نشر مركز كارنيجي – بيروت ورقة بحثية بخصوص الأحزاب غير الإسلامية، (العلمانية بكلمة أخرى)، في مصر وفرصها بعد الانقلاب العسكري في مصر والتحديات التي تواجهها في غياب قسري لأكبر الأحزاب السياسية المصرية وأكثرها قدرة على الحشد: الإخوان المسلمين.
ومن بين عشرات الأحزاب التي تأسست في مصر بعد سقوط حسني مبارك، وأكثر من 50 حزباً “غير إسلاميا” تمثّل مجموعة من الإيديولوجيات بما فيها الاشتراكية والليبرالية والقومية، هناك عدد قليل من الأحزاب التي تناولتها الورقة بالرصد والتحليل.
ومن بين تلك الأحزاب: حزب المصريين الأحرار، وهو حزب تأسس في العام 2011 ويتم تمويله بصورة أساسية من جانب اثنين من كبار رجال الأعمال، نجيب ساويرس ورؤوف غبّور. يمثّل الحزب خطاً اقتصادياً ليبرالياً واضحاً. وهو يدعو إلى تبنّي سياسات السوق الرأسمالية والحريات غير المقيَّدة وحقوق المواطنة والفصل بين الدين والدولة. وقد اتَّهمت الأحزاب الإسلامية حزب المصريين الأحرار بشكل منتظم بأنه يدعو إلى العلمانية.
والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي تأسّس في تموز/يوليو 2011، ويمثل تياراً جديداً في الفضاء السياسي المصري. وهو يشبه الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا التي تنادي بالإصلاح التدريجي للمجتمع والحكم لتحقيق دولة الرفاه في إطار سوق رأسمالية منظّمة.
وحزب الدستور الذي يدعو إلى تبنّي مواقف وسياسات مماثلة لتلك التي يتبنّاها الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. أسّسه محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في نيسان/أبريل 2012.
ويضمّ المشهد أيضاً عدداً من الأحزاب الإشتراكية واليسارية التي تمتدّ جذورها الإيديولوجية إلى عهد عبد الناصر. إذ تكثر الأحزاب اليسارية في مصر، وهي تشتهر بعلاقاتها مع جماعات العمال أكثر منها بتحقيق أي نجاحات انتخابية أو سياسية ملموسة. واليوم ثمّة مجموعة واسعة من الأحزاب التي تمثّل العديد من أنماط اليسار، من حزب التجمع (الحزب الوطني التقدمي الوحدوي)، والأحزاب العربية الناصرية إلى حركة التيار الشعبي المصري برئاسة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي. وتدعو هذه الأحزاب إلى زيادة مخصّصات الرعاية الاجتماعية، ودعم حقوق العمال، والحدّ من التفاوت الاقتصادي.
كما أن ثمّة مجموعة من الأحزاب غير الإسلامية التي تضمّ أنصار الحنين للدولة (أو “الدولة العميقة”) والاستقرار المتصوَّر لعهد مبارك. وتشمل هذه الجماعات حزب المؤتمر وحزب الحركة الوطنية المصرية، الذين أصبحوا أكثر صخباً في أعقاب الإطاحة بالرئيس آنذاك محمد مرسي في تموز/يوليو 2013. ويتولّى قيادة هذه الأحزاب بشكل رئيسي أشخاص مرتبطون بصورة مباشرة بنظام مبارك (معروفون باسم الفلول)، مثل أحمد شفيق مرشح الرئاسة السابق، وهم يردّدون شعارات شوفينية دعماً لمؤسّسات الدولة وخصوصاً الجيش.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أنشأ أعضاء سابقون في الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه مبارك جبهة مصر بلدي، وهي جبهة سياسية تدعم خريطة الطريق الانتقالية في البلاد وتدعو وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي للترشح لمنصب الرئاسة.
ورغم -أو بسبب- تعدد الأحزاب السياسية من هذا النوع، فإن الأحزاب السياسية غير الإسلامية لم تحصل على أكثر من 23.3٪ من مجموع المقاعد، بينما فازت الأحزاب الإسلامية ب71.5٪ من المقاعد، بينما كانت بقية المقاعد من نصيب المستقلين.
