في ظل طوفان الأقصى وتحرك الرأي العام الغربي دعمًا للقضية الفلسطينية، وجدنا أنفسنا نحتفي بمشاهير اليهود الرافضين لفكرة “إسرائيل” ويناضلون من أجل حقوق الفلسطينيين، وهو ما يجعلنا نعود بالذاكرة إلى شخص ربما يعتبر أبًا روحيًا لهذه الأصوات، دفع حياته ثمنًا لرفض الصهيونية والدفاع عن فلسطين.
إنه يعقوب إسرائيل دي هان، القانوني والشاعر والروائي والصحفي اليهودي، الذي اغتاله الصهاينة في القدس يوم 30 يونيو/حزيران 1924، ونحتفي هذه الأيام بمئويته، وضمن المحتفين به كان مركز برلين للشتات الفكري في ألمانيا، الذي نظم مؤتمرًا دوليًا لإحياء ذكراه يومي 26 و27 يونيو/حزيران.
يعقوب إسرائيل دي هان
ولد يعقوب (أو جاكوب) إسرائيل دي هان بهولندا في 31 ديسمبر/كانون الأول 1881، وهاجر إلى فلسطين وقت الانتداب البريطاني عليها، ضمن الصهاينة الذين حلموا بإقامة دولة “إسرائيل”، ولكنه ما لبث أن انقلب على الصهيونية ونشط بقوة ضدها، حتى اغتيل على يد عصابة الهاغاناه الصهيونية بعد تهديدات لم تنجح في إثنائه عن علاقاته مع العرب والتوقف عن الحشد ضد الصهاينة.
في ذكرى وفاة يعقوب إسرائيل دي هان من كل عام يحتفي به اليهود الحريديم، لا سيما حزب أغوادات إسرائيل في القدس، ويلصقون المنشورات على الحوائط، حسبما ذكر الفنان البريطاني ناثان ويت المناهض للاحتلال في فلسطين، في دراسته المنشورة عام 2021 “Jacob Israel de Haan.. A Queer and Lapsed Zionist in Mandate Palestine – يعقوب إسرائيل دي هان.. صهيوني مرتد غريب الأطوار في فلسطين الانتدابية”.
يعقوب إسرائيل دي هان الذي كان على علاقة وطيدة بالشريف حسين الهاشمي وابنه عبد الله أمير الأردن، وحزن عليه العرب في فلسطين حين اغتيل، ما قصته؟ كيف كانت علاقته مع العرب؟ وكيف شكل تهديدًا للصهيونية؟ وما ملابسات اغتياله؟ هذا ما نحاول توضيحه فيما يلي من واقع مصادر غير عربية.
من هولندا إلى القدس.. ومن اعتناق الصهيونية إلى الكفر بها
في طفولته تلقى يعقوب إسرائيل دي هان تعليمًا يهوديًا تقليديًا، وحين شب درس القانون وحصل على الدكتوراه فيه من جامعة أمستردام عام 1916، وبالتوازي كان له نشاطًا أدبيًا، وهو ما أوقعه في مشكلة كبيرة حين ألف روايته «Pijpelijntjes» عام 1904.
الرواية تحكي عن علاقة جنسية مثلية بين رجلين، وهو أمر كان له أثر كبير على سمعته في هولندا، حيث كانت المثلية مكروهة هناك وقتها، وأدى الأمر إلى الهجوم عليه، ونبذه وفصله من عمله، وربما ساعد ذلك على تنمية رغبته في ترك هولندا، حسبما يذكر كلينتون إليوت في كتابه “Hidden: The Intimate Lives of Gay Men Past and Present – في الخفاء: الحياة السرية للرجال المثليين بين الماضي والحاضر”.
تنقل يعقوب إسرائيل دي هان كثيرًا بين روسيا وأوروبا وهولندا، وبصفته قانونيًا زار عددًا من السجون في روسيا القيصرية وساءه ما وجد من سوء معاملة للسجناء، وبالتوازي مع هذا الاهتمام القانوني بدأ يصحوا بداخله اليهودي المتدين، وأدى ذلك إلى انضمامه للحركة الصهيونية، حتى قرر الهجرة إلى فلسطين.
