ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقاً للجنة حماية الصحفيين، فإن 103 صحفيين وعاملين في وسائل الإعلام هم من بين أكثر من 37 ألفًا من ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. في مواجهة الحرب الأكثر دموية للصحفيين في التاريخ الحديث، قامت منظمة “فوربيدن ستوريز” – التي تتمثل مهمتها في مواصلة عمل الصحفيين الذين يُقتلون أثناء تأدية واجبهم – بالتحقيق في استهداف الصحافة في غزة والضفة الغربية.
وفي تعاون فريد من نوعه، جمعت منظمة “فوربيدن ستوريز” 50 صحفيًا من 13 مؤسسة إعلامية حول العالم. قامت هذا الفريق الصحفي بتحليل ما يقارب 100 حالة لصحفيين وعاملين في وسائل الإعلام قتلوا في غزة، بالإضافة إلى حالات أخرى يزعم فيها أن إسرائيل استهدفت أو هددت أو أصابت أعضاء من الصحافة على مدى الأشهر الثمانية الماضية. ومع عدم القدرة على الإبلاغ بحرية من داخل القطاع، تواصل أعضاء التجمع عن بُعد مع أكثر من 120 صحفياً وشاهداً على الأنشطة العسكرية في غزة والضفة الغربية؛ استشاروا حوالي 25 خبيراً في مجال المقذوفات والأسلحة والصوت، بما في ذلك إيرشوت؛ واستخدموا صور الأقمار الصناعية من بلانت لابز وماكسار تكنولوجيز.
اليوم، بعد أربعة أشهر من العمل التعاوني، ننشر معاً “مشروع غزة”. أدناه إحدى مقالتين من المشروع الذي شاركت في نشره مجلة +972 مع منظمة “فوربيدن ستوريز” (اقرأ المقالة الأخرى هنا). للحصول على القائمة الكاملة للمقالات التي تشكل “مشروع غزة” ومزيد من المعلومات حول التعاون، اضغط هنا.
كانت الساعة تشير إلى الثانية فجرًا في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر عندما أجرى عادل زعنون، صحفي في وكالة الأنباء الفرنسية (AFP)، اتصالاً قلقاً مع رؤسائه. لقد تلقى فريق وكالة الأنباء الفرنسية للتو أمراً من الجيش الإسرائيلي بإخلاء مكاتبه في برج الحجي في قلب مدينة غزة، في إشارة إلى أن المبنى قد يتم قصفه. وقبل بضع ساعات فقط، كان رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الفرنسية والمدير التنفيذي فابريس فريس قد أرسل عنوان المبنى إلى المتحدث العسكري الإسرائيلي في رسالة، لتجنب أي استهداف محتمل.
“هل يجب أن نخلي المبنى أم نبقى فيه؟” سأل زعنون مارك جوردييه، رئيس مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في القدس، على الطرف الآخر من الخط. “لا تضيع دقيقة – أخلوا المبنى”، أجاب جوردييه. “سأتصل بالجيش وأعود إليك في أقرب وقت ممكن.”
في النهاية، لم يُستهدف المبنى في ذلك اليوم، لكن ضربة إسرائيلية على بعد بضع مئات من الأمتار قتلت ثلاثة صحفيين فلسطينيين كانوا قد جاءوا لتغطية الهجوم المتوقع. اتصل الجيش الإسرائيلي بمارك جوردييه في وقت لاحق من تلك الليلة ليقول إن برج الحجي الآن “غير مستهدف”. بعد أقل من شهر، أطلقت الدبابات الإسرائيلية النار على المكاتب.
