أثار القرار الذي أصدره العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بتعيين المندوب الدائم للمملكة لدى جامعة الدول العربية وسفيرها في مصر أحمد قطان، وزيرًا للشؤون الإفريقية، تساؤلات عديدة في أذهان المراقبين المهتمين بالسعودية والقارة السمراء، فما الذي دفع القيادة السعودية لتعيين وزير مختص بالشأن الإفريقي في هذا التوقيت بالذات؟
من هو أحمد قطان؟
تقول السيرة الذاتية للسفير أحمد بن عبد العزيز قطان أنه وُلد في 20 من أكتوبر/تشرين الأول في مكة عام 1953، تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسة جامعة القاهرة عام 1978.
وعن صفاته يقول دبلوماسيون وأصدقاء مقربون منه أنه رجل مثقف أديب ودبلوماسي ذو خبرة متراكمة ومعرفة جيّدة بالشأن المصري والعربي بشكل عام، لكن يعيبون عليه سرعة الانفعال والغضب أحيانًا مع الميل إلى الغطرسة والحدة في التعامل، كما ورد في كتاب “البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية” لمؤلفه سعود السبعاني.
التحق قطان بوزارة الخارجية السعودية عام 1978، وعمل في عدة سفارات ومحطات دبلوماسية كان أبرزها شغله لمنصب مراقب السعودية الدائم لدى منظمة الدول الأمريكية من العام 1996 حتى 2005، ثم عُين مندوب دائم للمملكة لدى جامعة الدول العربية في القاهرة منذ فبراير 2005 وقبل سبع سنوات صدر أمر ملكي بتعيينه سفيرًا للسعودية لدى جمهورية مصر بالمرتبة الممتازة إضافة إلى عمله السابق “مندوب لدى الجامعة العربية”.
أهمية إفريقيا للسعودية
بدايةً، حتى وقتٍ قريب لم تكن الرياض تكترث كثيرًا للقارة السمراء، رغم العلاقات القوية التي تربط بين الجانبين، ففي التاريخ الحديث برز الاهتمام السعودي بإفريقيا في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز الذي قام بجولاتٍ إفريقية شملت الصومال والسودان والسنغال في ستينيات القرن الماضي.
لكن المملكة العربية السعودية أدركت مؤخرًا أهمية إفريقيا، خصوصًا شرق القارة الذي يعرف بمنطقة “القرن الإفريقي” بالنظر إلى موقعه الإستراتيجي، إذ عملت المملكة على استقطاب كل من إريتريا والصومال وجيبوتي، فاستخدمت الرياض مواني إريتريا لتكون منصة انطلاق لمقاتلاتها التي تشن حربًا على الحوثيين في اليمن منذ العام 2015.
وعملت السعودية على تقوية علاقتها مع الصومال وحاولت في الوقت نفسه الضغط عليها للانضمام إلى معسكر حصار قطر في الأزمة الأخيرة، لكن الصومال التزمت الحياد التام، وفيما يتعلق بجيبوتي ذكرت صحيفة الفايناشيال تايمز البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن السعودية تقترب من إتمام صفقة مع جيبوتي لبناء قاعدة عسكرية.
الملك الراحل فيصل في إحدى جولاته الإفريقية في ستينيات القرن الماضي
أمنيًا، نرى أن السعودية تسعى بالفعل للعب دور أكبر في أمن المنطقة انطلاقًا من القاعدة المرتقبة في جيبوتي، فضلًا عن علاقاتها التي أصبحت متميزة مع إريتريا والأخيرة ترتبط بعلاقة أوثق مع أبوظبي حليفة الرياض، فقد شرعت الإمارات في بناء قاعدة عسكرية لها على ميناء عصب الإريتري منذ العام 2016 حسبما أورد موقع معهد ستراتفور الأمريكي.