عام 1912 قدم دي هان طلبًا للانضمام إلى المنظمة الصهيونية العالمية، لكن رئيسها حاييم وايزمان لم يتحمس لطلبه، خاصة أن الأخير كان يبحث عن الشباب الرياضيين القادرين على القتال، لكن يسرائيل زانجويل الكاتب الإنجليزي الصهيوني، صاحب مقولة “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” أقنع وايزمان بقبول طلبه، بحسب دراسة ناثان ويت.
ويحكي كلينتون إليوت أن دي هان وصل إلى القدس في 5 أبريل/نيسان 1918، بعد رحلة شاقة بين روما وباريس ولندن ثم القاهرة التي انطلق منها إلى فلسطين، وحين وصل كان الجو ممطرًا مضطربًا، ولم يستقبله اليهود في القدس بشكل جيد، وهو الذي جاء إليهم حالمًا بالأخوة الصهيونية التي كان يتمناها، فارًا من هولندا التي كان منبوذًا بها بسبب روايته المثلية.
في مارس/آذار 1920، تم انتخاب يعقوب إسرائيل دي هان لعضوية مجلس اليهود الحريديم بالقدس، والمكون من 70 عضوًا، وهنا كانت بداية تسلل فكرة انتقاله إلى مناهضة الصهيونية، حسبما توضح المؤرخة الهولندية لودي جيبلزLudy Giebels في كتابها “Jacob Israel de Haan in Mandate Palestine – يعقوب إسرائيل دي هان في فلسطين الانتدابية”.
وبعد مرور شهر تقريبًا، وتحديدًا في 8 أبريل/نيسان وقعت أعمال شغب النبي موسى المناهضة للوجود الصهيوني في فلسطين، حين ثار العرب خلال احتفال اليهود بما يعرف بموسم النبي موسى في القدس، خاصة بعد تدفق الهجرات اليهودية على فلسطين بشكل كبير بعد وعد بلفور عام 1917.
أسفرت تلك الأعمال عن مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين، وعدد من اليهود المهاجرين، وكل ذلك تحت سمع وبصر الاحتلال البريطاني، دافع وقتها دي هان كمحام عن اليهود المتورطين في الشغب، لكن خلال ذلك تسلل إليه شعورًا بسذاجته السياسية تجاه قراءته لفكرة الصهيونية، بعد أن رأى تمسك العرب بأرضهم ورغبة الصهاينة انتزاعها منهم بالقوة، بحسب لودي جيبلز.
وتزامن ذلك مع تأملات دينية لدي هان ودخوله فيما يعرف بطقس “بعل تيشوفا” أو العودة إلى الله والتوبة عن الصهيونية، وساعد على ذلك قربه من الحاخام الحريديمي يوسف حاييم سونينفيلد، الذي كان له أكبر الأثر في تغذية عقل دي هان بأفكار أرثوذوكسية حريديمية ترفض الصهيونية وترفض إقامة دولة خاصة لليهود في فلسطين، وتدعو إلى التعايش مع العرب، لكل دينه في وطن واحد يحترم حقوق الجميع.
أسس الحاخام يوسف حاييم سونينفيلد حزب أغوادات يسرائيل عام 1921، كحزب يمثل أفكار الحريديم، يتفرع عن حركة أغوادات يسرائيل اليهودية في أوروبا، والرافضة للصهيونية، واختار أن يكون يعقوب دي هان مسؤولًا عن العلاقات الخارجية للحزب ومتحدثًا باسمه، وهكذا صار يعقوب دي هان عدوًا للصهيونية، بعد أن كان متحمسًا لها.