هذه ليست المرة الأولى التي يُطلب فيها من الصحفيين إخلاء مكاتبهم في غزة بسبب تهديد القصف الإسرائيلي. أوضح كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير البرنامج في لجنة حماية الصحفيين، في مقابلة أنه “لدى الجيش الإسرائيلي تاريخ من الهجمات على المنشآت الإعلامية”. فعلى سبيل المثال، في أيار/ مايو 2021، دمّرت ثلاثة صواريخ إسرائيلية برج الجلاء في مدينة غزة، الذي كان يضم مكاتب قناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس (AP). وأشار الجيش الإسرائيلي إلى تهديد وشيك بسبب وجود حماس في المبنى، لكنه عندما سُئل علنًا، لم يقدم أي دليل لدعم هذا الادعاء.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، رداً على هجوم حماس على جنوب إسرائيل، قصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة بشكل مستمر. ونتيجة لذلك، تم تدمير البنية التحتية الإعلامية بمعدل ونطاق غير مسبوقين، وتم تقييد التغطية الإخبارية من داخل القطاع المحاصر بشكل كبير. قالت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير: “عندما تنظر إلى النزاعات حول العالم… عادة ما تجد وسائل الإعلام الدولية على الأرض”، وأضافت “لم يُسمح لأي منهم بالوصول [إلى غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر]. أو [إذا كانوا موجودين] فهم مدمجون ضمن الجيش الإسرائيلي.”
في غياب مكاتب الأخبار والمراسلين الدوليين، قدّم الصحفيون الغزيون وحدهم تقارير مباشرة عما يحدث داخل القطاع، بينما يكافحون في الوقت نفسه للبقاء على قيد الحياة في الحرب. مع ذلك، في العديد من الحالات، لم تعد أماكن عملهم موجودة. ووفقًا لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، تم تدمير حوالي 70 منشأة صحفية، بما في ذلك محطات إذاعية محلية ووكالات أنباء وأبراج بث ومعاهد تدريب الصحفيين، بشكل جزئي أو كامل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
بالتعاون مع وكالة الأنباء الفرنسية، والكتاب العرب للصحافة الاستقصائية، ولوموند، ووسائل الإعلام الأخرى الدولية، قامت منظمة “فوربيدن ستوريز” بالتحقيق في عدد من هذه الحالات. بدعم من تحليلات خبراء المقذوفات والصوت، يكشف التحقيق أن تدمير إسرائيل للبنية التحتية الإعلامية في غزة يبدو جزءاً من استراتيجية أوسع للتعتيم عن المعلومات القادمة من القطاع.
بث ينقطع
في 13 تشرين الأول/ أكتوبر2023، أمر الجيش الإسرائيلي مليون شخص يقيمون في شمال قطاع غزة بالانتقال جنوباً. بعد ثلاثة أيام من فرارهم من مكاتبهم في منتصف الليل استجابةً لاتصال هاتفي من الجيش، غادر موظفو وكالة الأنباء الفرنسية برج الحجي. تألف الفريق من ثمانية صحفيين ومصورين وصحفيي فيديو وغيرهم من الموظفين الفلسطينيين الذين عملوا لسنوات مع وكالة الأنباء الفرنسية، وهي واحدة من الوكالات الدولية القليلة التي لديها مكاتب في القطاع.
لكن قبل مغادرتهم المبنى، نصبت وكالة الأنباء الفرنسية كاميرا على حامل لتصوير المشهد من الطابق العاشر، مدعومة بالألواح الشمسية. وعلى الرغم من انقطاع البث أحياناً بسبب مشاكل تقنية، كان هذا البث على مدار الساعة من بين آخر المصادر للصور الحية من القطاع. ولذا، كانت وسائل الإعلام العالمية تراقب البث باستمرار. وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عند الساعة 12:09 ظهراً، بينما كانت الكاميرا تصوّر أعمدة الدخان المنبعثة من المباني في شمال غزة، والتقط الميكروفون صوت الطائرات القريبة، اهتزت الصورة فجأة وغطى الدخان العدسة. كانت الكاميرا قد التقطت للتو لقطات حية لضربة وقعت على بعد أمتار قليلة — لقطات ستُشاهد حول العالم.
تظهر الصور الحصرية التي التقطتها وكالة الأنباء الفرنسية، الشريك في “مشروع غزة”، حجم الدمار: شظايا الزجاج والحطام تملأ أرضية مكتب الوكالة، خوادم الحاسوب متوازنة بشكل غير مستقر على رف، وثقب كبير في الجدار يكشف عن لمحة من جنوب شرق قطاع غزة.
