أعلنت شركة مواني دبي العالمية الإماراتية – التي تدير ما يقرب من 78 ميناءً بحريًا في نحو 40 دولة في مختلف أنحاء العالم – الثلاثاء 27 من فبراير/شباط 2018، توقيع اتفاقية رسمية مع هيئة قناة السويس المصرية، تحدد جدولًا زمنيًا لتنفيذ منطقة صناعية سكنية تجارية في منطقة العين السخنة (شمال شرق القاهرة)، بحسب بيان صادر عن الشركة التابعة لمجموعة دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي.
الاتفاقية المبرمة بين الجانبين كأحد مخرجات إطار العمل الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الذي نص على تأسيس شركة تنمية رئيسية بالمشاركة بين الهيئة و”مواني دبي”، تمهد لإنشاء المرحلة الأولى من المشروع والمقدر له مساحة تبلغ 30 كيلومترًا، وإن كانت لم تشر بعد إلى تفاصيل الخطة الزمنية لها، بدايتها ونهايتها وكلفتها.
تعود الاتفاقية إلى التاسع من أغسطس/آب 2017، حين وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تأسيس شركة تنمية رئيسية مشتركة بين الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، ومجموعة مواني دبي العالمية التي بموجبها تساهم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بـ51% ومواني دبي بـ49%.
تؤكد هذه الخطوة مساعي أبناء زايد استثمار النفوذ السياسي الذي تحقق لبلدهم داخل مصر بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى قصر الاتحادية، وذلك عبر بوابة الاستحواذ على كبرى القطاعات الاستثمارية والخدمية التي كانت محصورة في السابق على الجهات السيادية لما تنطوي عليه من اعتبارات تتعلق بـ”الأمن القومي”.
هيمنة شبه كاملة
وضعت الشركات الإماراتية المملوكة في معظمها لحكومة دبي وكبار رجالاتها يدها على النصيب الأكبر في “كعكة” الاستثمار المصري خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعدما فتح الباب أمامها على مصراعيه بعد الإطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي الذي كان يمثل عقبة كبرى في تغلغل الإماراتيين في مفاصل الدولة المصرية.
المنطقة الصناعية بقناة السويس: ظل محور قناة السويس وحتى فترة قريبة “خطًا أحمر” أمام أي مستثمر أجنبي، لاعتبارات سيادية كانت ترى أن دخول هذه المنطقة الحيوية “خطر على أمن مصر القومي”، غير أن الأمور سرعان ما تبدلت في الآونة الأخيرة لتنتهي باكتساح إماراتي وهيمنة على أغلب مشروعات المحور خاصة بعد تدشين ما سمي بـ”قناة السويس الجديدة”.
تعود الهيمنة الإماراتية على مشاريع قناة السويس عام 2008 حين استحوذت شركة “مواني دبي” على عقد إدارة ميناء العين السخنة، أحد أكبر وأهم المواني على البحر الأحمر، وبموجب العقد الموقع سيطرت الشركة الإماراتية على 90% من أسهم شركة تطوير ميناء السخنة، صاحبة الامتياز والمسؤولة عن تشغيل ميناء السخنة، مقابل 670 مليون دولار، فضلًا عن توليها مسؤولية توسعة طاقة ميناء العين السخنة المصري لتبلغ مليوني حاوية في العام، تزامنًا مع استثمارات للشركة بمليار ونصف مليار دولار في خلال خمسة أعوام.
احتكار قطاع الصحة.. استحوذت شركة أبراج كابيتال الاقتصادية الإماراتية العملاقة المتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، على نصيب الأسد في حزمة المشروعات الصحية المقدمة في القطاع الطبي، لتتحول من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع الحيوي الذي يخدم الملايين من المصريين.
تنوعت صفقات الشركة الإماراتية – التي تأسست في 1999 وتبلغ قيمة الأصول التي تديرها نحو 7 .5 مليار دولار، عبر أكثر من 20 صندوقًا استثماريًّا موزعًا على أكثر من 30 دولةً – لتشمل شراء 12 مستشفى خاصًا، أبرزها مستشفى القاهرة التخصصي وبدراوي والقاهرة وكليوباترا والنيل، بجانب معامل التحاليل الأشهر: المختبر والبرج، وتأسيس شركة جديدة تضم المعملين، وإتمامها صفقة شراء شركة آمون للأدوية.
الاتفاقية المبرمة بين الجانبين تمهد لإنشاء المرحلة الأولى من المشروع والمقدر له على مساحة تبلغ 30 كيلومترًا
تستحوذ شركة أبراج كابيتال الإماراتية على حصة كبيرة من استثمارات القطاع الطبي
السيطرة على قطاع المواصلات.. يوليو/حزيران 2017 كان الانطلاقة الأولى للإمارات نحو بسط الهيمنة على قطاع النقل والمواصلات، وذلك عبر ضخ 180 حافلة ضمن مشروع النقل الجماعي الذكي داخل القاهرة الكبرى الذي استثمرت فيه شركة مواصلات مصر التي تستحوذ مجموعة الإمارات الوطنية على 70% من رأسمالها، بنحو مليار دولار.
العام الماضي طرحت الشركة المصرية المستحوذ عليها من الشركة الإماراتية مناقصة لتوريد 236 سيارة نقل جماعي، بدأت مرحلتها الأولى من خلال 100 ميني باص و80 أتوبيسًا ذكيًا، 30% منها معدة لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة، تستهدف خدمة 8 ملايين راكب خلال عامين ونصف.
هذا بخلاف تغلغل أبو ظبي في سوق المواصلات المصرية عبر شركة كريم، وهي شركة نقل إماراتية متخصصة في النقل الخاص، إذ بلغ حجم استثماراتها في مصر نحو 500 مليون دولار.
