في سابقة قد تكون الأولى من نوعها داخل الكونغرس الأمريكي، يدفع مشرّعون أمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لإجراء تصويت نادر داخل البرلمان الأمريكي لوقف الانخراط العسكري لبلادهم في النزاع داخل اليمن، في محاولة لإجبار الإدارة الأمريكية على وقف دعمها للتحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في هذا البلد الفقير.
بيان مشترك أصدره عدد من أعضاء الكونغرس على رأسهم بيرني ساندرز ومايك لي وكريس ميرفي، أمس الأربعاء 28 من فبراير/شباط 2018 قالوا فيه إن تحركهم هذا سيتيح للمرة الأولى على الإطلاق إجراء تصويت في مجلس الشيوخ على “سحب القوات الأمريكية من حرب غير مصرَّح بها”.
خطوة حال تنفيذها ربما تمثل صدمة للحليف السعودي الذي يرى في الدعم الأمريكي ضوءًا أخضر لتمرير أجندته الخارجية حتى وإن اقتصر الدعم على الموافقة الضمنية فقط، لكن تحريك المياه الراكدة في هذا الملف قبيل أيام من الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لواشنطن والمقرره الشهر الحاليّ، ربما أثار فضول الكثير من المراقبين للمشهد.
مشاركة غير دستورية
تستند المشاركة العسكرية الأمريكية في الحرب ضد اليمن إلى ترخيص أصدره الكونغرس في 14 من سبتمبر/أيلول 2001، بعد 3 أيام على الاعتداءات التي شنها جهاديون على أبراج نيوروك وواشنطن، وفيه أجاز المشروعون للإدارة الأمريكية استخدام القوة العسكرية ضد كل ما يهدد أمن وسلامة بلادهم.
وفي العام التالي مباشرة، أصدر الكونغرس ترخيصًا آخر، تأكيدًا لمضمون الترخيص الأول، وهو ذات المرجعية التي استند إليها كل من الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش وبعده باراك أوباما، ثم الرئيس الحاليّ دونالد ترامب لشنِّ كل العمليات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة خارج أراضيها.
تزامن التحركات البرلمانية ضد المشاركة العسكرية الأمريكية في اليمن مع زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة والمقرر لها – وفق ما تم إعلانه- الـ19 من مارس/آذار الحاليّ أثار الكثير من التساؤلات
برلمانيون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، حذروا الإدارة من أن هذا الترخيص البالغ عمره 15 عامًا لا يمكن الركون إليه إلى ما لا نهاية، ولا بد من تجديده، إذ يرون أن الترخيص الصادر في 2001 و2002 بشن الحرب ضد القاعدة في أفغانستان أو حتى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا لا ينطبق على الوضع في اليمن، ومن ثم لا داعي للاستناد إليه لتبرير العمليات العسكرية التي تشنها واشنطن لدعم حلفائها ضد الحوثيين.
بموجب الدستور فإن الكونغرس، وليس رئيس البلاد، هو صاحب سلطة إعلان الحرب، لكن انقسامات بشأن مدى السيطرة على وزارة الدفاع (البنتاغون) عرقلت مساعي إصدار تفويضات جديدة بالحرب، هذا ما أشار إليه السيناتور المستقل ستاندرز الذي قال: “نرى أنه بما أن الكونغرس لم يعلن الحرب أو يجيز استخدام القوة العسكرية في هذا النزاع، فإن مشاركة الولايات المتحدة في اليمن غير دستورية، وغير مصرَّح بها، والدعم العسكري الأمريكي للائتلاف السعودي يجب أن ينتهي”.
دعم أمريكي غير مسبوق للسعودية في حربها باليمن
ورقة الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن من الممكن أن تكون أحد أبرز أوراق الضغط الممارسة على ابن سلمان، هذا بخلاف حزمة من أوراق الضغط الأخرى التي يجهزها ترامب وصهره لابتزاز ولي العهد الحالم بكرسي العرش مهما كان المقابل
كارثة إنسانية
خلفت الحرب الدائرة في اليمن، منذ انطلاق أولى ضربات “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية، مارس 2015، عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، عسكريين ومدنيين، نساء وأطفال، أوصلت اليمن – الملقب بالسعيد – إلى أحد أسوأ البقاع على وجه الأرض، إنسانيًا واقتصاديًا.
تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن نحو 20 مليون يمني من بين 27 مليونًا هم إجمالي عدد سكان البلاد، بحاجة إلى نوع من المساعدات، والملايين من هؤلاء على بعد خطوة من المجاعة، وما يقرب من مليون موظف حكومي، يعولون الملايين من أفراد أسرهم، لم يتسلموا مرتباتهم منذ عام، وبين كل ذلك، فقد الملايين من الأشخاص وظائفهم ومصادر دخلهم في القطاعين الخاص والعام، مع إغلاق أغلب المؤسسات والشركات أو تضررها.