كما هو الحال مع العديد من مكاتب وسائل الإعلام والمستشفيات والمواقع الإنسانية في قطاع غزة، تم تمرير إحداثيات المبنى إلى الجيش الإسرائيلي في عدة مناسبات. قال فريس، المدير التنفيذي لوكالة الأنباء الفرنسية، على منصة إكس: “موقع هذا المكتب معروف للجميع وتم تذكير [الحكومة الإسرائيلية] به عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية، تحديداً لمنع مثل هذا الهجوم والسماح لنا بمواصلة توفير الصور على الأرض”.
ولكن عند استجوابها من قبل وكالة الأنباء الفرنسية في ذلك الوقت، نفى الجيش الإسرائيلي أي ضربة على برج الحجي نفسه. وقال المتحدث في بيان: “يبدو أن هناك ضربة من الجيش الإسرائيلي بالقرب من المبنى للقضاء على تهديد فوري”. وعندما تم الاتصال به كجزء من هذا التحقيق، كرّر المتحدث العسكري الإسرائيلي: “لم تكن مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية هدف الهجوم، والأضرار التي لحقت بها قد تكون ناجمة عن موجة الصدمة أو الشظايا”.
مع ذلك، على الرغم من نفي الجيش، اكتشفت منظمة “فوربيدن ستوريز” وشركاؤها أنه في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، كان هناك على الأقل ضربتان مباشرتان بين الساعة 11:55 صباحاً و12:09 ظهراً بالتوقيت المحلي على المبنى الذي يضم مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية. وتُظهر اللقطات الحية لكلتا الضربتين الوميض السريع على الأفق والانفجار بعد حوالي أربع ثوان.
بفضل العمل الاستقصائي مفتوح المصدر لشريكنا لوموند، بدعم من إيرشوت، وهي منظمة تجري تحقيقات صوتية للدفاع عن حقوق الإنسان، تمكنا من تحديد مصدر الضربات: منطقة مهجورة على بعد حوالي 3 كيلومترات، مع خط نيران نظيف نحو البرج. ويشير التحليل الإضافي لسرعة وميزات الذخيرة إلى أنها أُطلقت على الأرجح من دبابة.
أشار أدريان ويلكنسون، مهندس متفجرات متخصص في العلوم الجنائية يعمل بانتظام مع الأمم المتحدة، إلى أنه “من شبه المؤكد أن مكتب وكالة الأنباء الفرنسية قد تعرّض لإطلاق نار من دبابة إسرائيلية”، واستبعد إمكانية الضربات العرضية. اتفق على ذلك ما لا يقل عن خمسة خبراء آخرين، بما في ذلك الباحث المستقل في الأسلحة والنزاعات المعروف باسم وور نوار وفني التخلص من الذخائر المتفجرة في الجيش الأمريكي السابق تريفور بول.
يؤكد تحليل صورتين فضائيتين شاركتهما “بلانت لابز” في 31 تشرين الأول/أكتوبر و3 تشرين الثاني/نوفمبر وجود الدبابات في المنطقة في ذلك الوقت. ومن شأن صورة فضائية أخرى من نفس اليوم تخص ماكسار تكنولوجيز، التي لم ترغب في مشاركة معلومات دقيقة، أن تسمح لنا بتحديد مواقع الدبابات الإسرائيلية. وقد رفضت ماكسار التعليق حتى موعد النشر.
هل يتم استهداف البث المباشر؟
قاد تحليل اللقطات الحية إلى اكتشاف آخر. قبل دقائق من الضربتين على مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية، حدث انفجار آخر في برج الغفاري المجاور. في الطابق السادس عشر من هذا المبنى – أحد أطول المباني في قطاع غزة – توفر مكاتب مجموعة الإعلام الفلسطينية (PMG) رؤية واضحة لغزة. قبل الساعة 10 صباحًا بقليل في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، كانت عدة كاميرات مثبتة في نوافذ المكتب من الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية تبث صورًا حية لعدة وكالات أنباء دولية، بما في ذلك رويترز والعربية، عندما سُمع صوت انفجار.