تكنولوجيا مصرية بنكهة إماراتية.. كما كان محور قناة السويس عصيًا على المستثمر الأجنبي لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي كان حال قطاع التكنولوجيا والاتصالات أيضًا، غير أن ما حدث في السويس حدث في التكنولوجيا كذلك، إذ نجحت الإمارات في بسط هيمنتها على هذا القطاع بصورة كبيرة.
وزارة الاستثمار المصرية في 2014 أصدرت تقريرًا كشفت فيه أن إجمالي عدد الشركات الإماراتية العاملة في السوق المصرية بلغ 674 شركة، تجاوز حجم استثماراتها في قطاع التكنولوجيا حاجز الـ2.08 مليار دولار، وأن رأس المال المصدر لهذه الشركات وصل 2.6 مليار دولار في حين بلغ رأس مال المدفوع 2.6 مليار دولار أيضًا.
التغلغل في سوق الطاقة والثروة المعدنية.. بلغت عدد محطات تموين السيارات التابعة لشركة إمارات مصر البترولية خلال العامين الأخيرين فقط قرابة 15 محطة موزعة في مختلف المحافظات المصرية، هذا بخلاف الشراكة التي تم توقيعها بين شركات إماراتية وأخرى مصرية للهيمنة على تموين الطائرات.
الشركة الإماراتية (إمارات مصر) نجحت في الاستحواذ على نصيب من مشروع “أمصرجيت” لتموين الطائرات بمطار برج العرب الدولي منذ عام 2014، الذي يضم أنابيب ومستودعات وتشغيل وإدارة محطة لتموين الطائرات باستثمارات أكثر من 50 مليون جنيه، وذلك بعد دخولها في شراكة مع شركة مصر للبترول التي تتبع الهيئة العامة للبترول (حكومية)، هذا بخلاف اتفاقيات أخرى تشمل مشروعات تموين الطائرات في نحو 12 مطارًا إقليميًا بمصر.
يذكر أنه في 2008 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع شركة “آل ثاني دبي” للتعدين الإماراتية حصلت الشركة بموجبها على امتياز التنقيب عن الذهب بمنطقتي حوضين ووادي كريم غرب شلاتين لمدة خمس سنوات تنتهي في 2015، وتنص الاتفاقية كذلك على تقاسم الإنتاج بين الهيئة والشركة، وما إن انتهت المدة المحددة حتى جددت الشركة الإماراتية العقد لفترة جديدة، لتبلغ استثماراتها في مجال التنقيب عن الذهب خلال السنوات الماضية 10 ملايين دولار في المناطق المحددة بالاتفاقية.
سرب موقع “ميدل ايست آي” وثيقة إستراتيجية لمحمد بن زايد كشفت الأهداف التي تسعى الإمارات لتحقيقها من وراء دعمها للقاهرة، وملامح الإستراتيجية المتبعة لترجمة هذه الأهداف إلى واقع ميداني
القاهرة تشرعن الهيمنة
التحركات الإماراتية لبسط الهيمنة على القطاعات الحيوية المصرية، قابلتها القاهرة بحزمة من التشريعات التي تضفي نوعًا من الحماية على هذا النفوذ غير المسبوق حتى في أحلك الفترات التاريخية التي قبعت فيها مصر تحت حكم الاحتلال الأجنبي.
في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين 2017، صادق السيسي على مذكرة تفاهم كانت قد وقعت بين حكومتي مصر والإمارات بشأن التعاون المالي والفني في أبو ظبي بتاريخ (23 من يناير/كانون ثاني 2017) بقرار رقم (279 لسنة 2017) ، الكثير من التساؤلات عما تتضمنه من بنود ترسخ للنفوذ الإماراتي في مصر.
المذكرة التي تم نشرها في الجريدة الرسمية المصرية ووافق عليها مجلس النواب (البرلمان) يوليو الماضي، في جلسة لم تستغرق سوى عدة دقائق، تعطي الإمارات حزمة من الامتيازات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ مصر، مقارنة بالدول الأخرى، فضلًا عما تحمله من ضمانات لحماية المصالح الإماراتية من الملاحقات القضائية، داخليًا كانت أو خارجيًا، هذا بخلاف ما تضمنته من قنابل موقوتة تهدد استقلالية القرار والإرادة المصرية.
صورة ضوئية من مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومتي مصر والإمارات
إجمالي عدد الشركات الإماراتية العاملة في السوق المصرية بلغ 674 شركة، تجاوز حجم استثماراتها في قطاع التكنولوجيا حاجز الـ2.08 مليار دولار
السيطرة على القرار المصري
ليس من المنطقي أن تضخ الإمارات كل هذه المليارات داخل السوق المصرية دون أهداف تسعى لتحقيقها، خاصة أن التجربة خلال السنوات التالية لثورات الربيع العربي كشفت النقاب عن نوايا غير معلنة وأطماع لأبناء زايد في المنطقة تسعى لتحقيقها عبر نوافذ متباينة وإستراتيجيات متعددة.
في 2015 سرب موقع “ميدل إيست آي” وثيقة إستراتيجية لمحمد بن زايد كشفت الأهداف التي تسعى الإمارات لتحقيقها من وراء دعمها للقاهرة، وملامح الإستراتيجية المتبعة لترجمة هذه الأهداف إلى واقع ميداني، لافتة إلى كيفية اختراق أبو ظبي للشأن الداخلي المصري من خلال بوابة الاستثمار والدعم الاقتصادي، حيث حددت ثلاث مراحل للاستثمار في مصر بدأت جولتها الأولى في 2016، بينما في المرحلة الثالثة تسعى الإمارات أن تتحول من مجرد ممول إلى شريك كامل له الكلمة العليا والمؤثرة في رسم خط سير القرار المصري.