فيما تحدثت تقارير في وزارة الصحة، عن وفاة نحو ربع مليون يمني نتيجة الأوبئة والأمراض، وممن كانوا بحاجة للعلاج وتعذر علاجهم على النحو المطلوب أو عجزوا عن توفيره، بخلاف مليون مصاب بالكوليرا حتى الآن، فضلاً عن إصابة ما يقرب من 30 ألف مواطن بالسرطان سنويًا، علاوة على نزوح نسبة كبيرة من اليمنيين إلى الكهوف للعيش بها هربًا من الحرب.
هذا الوضع الإنساني المتدهور أثار حفيظة المنظمات الحقوقية الدولية التي أصدرت عشرات التقارير والبيانات التي تدين الأطراف المتنازعة داخل اليمن، محذرة إياها من مغبة التمادي في العمليات التي قد تخلف وراءها كارثة إنسانية لا يمكن التعامل معها مستقبلاً، وهو ما وضع العديد من الدول المشاركة في هذه الحرب في موقف حرج أمام شعوبها والمجتمع الدولي في آن واحد، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
يدفع مشرّعون أمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لإجراء تصويت نادر داخل البرلمان الأمريكي لوقف الانخراط العسكري لبلادهم في النزاع داخل اليمن
حفظ ماء الوجه أم ابتزاز؟
تزامن التحركات البرلمانية ضد المشاركة العسكرية الأمريكية في اليمن مع زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة والمقرر لها – وفق ما تم إعلانه – الـ19 من مارس/آذار الحاليّ وحتى الأسبوع الأول من أبريل/نيسان المقبل، أثار الكثير من التساؤلات.
فريق يستبعد وجود أي علاقة بينهما، مرجحًا أن تكون تحركات عدد من أعضاء الكونغرس ضد استمرار العمليات العسكرية في اليمن هي استجابة منطقية للإدانات الدولية التي تتعرض لها أمريكا جراء المشاركة في مثل هذه الحرب، التي خلفت وراءها كارثة إنسانية غير مسبوقة في هذا البلد.
مثل هذه التحركات – وفق رؤية الفريق الأول – تسعى إلى حفظ ماء وجه الولايات المتحدة دوليًا، كونها الدول الأكثر دفاعًا عن حقوق الإنسان، التي من المرجح أن يكون لتماديها في مثل هذه العمليات تداعيات سلبية على صورتها الخارجية ومكانتها الدولية مستقبلاً، لذا جاءت هذه الخطوة التي يراها البعض تأخرت كثيرًا.
بينما يذهب الفريق الآخر إلى أن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها السوق الأمريكي في الآونة الأخيرة والعجز الذي تشهده الموازنة العامة للدولة الذي تسبب في خفض ميزانية الكثير من القطاعات الحيوية بها، ربما يكون دافعًا قويًا لدى إدارة ترامب البراجماتية من أجل البحث عن مصادر تمويل لسد هذا العجز.
مليون يمني مصاب بالكوليرا بسبب ضعف الخدمات الصحية
زيارة ولي العهد السعودي لأمريكا ربما تكون فرصة مواتية للحصول على حصة أخرى من الدعم والاستثمارات استكمالاً لما حصل عليه ترامب خلال زيارته التاريخية للرياض مايو/آيار الماضي الذي تجاوز وفق بعض التقديرات 500 مليار دولار، وهو ما يفسر استعداد صهره كوشنر لتلك الزيارة على وجه الخصوص التي تعد الأطول لولي العهد في تاريخ زياراته الرسمية لأمريكا؛ إذ من المحتمل أن تزيد عن نصف شهر تقريبًا.
الخسائر التي تتكبدها السعودية في اليمن منذ 2015 وحتى الآن التي كان لها دورًا مؤثرًا في إحداث هزة عنيفة في البناء الاقتصادي للمملكة، تمثل مأزقًا حقيقيًا أمام آل سعود، خاصة في ظل التقدم الملحوظ للحوثيين المدعومين إيرانيًا، وهو ما يضع الرياض في ورطة حقيقية، ما بين مطرقة الانسحاب المخزي وسندان الاستمرار الذي يزيد نزيف الخسائر.
ورقة الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن من الممكن أن تكون أحد أبرز أوراق الضغط الممارسة على ابن سلمان، سواء كان ذلك عبر وقف الدعم فعلاً مما يزيد من تأزم الموقف السعودي يمنيًا، أو عبر الابتزاز للحصول على مزيد من المكاسب، هذا بخلاف حزمة من أوراق الضغط الأخرى التي يجهزها ترامب وصهره لابتزاز ولي العهد الحالم بكرسي العرش مهما كان المقابل، على رأسها ورقة اتفاقية (123) التي بمقتضاها قد توافق أمريكا على دخول المملكة النادي النووي عبر بناء عدد من المفاعلات النووية، خاصة أن شركة “وستنجهاوس” الأمريكية أحد أبرز المرشحين للحصول على هذه الصفقة في الوقت الذي تعاني منه من إفلاس حاد خلال الفترة الأخيرة.