اقتصاديًا، اهتمت السعودية منذ عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بتكثيف استثماراتها في إفريقيا؛ حيث أطلق مبادرةً للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج، ولعبت الخطوة تلك دورًا رئيسيًا في تعزيز الصفقات بين المستثمرين السعوديين وأصحاب الأراضي في إثيوبيا والسودان على وجه الخصوص، وكان الهدف من المبادرة السعودية توفير إمدادات غذائية لكامل دول مجلس التعاون الخليجي.
دينيًا، أدركت السعودية الخطر الذي يهدد مصالحها إذا سمحت لإيران بالمزيد من التغلغل في القرن الإفريقي، حيث استثمرت المملكة بكثافة في الجهود الرامية إلى مكافحة النفوذ الإيراني في القارة الإفريقية بصورة عامة وشرق إفريقيا بصورة أخص.
وتَمثل أبرز نجاح سعودي في قطع السودان علاقته مع إيران عام 2015، وقبلها أغلقت الخرطوم المراكز الثقافية الإيرانية بدعوى نشرها المذهب الشيعي في البلاد، وأعلنت الحكومة السودانية في الوقت نفسه الانضمام إلى المعسكر السعودي.
وإلى جانب الوعود المالية، استخدم السعوديون نفوذهم الدبلوماسي لإغراء التحول السوداني، وتعهدوا بمساعدة السودان على الخروج من عزلته الدبلوماسية، فكان قرار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تخفيف العقوبات الاقتصادية على السودان ثم رفعها الرئيس الحاليّ دونالد ترامب منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبالمقابل شارك السودان بفعالية في حرب اليمن لصالح التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي صالح.
دعا العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز القادة الأفارقة إلى قمة سعودية ـ إفريقية العام الماضي، لكنها لم تجد أي صدى ولم تُعلق عليها مفوضية الاتحاد الإفريقي (الذراع الأقوى في المنظمة الإفريقية)
وفي غرب إفريقيا، تتنافس الرياض وطهران، في المقام الأول، بمعركةٍ طائفية بين الإسلام السني والشيعي، وأصبحت غرب إفريقيا حاليًا تشهد توترًا طائفيًا متزايدًا، حيث تُصدر السعودية وإيران وجهات نظرهما المختلفة عن الإسلام إلى المجتمع الإسلامي الأوسع هناك.
ويظهر الانقسام الأكثر وضوحًا في الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان، نيجيريا، إذ إن أغلبية النيجيريين من المسلمين السنة، ويخضع البلد لرئيس سني، هو محمد بخاري، كما توجد جماعة (بوكو حرام) المتطرفة السلفية في البلاد مع وجود أقلية شيعية، وقد حاولت إيران، في دورها المعلن كزعيم للشيعة، تبرير التدخل في الشؤون الداخلية لنيجيريا على أساس أنها الضامن الشرعي لأمن الأقلية الشيعية.
اهتمام سعودي متزايد بالقمم الإفريقية
أظهرت المملكة العربية السعودية اهتمامًا واضحًا بالمشاركة في القمم الإفريقية التي تستضيفها غالبًا دولة المقر “إثيوبيا”، فقد شارك وزير الخارجية عادل الجبير في قمة أديس أبابا عام 2016 و2017 على التوالي، وفي آخر مشاركة له عمل على استقطاب قادة الدول الإفريقية للانضمام لمعسكر الرياض ـ أبوظبي المعادي لقطر غير أنه سمع ردًا موحدًا من رؤساء دول إفريقية مضمونه أنهم يدعمون الوساطة الكويتية وأن الأزمة الخليجية شأن يخص أهل الخليج وحدهم.
كما دعا العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز القادة الأفارقة إلى قمة سعودية ـ إفريقية العام الماضي، لكنها لم تجد أي صدى ولم تُعلق عليها مفوضية الاتحاد الإفريقي (الذراع الأقوى في المنظمة الإفريقية).