وربما تبلور رأيه في الصهيونية والقضية الفلسطينية في النص الذي نقله عنه ليوبولد فايس اليهودي الذي أسلم وسمى نفسه محمد أسد، في كتابه “الطريق إلى مكة”، حيث كان قريبًا ورفيقًا ليعقوب دي هان وقت وجوده في فلسطين.. يقول دي هان:
“ألفي عام من المنفى والتعاسة لم تعلمهم (يقصد اليهود) شيئًا، فبدلًا من محاولة فهم الأسباب العميقة وراء تعاستنا، يحاولون الآن (الصهاينة) التحايل عليها من خلال بناء وطن قومي بدعم القوى الغربية، ولكنهم وهم يفعلون ذلك يرتكبون جريمة حرمان شعب آخر (الفلسطينيين) من وطنه”.
دي هان يوطد علاقاته بالعرب ويحارب الصهاينة بشراسة
في هذا التوقيت كان يعقوب دي هان يعمل في الصحافة ويراسل أكثر من صحيفة هولندية منها أمستردام ويكلي، ويمارس تدريس القانون في كلية الحقوق العبرية، التي أنشئت تحت رعاية الاحتلال البريطاني في القدس لليهود، ثم تحولت إلى جامعة عام 1925 وهي الجامعة العبرية، ومن خلال عمله في الصحافة أو التدريس كان دي هان يمارس دعاية ضد الصهيونية.
أكثر ما أغضب الصهاينة كانت أحاديثه إلى الطلاب في الكلية، لذلك هددوه أكثر مرة بقطع راتبه إن لم يتوقف، وهو أمر لم يكن يزعجه إذ كان يحصل على ما يكفيه من كتاباته للصحافة، وممارسة المحاماة.
بدأ دي هان في تصدير نفسه أيضًا كمدافع عن حقوق اليهود المعيشية، وبرز ذلك حين جمع حوالي 1600 توكيل لرفع دعوى قضائية ضد اللجنة التنفيذية الصهيونية في القدس، التي فرضت ضرائب على صناعة فطائر عيد الفصح، ورفضت المحكمة الدعوى في البداية، لكنه استأنف التحقيق في القضية وكسبها، حسبما يحكي عنه بإعجاب هوراس صموئيل Horace Samuel في كتابه الصادر عام 1930 بعنوان “Unholy Memories of the Holy Land – ذكريات غير مقدسة عن الأرض المقدسة”.
طعن دي هان في قانونية اللجنة التنفيذية الصهيونية في القدس وحقها في فرض ضرائب، فهي ليست حكومة وطنية، وإنما فرع للمنظمة الصهيونية العالمية، أنشئت تحت رعاية سلطة الاحتلال لإدارة شؤون اليهود في فلسطين، وقبلت المحكمة دعواه وألغت الضريبة.
هذا الطعن كان صفعة قوية من يعقوب إسرائيل دي هان للصهاينة، ليس بسبب إلغاء الضريبة بقدر الطعن في قانونية اللجنة الصهيونية التنفيذية نفسها، فقررت اللجنة فصله من التدريس لأول مرة في مارس/آذار 1922، ثم أعادت تعيينه مرة أخرى عام 1923 بشرط أن يتوقف عن الكتابة للصحافة، والإحجام عن نشاطه ضد الصهيونية، لكن ذلك لم يحدث، بل زاد نشاطه.
فضح دي هان أيضًا الدعاية الصهيونية لخداع اليهود وتشجيعهم على القدوم لفلسطين، فقد كانوا يعلنون لليهود في أوروبا أرقامًا كبيرة عن أعداد المهاجرين، لكن دي هان فضح ذلك.
يوضح ناثان ويت أن دي هان كتب ونشر عام 1924 أن الصهاينة توقعوا بعد وعد بلفور قدوم نصف مليون يهودي لفلسطين في سنوات قليلة، لكن كل من جاؤوا إلى فلسطين حتى عام 1923 لم يتجاوزوا 30 ألفًا، وغادر ما يقرب من نصفهم، مؤكدًا أن عدد المهاجرين خلال عام 1924م لا يزيد على 500 شهريًا.
بالتوازي مع ذلك كان الاتصال بين دي هان والعرب قد توثق وقوي، وصار الرجل محل احتفاء من زعامات العرب وعلى رأسهم الشريف حسين الهاشمي، حاكم الحجاز، ووالد الملكين عبد الله الأول حاكم الأردن، وفيصل حاكم العراق.
