غوطة دمشق تحيط بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب وتتبع دمشق وريف دمشق وهي سهل ممتد عبارة عن بساتين غناء من أشجار الفاكهة تعد من أخصب بقاع العالم، وقد جاء في كتاب عجائب البلدان: (“الغوطة هي الكورة التي قصبتها دمشق وهي كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مونقة الأزهار ملتفة الأغصان خضرة الجنان.. استدارتها ثمانية عشر ميلًا كلها بساتين وقصور تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها ومياها خارجة من تلك الجبال وتمتد في الغوطة عدة أنهار وهي أنزه بقاع الأرض وأحسنها”، وهي إحدى جنات الدنيا والغوطة عبارة عن غابة من الأشجار المثمرة البساتين وكان القدماء يعدونها من عجائب الدنيا.
الغوطة الشرقية هي المدينة الواقعة في ريف دمشق، وعدد سكانها قبل بداية الحرب الأهلية أكثر من مليوني نسمة، فيما يقطن فيها حاليًّا 400 ألف شخص فقط، وبدايتها هي مدينة دوما وتمتد نحو الشرق والجنوب محيطة بمدينة دمشق ببساط أخضر وكثافة أشجار الفواكه الشامية الشهيرة (الجانيرك والمشمش والخوخ والدراق والكرز والتوت والجوز وغيرها) وزراعة الذرة الشامية وجميع أنواع الخضراوات والسرو وأشجار الحور الباسقة الممشوقة، وتواصل الغوطة امتدادها إلى مناطق وقرى وبلدات أصبحت مدنًا الآن مثل زملكاوجرمانا والمليحة وعقربا وحزّة وكفربطنا وعربين إلى أن تلتقي بالغوطة الغربية لتكمل احتضان دمشق بالبساتين.
تنتشر في غوطة دمشق العديد من المزارات الدينية والمقامات وقبور الصحابة مثل مقام السيدة زينب في قرية السيدة زينب في الغوطة جنوب دمشق وقبر الصحابي مدرك بن زياد الفرازي ومقام إبراهيم الخليل في منطقة برزة، وقبر الصحابي عبد الله بن سلام في منطقة سقبا وكذلك قبر ومقام سعد بن عبادة الأنصاري في المليحة، وعدد من المقامات في داريا منها مقام أبي مسلم الخولاني ومقام أبي سليمان الداراني، وجامع المقداد بن الأسود في ببيلا ومقام الخضر في جرمانا ومزار عبد الله بن عوف في معضمية الشام.
تمتد في الغوطة الكثير من الآثار القديمة التي تعود لعصور قديمة متعددة و15 ديرًا تاريخيًا أثريًا ومجموعة من التلال والمواقع الأثرية نذكر منها تل الصالحية يقع على بعد 14 كيلومترًا وفيه آثار من العصر الحجري القديم وتل أسود ويقع إلى الشرق يحتوي على آثار تعود للعصر الحجري الوسيط والقديم وكذلك تل المرج ويقع في منطقة حوش الريحانة وتل أبو سودة بالقرب من المرج وآثار كثيرة في جسرينووعن ترما وحران العواميد وبلدة حمورة التي تعرف الآن بحمورية، هذا غير الآثار الدينية وغيرها.
سمير سليم (45 عامًا)، وهو أحد المتطوعين في أعمال الإغاثة والإنقاذ في الغوطة الشرقية كان ينقذ سيدة من تحت الأنقاض ثم تنبه إلى أنها والدته التي ما لبثت أن توفيت بين ذراعيه
طغت التطورات الميدانية في الغوطة الشرقية وسقوط عدد كبير من القتلى خلال الأيام الماضية جراء قصف القوات السورية لآخر معاقل المعارضة قرب دمشق، وأعلنها بشار حربًا ضروسًا، إما الاستسلام أو الإبادة، فهي آخر المعاقل للمعارضة، وتكمن أهميتها في قربها من عاصمة النظام، فلذلك هو مصر على تحويلها إلى رماد، ولا يرى ولا يسمع صريخ الأطفال والأمهات، فسلط الروس على شعبه من دون رحمة أو شفقة، من أجل كرسي ونظام سيزول، وهو نفسه سيصبح جسدًا يأكله التراب، ويصيبه دعوات الملايين من المظلومين فخسر دنياه وآخرته، وباع شعبه للغرب.