الجبير يحاول منافسة أمير قطر وأردوغان
كان الجبير قد استبق القمة الأخيرة (أواخر يناير 2018) بجولةٍ في القارة السمراء شملت غينيا الاستوائية والكونغو، وبعد انتهائه من الاجتماع مع الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نغيسو، لم يُخفِ الجبير اهتمام بلده بالقضايا الأمنية بوجهٍ عام، حيث قال: “السعودية تعمل بالاشتراك مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا لإيجاد حلول في منطقة الساحل“، مشيرًا إلى أن المملكة تساهم بالفعل بنحو 100 مليون دولار لدعم عمليات البلدان المعنية، من حيث الخدمات اللوجستية والعسكرية، وكذلك الإسناد الجوي.
تعزز الخطوط الجوية التركية حضور أنقرة في القارة السمراء إذ تغطي معظم الوجهات الإفريقية، فضلًا عن استثماراتٍ تركية واسعة وصل معها حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 25 مليار دولار في 2015
كما زار رئيس الدبلوماسية السعودية جنوب إفريقيا بصورة مفاجئة الأسبوع الماضي بعد انتخاب سيريل رامافوزا رئيسًا للبلاد خلفًا للمُقال جاكوب زوما، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية السعودية أن اللقاء بحث العلاقات المشتركة وسبل تعزيزها في كل المجالات بما يخدم تطلعات البلدين.
اهتمام المملكة العربية السعودية بإفريقيا ومحاولة تعميق علاقتها بدول القارة السمراء، يمكن أيضًا أن يفسِّر قلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من جولة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي زار أواخر العام الماضي عدة دول بغرب القارة في ثاني جولةٍ له إذ كانت الأولى في أبريل/نسيان 2017 وشملت إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا.
كذلك لا بد أن السعودية قلقة من تحركات تركيا، فالرئيس رجب طيب أردوغان مصنف من بين زعماء العالم الأكثر زيارة للقارة الإفريقية حيث زار 28 دولة خلال توليه منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
وفي خلال ثلاثة أشهر فقط أجرى أردوغان جولتين إفريقيتين الأولى شملت السودان وتشاد وتونس، بينما يجري حاليًّا جولة أخرى تشمل الجزائر وموريتانيا والسنغال ومالي.
كما تعزز الخطوط الجوية التركية حضور أنقرة في القارة السمراء إذ تغطي معظم الوجهات الإفريقية، فضلًا عن استثماراتٍ تركية واسعة وصل معها حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 25 مليار دولار في 2015، ومن اللافت أن وزارة الخارجية التركية افتتحت مؤخرًا خمس سفارات جديدة لها في كلٍ من بورندي وإفريقيا الوسطى وليبيريا وسيراليون وغينيا الاستوائية، بما يعزز أدوارها السياسية والاقتصادية في القارة الإفريقية.
هل يسعى السعوديون لجعل إفريقيا أرض مواجهة بينهم وبين قطر وتركيا؟
يرى المحلل السياسي الروسي يفغيني ساتانوفسكي أن “حلف السعودية ـ الإمارات ـ مصر يواجه حلف قطر ـ تركيا في كلٍ من السودان والصومال وجيبوتي وإثيوبيا وأوغندا وإرتيريا حيث تنشط الجماعات الإرهابية وإيران”.
ويعتقد ساتانوفسكي في مقاله الذي نشرته صحيفة Vpk-News الروسية أن زيارة أردوغان للسودان لم تكن بمبادرة شخصية منه بل بتنسيق تام مع قطر التي يعتبرها الكاتب “القاطرة الرئيسية لدعم النفوذ التركي في إفريقيا”، مشيرًا إلى أن السودان أضحى ساحة تنافس مع حلف الإمارات ـ السعودية لأجل إقامة نفوذ سياسي وعسكري في القارة السمراء.
نُعلّق على حديث الكاتب الروسي بأن السودان ومعظم الدول الإفريقية آثروا الحياد في الأزمة الخليجية الأخيرة والتزموا بمقررات قمة أديس أبابا المنعقدة في يوليو/ تموز 2017، التي دعت دول القارة إلى النأي بنفسها عن الأزمة.