كان الوفد أكبر حزب غير إسلامي في البرلمان، حيث حصل على 41 مقعداً، يليه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بستة عشر مقعداً، وحزب المصريين الأحرار، بخمسة عشر مقعداً. وقد خاض الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب المصريين الأحرار حملتهما الانتخابية مع حزب التجمع اليساري كجزء من الكتلة المصرية.
أما بالنسبة لنقاط الضعف التي تعاني منها هذه الأحزاب، فالواقع أن الأحزاب غير الإسلامية في مصر تعاني منذ فترة طويلة من مجموعة من أوجه القصور الخطيرة التي تتعلّق بالقيادة والتنظيم وتطوير البرامج السياسية والتمويل.
ومن ناحية أخرى، فإن العديد من هذه الأحزاب لم تستطع خلال الفترة التي تلت الانقلاب العسكري أن تكون على قدر المسؤولية السياسية أو أن تقدم للمواطنين بوادر يمكن البناء عليها. بذلت بعض الأحزاب جهوداً ملموسة لإيصال رسالتها إلى المناطق الريفية في الدلتا وصعيد مصر والتحرّر من طبيعتها التي تتمحور حول القاهرة، لكن الانقلاب العسكري كان انقلابا على العملية السياسية برمتها، وتضررت بفعل التدخل العسكري في مصر جميع الأحزاب السياسية.
لقد تم بالتأكيد تقليص مساحة النقاش السياسي المفتوح والتنظيم في الأشهر الأخيرة. فقد تغير المشهد السياسي بشكل كبير منذ عزل مرسي، وهو يشبه في بعض النواحي أجواء ما قبل كانون الثاني/يناير 2011. إذ أن الحملات القمعية والاعتقالات الجماعية الأخيرة، فضلاً عن استمرار حساسية مؤسّسات الدولة تجاه الأصوات المعارضة، تخلق جواً لايسمح بتكافؤ الفرص أمام القوى السياسية المتنافسة أو بنمو مجتمع ديمقراطي في نهاية المطاف. وعلى رغم أن غير الإسلاميين والقوى الحكومية تعاونت في عزل مرسي، فإن “تحالف المصلحة ” هذا لم يسفر عن تحقيق أي مكاسب ملموسة للأحزاب غير الإسلامية أو للمعسكر “الديمقراطي” على وجه الخصوص.
لم يصب تقليص المجال السياسي القوى غير الإسلامية كما أصاب بها جماعة الإخوان المسلمين، والتي تتعرّض لحملة قمع منظَّمة تقودها الدولة، لكنه أثَّر عليهم بصورة سلبية. وقد فشلت القوى “المؤيّدة للديمقراطية” – التي دعمت الانقلاب العسكري وشاركت في الحكومة التي شكلها الجيش في مصر- إلى حدّ كبير في الاستفادة من المجال السياسي الذي أتيح لها بسبب الضرر الذي لحق بجماعة الإخوان المسلمين، وأخفقت تلك القوى في تطوير أي رسالة سياسية واضحة أو انتهاز الفرصة لبناء قاعدة أنصار شعبية ثابتة.
وقد وضعت حملة التشويه التي أطلقتها وسائل الإعلام ضد أي معارضة للدولة، بالإضافة إلى وجود جو شوفيني من الحماس الوطني المتصاعد، العديد من الحركات الشبابية والأحزاب السياسية غير الإسلامية في موقف دفاعي، ما دفع معظمها إلى التوافق مع الدولة المدعومة من الجيش وقبول خارطة الطريق السياسية وإلا فسيتم استبعادها أو نبذها.
وتقول الورقة إن الأحزاب العلمانية -الديمقراطية (!)- قد تستفيد من القمع الوحشي الذي يتعرض له المعارضون السياسيون ومن الأهمية بمكان هنا التمييز بين القاعدة الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث متوقع أن يقاطع الكثير منهم العملية الانتخابية برمّتها هذا العام، وبين الناخبين المتردّدين الذين صوَّتوا للإخوان ليس من باب الولاء ولكن لأنهم تعاطفوا مع الإخوان أو لأنهم لم يكونوا يرغبون في أن ينجح الأفراد أو الجماعات المرتبطة بعهد مبارك في عامي 2011 و2012. وبالتالي يمكن للأحزاب غير الإسلامية كسب أصوات إضافية إذا ما تمكّنت من إيجاد وسيلة لجذب هذه الفئة من الناخبين المتردّدين.
المصدر: كارنيجي + نون بوست