أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية على وجه الخصوص.
مع ذلك، ذكر كلا المرشحين الصين في عدة مناسبات. قال ترامب عن بايدن ردًا على سؤال لا علاقة له بأزمة المواد الأفيونية: “في عهد هذا الرجل، أصبح لدينا أكبر عجز تجاري مع الصين. وأضاف ترامب كاذبًا: “إنه يتلقى أموالًا من الصين، إنه مرشح منشوري يحصل على الأموال من الصين”. كما أشار ترامب أيضًا إلى أن بايدن لم يقم بإلغاء التعريفات الجمركية التي فرضها هو على الصين لأنها تجلب “الكثير من الأموال”. غرد بايدن قائلاً: “أنت لم تحرز أي تقدم بشأن الصين”، مستشهدًا بإنجازه الخاص المتمثل في خفض العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة مع الصين إلى أدنى مستوى له منذ سنة 2010.
الهجرة
بعض أكثر أكثر الخطابات التحريضية في المناظرة كان عندما تشاجر ترامب وبايدن حول سياسة الهجرة الأمريكي. فقد اتسمت فترة رئاسة ترامب بسياسات هجرة صارمة ومثيرة للجدل – ولا يزال بعضها قائمًا حتى اليوم في ظل إدارة بايدن.
منذ البداية، شنّ ترامب هجمات على سياسات بايدن، متهمًا إياه بالفشل في وقف تدفق المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة ورسم صورة بائسة – وخاطئة إلى حد كبير – للمهاجرين غير الشرعيين الذين يحولون البلاد إلى “عش فئران” للجريمة، وأن الولايات المتحدة “دولة غير متحضرة الآن حرفياً” وأن “الناس يأتون ويقتلون مواطنينا”. (تظهر الدراسات في الواقع أن احتمال ارتكاب المهاجرين للجرائم أقل من المواطنين المولودين في الولايات المتحدة).
وقال ترامب: “أود أن أسأله لماذا سمح لملايين الأشخاص بالقدوم إلى هنا من السجون والمعتقلات والمصحات العقلية ليأتوا إلى بلادنا ويدمروا بلادنا”. فرد بايدن بمهاجمة إرث ترامب في مجال الهجرة، الذي تضمن “فصل الأطفال الرضع عن أمهاتهم ووضعهم في أقفاص” في إطار سياسة الفصل الأسري التي انتهجها الرئيس السابق. وبموجب تلك السياسة، فصلت إدارة ترامب حوالي 2600 طفل عن والديهم. كما أضاف أن إدارته “عملت بجد للتوصل إلى اتفاق بين الحزبين” بشأن الهجرة. وقال بايدن: “ما فعلته، منذ أن غيرت القانون.. لقد غيرته بطريقة أصبح فيها عدد الأشخاص القادمين عبر الحدود بشكل غير قانوني أقل بنسبة 40 بالمائة، هذا أفضل مما كان عليه الوضع عندما غادر [ترامب] منصبه”.
المصدر: فورين بوليسي