لكن السودان وإثيوبيا كانا الأقرب إلى المحور القطري التركي بعد التطورات الأخيرة المتمثلة في زيارة الرئيس أردوغان إلى الخرطوم وتوقيع اتفاق “سواكن” مع الرئيس السوداني، في حين تشهد علاقات البشير مع الرياض برودًا واضحًا منذ فترة بعد إحجام السعودية عن الوفاء بتعهداتها في دعم السودان اقتصاديًا وانحياز المملكة إلى جانب مصر في أزمة حلايب المتنازع عليها بين الخرطوم والقاهرة.
مهمة أحمد القطان ستحفها المصاعب لأن الدول الإفريقية لم تعد كما كانت سابقًا، فهي تتمتع حاليًّا بقدر لا بأس به من الديمقراطية وحكم القانون
وإثيوبيا كذلك اقتربت جدًا من قطر بعد الزيارات التي تبادلها الشيخ تميم بن حمد وهايلي مريام ديسالين العام الماضي والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين التي تؤسس لشراكات مستقبلية، كما نلفت إلى أن بعض الدول التي انحازت إلى محور أبوظبي ـ الرياض راجعت موقفها وأعادت علاقتها الدبلوماسية مع الدوحة بعد أن تبين أنها خُدعت بآلة إعلامية ضخمة هدفت إلى شيطنة قطر فضلًا عن خيبة أمل شعرت بها تلك الدول عندما كانت تنتظر دعمًا ماليًا مقدرًا واستثمارات تنعش اقتصادها المتردي.
أهداف تعيين القطان وفرص نجاحه
يبدو أن السعودية تسعى للدخول بقوة في إفريقيا وتعزيز وجودها في شتى المجالات أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ولعل قرار تعيين أحمد القطان وزير دولة للشؤون الإفريقية جاء بعد أن فشل المستشار المثير للجدل في وزارة الخارجية السعودية طه عثمان الحسين في المهام التي كُلف بها التي تتمثل في إقناع أكبر عدد من قادة الدول الإفريقية بمقاطعة قطر إلى جانب تنظيم القمة السعودية الإفريقية.
وربما تريد المملكة اللعب على وتر الأحداث الأخيرة التي شهدتها دول إفريقية، فقد سارع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى زيارة جنوب إفريقيا فور تعيين رامافوزا رئيسًا جديدًا خلفًا لجاكوب زوما، وقد يفعل الشيء نفسه بعد أن تقرر إثيوبيا تعيين رئيس حكومة خلفًا للمستقيل هايلي مريام ديسالين خلال الأيام القادمة.
ربما يُعوّل القطان على إرث المملكة ومساعداتها الإنسانية إلى جانب استثماراتها في إفريقيا، ولكن تنتظره مهمة أخرى لا تقل صعوبة، وهي إعادة الدفء لعلاقات المملكة الباردة مع السودان بالإضافة إلى دول شمال إفريقيا
إن مهمة أحمد القطان ستحفها المصاعب لأن الدول الإفريقية لم تعد كما كانت سابقًا، فهي تتمتع حاليًّا بقدر لا بأس به من الديمقراطية وحكم القانون، فضلًا عن أن سمعة المملكة تأثرت سلبًا بتورطها في حرب اليمن ومشكلات سياسية مع لبنان وقطر.
وسيصطدم الوزير السعودي قطعًا بالأثر الذي تركته جولات أمير قطر في القارة السمراء، فضلًا عن تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشار إليهما أعلاه.
ربما يُعوّل القطان على إرث المملكة ومساعداتها الإنسانية إلى جانب استثماراتها في إفريقيا، ولكن تنتظره مهمة أخرى لا تقل صعوبة، وهي إعادة الدفء لعلاقات المملكة الباردة مع السودان بالإضافة إلى دول شمال إفريقيا (المغرب وتونس والجزائر).