كان يعقوب إسرائيل دي هان يلتقي بانتظام مع الوزير والشاعر التركي رضا توفيق في الأردن، حيث كان توفيق مندوبًا للشريف حسين، وكان أيضًا كبير مستشاري ابنه عبد الله حاكم الأردن، حسبما يحكي ليوبولد فايس (محمد أسد).
وجرت مناقشات بين دي هان والمعسكر العربي حول الهجرة اليهودية إلى فلسطين، لإيجاد طريقة لإلغاء وعد بلفور، وكان رأي الشريف حسين هو إعلان تنصيب ملك عربي على فلسطين.
أصبح يعقوب إسرائيل دي هان همزة الوصل السياسية الرئيسية بين حزب أغودات يسرائيل والمعارضة العربية للصهاينة، وكان هو وحاخامه حاييم سونينفيلد، يجتمعان بشكل متزايد مع نشطاء وزعامات عربية في فلسطين والأردن، مسلمة ومسيحية، ومنهم المفتي العام للقدس كامل الحسيني، حسبما يوضح محمد أسد.
هذا النشاط أزعج الصهاينة وبدأوا في تشكيل لجنة لمواجهته، يرأسها فريدريك كيش عضو اللجنة الصهيونية التنفيذية، والتي قررت شن حملة تشويه ضد دي هان من ناحية، وتهديده بالقتل من ناحية أخرى.
لتشويهه، استغل الصهاينة رواية Pijpelijntjes التي كان دي هان قد ألفها في هولندا وتحكي عن قصة حب بين رجلين، واعتبروها تعبر عن رأي دي هان الشخصي، وأنه رجل مثلي يعشق الصبية، خاصة أنه كان قد انفصل مرتين عن زوجتين له في هولندا، وهما جوهانا، وفان مارسفين.
كذلك كانت تربط دي هان صداقة قوية بشاب عربي يسمى عادل أفندي، الذي كان في العشرين من عمره تقريبًا، بينما كان دي هان في الأربعين حين تعرفا ببعضهما في القدس، ولكنه كان صديقه الأقرب، وعلمه اللغة العربية وركوب الخيل، وكان يصحبه في رحلاته، الأمر الذي دعا دي هان إلى كتابة أشعار فيه، استغلها الصهاينة للترويج إلى أن بين عادل ودي هان علاقة جنسية، بحسب دراستي ناثان ويت وكلينتون إليوت.
تفاصيل اغتيال دي هان.. أوامر صهيونية عليا قضت على السعي لإلغاء وعد بلفور
من واقع دراسة ناثان ويت، ودراسة باللغة الهولندية للودي جيبلز بعنوان: “Waarom werd Jacob Israël de Haan vermoord – لماذا قتل يعقوب إسرائيل دي هان؟”، يمكننا فهم أهم ما قيل عن مقتل دي هان، حيث بدأت لجنة مواجهة دي هان ترسل إليه خطابات تهديد، وأولها كان في مايو/أيار عام 1923، حين أرسلت له اللجنة بقيادة فريدريك كيش خطابًا تطالبه فيه بمغادرة فلسطين يوم 24 وإلا قتل رميًا بالرصاص مثلما تقتل الكلاب المسعورة في الشوارع، وجرى التوقيع على الخطاب باسم “اليد السوداء”.
قدم دي هان بلاغًا إلى الشرطة وقوبل بلاغه بالاستهتار، لكن لم ينجح التهديد في إثنائه عن نشاطه، وضمن نشاطاته التي سبقت قتله بقليل كان لقاؤه ببارون الصحافة الإنجليزية اللورد نورثكليف (ألفريد هارمسوورث)، مؤسس صحيفة الديلي ميل، وناشر ديلي ميرور، والمشارك في نشر التايمز.
كان نورثكليف في زيارة للقدس، قادمًا بالقطار من مصر عام 1924، فسافر دي هان إلى مصر، ليستقل نفس القطار الذي سيركبه نورثكليف من مصر إلى القدس ويتحدث معه خلال الطريق، ويحذره من اللجنة الصهيونية.