في الوقت الذي تعيش فيه الغوطة الشرقية لدمشق أدمى أيامها، حيث التهم الموت حياة أكثر من 250 شخصًا في 48 ساعة، وصباح الخميس، استفاقت الغوطة على مقتل 13 شخصًا بينهم أربعة أطفال، جراء عشرات القذائف الصاروخية التي استهدفت دوما (أبرز مدن الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق)، في اليوم الخامس للتصعيد على المنطقة، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد إن “راجمات الصواريخ لا تتوقف، إذ استهدفت مدينة دوما بـ200 قذيفة صاروخية أرض أرض قصيرة المدى صباحًا”، كما استهدفت القذائف والصواريخ مدن وبلدات أخرى بينها سقبا وجسرين وعربين، وأشار إلى “غياب الطائرات عن الأجواء الماطرة في الغوطة”.
ونقرأ في صحيفة التايمز مقالاً لريتشارد سبنسر بعنوان “الأسد بقساوته يحول الغوطة إلى جهنم على الأرض”، ويقول كاتب التقرير إن الأطباء وسائقي سيارات الإسعاف وعمال الإنقاذ يحاولون إنقاذ أطفال في الغوطة الشرقية، ويضيف أن سمير سليم (45 عامًا)، وهو أحد المتطوعين في أعمال الإغاثة والإنقاذ في الغوطة الشرقية كان ينقذ سيدة من تحت الأنقاض ثم تنبه إلى أنها والدته التي ما لبثت أن توفيت بين ذراعيه.
وأردف أن أحد منازل متطوعي الخوذ البيضاء في الغوطة الشرقية تعرض للقصف وكان داخلها أطفاله، إلا أنهم لم يتمكنوا من الوصول إليهم لمعرفة إن كانوا أحياءً أو أمواتًا.
ما دامت العروبة والأخوة يعتليها الصمت، وإن زادت نخوتها دعت على الظالم وبكت، فتحولت الغوطة من جنة إلى جحيم على الأرض بعد حلب، لعلها من أصدق ما قيل في إبادة جماعية
ويروي كاتب التقرير عن أحد الأطباء قوله إنه أنقذ أحد أطفال سائق سيارة إسعاف، ويضيف الطبيب أن والد الطفل جلب طفله وتوسله للعمل على إنقاذه قائلًا: “أتوسل إليك، فهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من عائلتي”، بحسب التقرير، ويضيف الطبيب “لقد انفطر قلبي”، ولكن لم تنفطر قلوب عروبتنا يا عزيزي.
ويقول كاتب المقال إن والد الطفل ذهب ليدفن أطفاله الثلاث إلا أنه لاحظ أن أحدهم ما زال يتنفس فسارع به إلى المستشفى لإنقاذه. ويشير إلى أن الغوطة الشرقية تتعرض للقصف بالبراميل المتفجرة وسلاح المدفعية من القوات السورية النظامية لليوم الرابع على التوالي، حيث سقط نحو 300 شخص بينهم 70 طفلًا.
وأرى أن أهالي الغوطة الشرقية ضحية مزدوجة بين تصميم الرئيس السوري بشار الأسد على استعادة الغوطة الشرقية وتصميم قوات المعارضة على الاستمرار في القتال رغم الوضع الميؤوس منه.
وختم كاتب المقال بالقول: “المدنيون لا يمكنهم الهروب من الغوطة الشرقية، إذ إن جميع المنافذ مغلقة، ليس أمامهم إلا الملاجئ للاحتماء التي أضحت الآن غير آمنة، بسبب استخدام المعدات الحربية المتطورة التي تهدم بناية من 5 طوابق بلمح البصر”.
غوتيريس أمين هيئة الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الدولي، قال يوم الأربعاء الماضي: “أوجّه نداءً إلى كل الأطراف المعنية من أجل تعليق فوري لكل الأعمال الحربية في الغوطة الشرقية لإفساح المجال أمام وصول المساعدة الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها”.
وأشار غوتيريس إلى أن “400 ألف شخص في الغوطة يعيشون جحيمًا على الأرض”، مطالبًا بوقف فوري للنار في الغوطة وفتح ممرات إنسانية، وتابع: “علينا تجنب نشوب النزاعات بدلًا من معالجتها بعد وقوعها”.
فلقد صدق وهو مكتوف الأيدي ليس في يديه غير التنديد والإدانة، ما دامت العروبة والأخوة يعتليها الصمت، وإن زادت نخوتها دعت على الظالم وبكت، فتحولت الغوطة من جنة إلى جحيم على الأرض بعد حلب، لعلها من أصدق ما قيل في إبادة جماعية، على يد مجرم ونظام روسي دموي، رغم عضويته في مجلس الأمن، ولكن دماء المسلمين دوما رخيصة.