في ذلك الصباح، كان الصحفي إسماعيل أبو حطاب يحضر قهوته ويحمّل لقطات اليوم السابق، بعد أن نام في مكتب مجموعة الإعلام الفلسطينية. قال حطاب في مقابلة مع الفريق الصحفي: “أمسكت بالكاميرا، ثم لم أرَ شيئًا. لم أسمع شيئًا. كل ما أذكره هو خط أصفر من الضوء”. صوّر صحفي آخر المشهد: الدخان الكثيف غمر المكاتب، حيث كان يمكن رؤية حامل كاميرا يقف في المسافة. أصيب حطاب في ساقه ونُقل بسرعة إلى مستشفى الشفاء، الذي كان لا يزال يعمل في ذلك الوقت.
وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى شمال غزة في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وحسب الرئيس التنفيذي لمجموعة الإعلام الفلسطينية حسن مدحون، فقد استُهدِف الطابق السادس عشر من برج الغفاري تحديداً لمنع مجموعة الإعلام الفلسطينية من بث الدمار الإسرائيلي في شمال غزة. أوضح مدحون في مقابلة مع الفريق الصحفي: “نبث الصورة كما هي. لا نعلق عليها. لكن يبدو أن الصورة تزعج الجيش الإسرائيلي”.
وعند الاتصال بشأن هذا الحادث، رد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن الجيش “ليس على علم بضربة في الموقع والتاريخ المذكورين”.
بعد هجوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر، طلب مدير برج الحجي من وكالة الأنباء الفرنسية إيقاف بثها المباشر، خوفاً من ضربات إضافية. ومع عدم قدرة أي شخص على العودة إلى المكاتب لإعادة تشغيل البث، تم إيقافه نهائيًا في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الساعة 10:31 صباحًا — آخر بث مباشر للصور من غزة.
قال فيل تشيتويند، رئيس المعلومات في وكالة الأنباء الفرنسية، في مقابلة مع الفريق الصحفي: “نحتاج حقًا إلى أن تعود إسرائيل وتشرح ما هي سياستها حول البث المباشر في مواقع مختلفة، وإذا كانت تُعتبر بأي شكل من الأشكال أهدافاً مشروعة، لأن هناك أدلة ظرفية كافية تجعلنا نشتبه في أن هذه هي طريقة عملهم”.
توفّر الضربات على موقع كاميرات مجموعة الإعلام الفلسطينية بالضبط وعلى بعد أمتار قليلة من كاميرا وكالة الأنباء الفرنسية في برج الحجي أدلة ظرفية – إن لم تكن دليلاً رسمياً – على استراتيجية عسكرية إسرائيلية. في 21 أيار/مايو، صادرت السلطات الإسرائيلية أيضًا معدات تابعة لفريق وكالة أسوشيتد برس المقيم في إسرائيل بحجة أن الصحفيين انتهكوا قانونًا إعلاميًا جديدًا من خلال تقديم صور حية لقناة الجزيرة. قبل مصادرة المعدات بقليل، كان الصحفيون يصوّرون ويبثون مشهدًا عامًا لشمال غزة من سديروت، وهي مدينة في إسرائيل تقع على بعد أقل من كيلومتر من القطاع.
“عندما يكون هناك احتمال قوي لارتكاب جريمة حرب، يصبح البث المباشر دليلاً حاسمًا”، أضافت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير.
وفي سنة 2021، عندما دُمر برج الجلاء الذي يضم قناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس، قالت منظمة “مراسلون بلا حدود” على موقعها الإلكتروني: “من خلال تدمير المنافذ الإعلامية عمدًا، لا تلحق قوات الدفاع الإسرائيلية ضررًا ماديًا غير مقبول بعمليات الأخبار فقط، بل تعيق أيضًا، على نطاق أوسع، تغطية الإعلام للصراع الذي يؤثر مباشرة على السكان المدنيين”.