حدثت الصدمة للصهاينة حين وجدوا نورثكليف ينزل من القطار في القدس ويرافقه دي هان وهما يضحكان ويتحدثان بود، وهو أمر جعل قتل دي هان مسألة واجبة، إذ صار خطرًا كبيرًا على الصهيونية، لأنه إذا استطاع التأثير على الصحافة الإنجليزية يستطيع التأثير على مستقبل الدولة الصهيونية نفسها.
في 30 يونيو/حزيران أطلق الرصاص على دي هان في القدس، وسكنت 3 رصاصات في صدره فوقع قتيلًا، وأعلن الصهاينة وقتها أن دي هان قتل على يد العرب، بسبب علاقته المثلية مع عادل أفندي، وأشاعوا أن عادل كان العنصر السالب في العلاقة، الذي يقوم مقام المرأة، وأن دي هان كان يعشق (كرجل) مضاجعة الغلمان، وهو الأمر الذي أثار العرب ضده فقتلوه.
كان ذلك كذبًا، فقد اتضحت الحقيقة جلية في نوفمبر/تشرين الأول 1970، حيث أعلن أبراهام تيهومي عضو عصابة الهاغاناه على شاشة التلفزيون الإسرائيلي بمنتهى الفخر أنه من قتل دي هان، ساردًا تفاصيل الواقعة.
وقال إن يوسف هيشت قائد عصابة الهاغاناه، تلقى تعليمات عليا بقتل يعقوب دي هان لم يكن بعيدًا عنها إسحاق بن تسفي رئيس إسرائيل فيما بعد، ونقل هيشت الأوامر إلى زكريا أوريلي قائد فرع الهاغاناه في القدس، الذي أعطى لتيهومي الأمر بتنفيذ العملية.
وأضاف تيهومي: “لا أشعر بأي ندم، لقد أراد دي هان تدمير فكرتنا عن الصهيونية بأكملها”.
المثير أن أحد أصدقاء دي هان كان مشاركًا في العملية وهو ضابط الشرطة ديفيد تيدهار، رائد أدب الجريمة في “إسرائيل”، والذي كان مديونًا لدي هان بمبلغ من المال، حيث حكى عن دوره في تنفيذ الاغتيال، وهو أنه كشرطي كان ينتظر في مكان اغتيال دي هان، وبمجرد إطلاق الرصاص عليه ظهر في المشهد ليؤمن هروب قاتله ويضلل ويعطل من يريد ملاحقته.
عبر ديفيد تيدهار عن أسفه لعدم اختياره لإطلاق النار على دي هان، والاكتفاء بدوره في تأمين العملية، في تنكر لجميل دي هان عليه، فقد كانت تكلفة نشر أول رواية لتيدهار من جيب دي هان، ولم يكن ذلك آخر ديْن له، حيث تمادى تيدهار في الاستدانة من دي هان الذي طالبه بسداد ما اقترضه، ووقعت مشادة بينهما.
مقتل يعقوب إسرائيل دي هان كان فاجعة للجميع، وعلى رأس هؤلاء حاخامه وأستاذه سونينفيلد الذي شق ومزق ملابسه حين وصله الخبر، ولم يكن هو وحده الحزين فقد كانت جنازة دي هان على جبل الزيتون بمثابة مظاهرة لجميع السكان اليهود الأرثوذوكس المتدينين، وعزى فيه العرب من المسلمين والمسيحيين سواء ممثلي السلطات التنفيذية في فلسطين وشرق الأردن، أو القوى والزعامات الشعبية، أو أصدقائه.
قتل دي هان وقد كان على موعد للسفر إلى لندن هو ووفد من حزب أغودات إسرائيل، للقاء سياسيين ومسؤولين هناك، للدعوة إلى إلغاء وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان مُصِرًّا على استخراج جواز سفر فلسطيني ليسافر به.. قتل دي هان ليصبح أيقونة لكل اليهود الرافضين للصهيونية ولوجود “إسرائيل” كدولة.