يمثل تدمير مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية ومجموعة الإعلام الفلسطينية – التي كانت توفر للصحفيين دعمًا لوجستيًا حيويًا، وللكثيرين، منزلًا ثانيًا – خسارة كبيرة لموظفيها. وصف يحيى حسونة، الصحفي في وكالة الأنباء الفرنسية منذ sk, 2009، برج الحجي في مقابلة مع الفريق الصحفي بأنه “المكان الذي كانت فيه كل أحلامي – مستقبلي، حياتي، مكتبي”.
كانت مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية “مكانًا يمكن للموظفين الذهاب إليه دون خوف”، علق تشيتويند، مضيفًا أن الهجوم كان له تأثير نفسي كبير على زملائه. وقال إن الشعور بين الموظفين هو أنه “إذا كانوا قادرين على ضرب مكتبنا، مكان أماننا، فلا يوجد لنا مكان آخر لنكون آمنين في كل قطاع غزة”.
ملاذ مدمر
كان بيت الصحافة في حي الرمال بمدينة غزة ملاذًا للصحفيين: مكانًا للاجتماع مع الزملاء، لتناول الطعام والراحة بين المهمات، واستعارة السترات الواقية. بالنسبة لشروق أسعد، المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين، “كان فعلاً أحد الأماكن الأكثر أمانًا للصحفيين” في القطاع قبل بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير.
بعد أن انتصرت حماس على فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لسنة 2006، وكرّست سيطرتها على غزة بعد الحرب الأهلية التي تلتها، أصبح يُنظر إلى الصحفيين في القطاع فقط من حيث ولاءاتهم السياسية. أوضح إبراهيم برزق، المراسل السابق لوكالة الأسوشيتد برس في غزة وعضو مجلس إدارة بيت الصحافة، أن المشروع نشأ من الحاجة إلى “مكان أو هيكل للصحفيين المستقلين، الأشخاص الذين ليس لديهم أي انتماءات”.
عندما أسس الصحفي الفلسطيني بلال جاد الله بيت الصحافة في سنة 2013، كان ذلك “اختراقًا كبيرًا”، وفقًا لحكمت يوسف، صديق جاد الله ورئيس تحرير وكالة سوا الإخبارية، وهي وسيلة إعلامية مستقلة مقرها في المؤسسة. كان جاد الله معروفًا بلقب “شيخ الصحفيين”، على حد تعبير يوسف، لتوفيره ملاذًا لهم من الضغوط السياسية في غزة.
كان جاد الله وبيت الصحافة معروفين على نطاق واسع خارج غزة. وتشهد الصور التي نُشرت على حسابات المؤسسة على وسائل التواصل الاجتماعي لزيارات دبلوماسيين ألمان وفرنسيين ودنماركيين على هذا الاعتراف الدولي. وفقًا لموقعها الإلكتروني، يشمل المانحون والشركاء لبيت الصحافة كندا، واليونسكو، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا.
قال روبن أندريه جوهانسن، الذي يشرف على المنحة المقدمة من النرويج، للفريق الصحفي: “نمول الأنشطة المتعلقة ببناء القدرات للصحفيين الشباب الذين تخرجوا للتو من مؤسسات التعليم العالي في غزة… ونمول شراء المعدات الواقية للصحفيين”.
أوضح رامي أبو جاموس، المدير المؤقت لبيت الصحافة، أن “النرويجيين والسويسريين أعطوا إحداثياتنا للجيش” لتجنب الاستهداف. لكن ذلك لم ينفع. في 9 تشرين الأول/أكتوبر، كان الذعر ملموسًا بين عشرات الصحفيين الغزيين الذين تجمعوا في بيت الصحافة لتجهيز أنفسهم بالمعدات الواقية. قال برزق: “قرر جاد الله تحويل بيت الصحافة إلى محطة عمل للصحفيين. كان بإمكانهم القدوم واستخدام المولد والحصول على اتصال مجاني بالإنترنت.” في المجموع، تم توزيع حوالي 80 سترة واقية تحمل شعار بيت الصحافة وكلمة “صحافة”. وحسب يوسف “كان المكان يشبه الخلية”.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، دمرت ضربة المبنى المجاور الذي يضم شركة الاتصالات بيلتل، أحد مزودي الإنترنت الرئيسيين في غزة. تضرر بيت الصحافة أيضًا، وتم قطع الاتصال بالإنترنت بشكل دائم. فقد الصحفيون هناك الاتصال بالعالم الخارجي. بعد أربعة أيام، وتحديدًا في 13 تشرين الأول/أكتوبر، تم إجلاء صحفيي بيت الصحافة – مثل أولئك في وكالة الأنباء الفرنسية على بعد بضع شوارع – بناءً على أوامر من الجيش الإسرائيلي. انضموا إلى موجة كبيرة من النزوح من الشمال، وانتقلوا نحو جنوب غزة.
مع فقدان هذا الملاذ، تعرّض صحفيو بيت الصحافة بشكل متزايد للهجمات الإسرائيلية. في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، قتلت غارة جوية إسرائيلية جاد الله وهو يحاول العودة إلى عائلته في جنوب قطاع غزة بسيارته. قُتل اثنان آخران من موظفي بيت الصحافة في ذلك الشهر: أحمد فاطمة ومحمد الجاجة. من بين 80 صحفيًا حصلوا على سترات واقية من بيت الصحافة في بداية الحرب، فقد 11 منهم حياتهم منذ ذلك الحين.
تمكنا من تتبع آخر شخص نام في مكاتب بيت الصحافة. وعد محمد سالم، المدير المالي السابق للمؤسسة، جاد الله بأنه سيعتني بالمكان إذا قُتل جاد الله. لجأ هناك مع أسرته لعدة أشهر ووصف آلام تلك الفترة في عدة مقابلات مع الفريق الصحفي. في 29 كانون الثاني/يناير، اكتشف أن القوات الإسرائيلية كانت على بعد 100 متر فقط.
قال: “كانت هناك دبابة في الشارع على الساعة 5 صباحًا، وكان مدفعها موجهًا نحو بيت الصحافة، مباشرة إلينا. الأيام الثلاثة التي كنت محاصرًا فيها [هناك]، رأيت الموت”. في صباح اليوم الرابع، 1 شباط/فبراير، استغل سالم لحظة هدوء قصيرة وتمكن من الفرار من المكاتب مع أسرته.
بعد 11 يومًا من الاحتلال، انسحب الجيش الإسرائيلي من المنطقة. عاد سالم إلى بيت الصحافة بالدراجة في 10 شباط/فبراير. كانت أجهزة الحاسوب والمكاتب ومعدات الراديو كلها مدمرة. وفقًا له، تم تدمير المبنى عمدًا باستخدام المتفجرات. قال سالم: “لم تتضرر أي من المباني حول بيت الصحافة”. “لو كانت هناك غارة جوية، لتم تدمير كل شيء.” مع ذلك، لم نتمكن من تأكيد هذا التحليل بشكل مستقل.
“كان بيت الصحافة قلمي، لساني، عيني، وأذني… أنا الآن مبتور”، قال أحمد قنان، أحد مؤسسي المنظمة، الذي أصبح اليوم عاطلاً عن العمل. وقبل اندلاع الحرب، تم افتتاح معرض عن جمال مدينة غزة — طرقها، حدائقها، منتزهاتها، وساحلها بعيون المصورين الغزاويّين — في حديقة بيت الصحافة. بعد تسعة أشهر، دُفنت هذه الصور تحت الأنقاض.
ساهم في التقرير الإضافي: آرثر كاربنتير (لوموند)؛ غايل فاور، سارة بن هيدا، بونوا توسان، جان مارك موجون، ومارك جوردييه (وكالة الأنباء الفرنسية)؛ ماريا ريتر، ماريا كريستوف، ديانا كوليغ، وفريدريك أوبيرماير (بيبر تريل ميديا)؛ كريستو بوشيك (دير شبيجل/بيبر تريل ميديا)؛ مانشا جانجولي (الغارديان)؛ والصحفيون العرب للصحافة الاستقصائية (ARIJ).
المصدر: مجلة +972