يلجأ الأبوان في كثير من الأحيان إلى تفضيل تجاهل سلوكيات وتصرفات طفلهما بكونه الاستراتيجية الأفضل للتعامل مع الكثير المواقف، بهدف إيصال رسالة للطفل أنّ ما يقوم به لا يستدعي الانتباه وأنّ أي محاولة لتكراره لاحقًا فستكون نتيجتها الإهمال والتجاهل أيضًا، كصراخ الطفل أو بكائه في الشارع أو في السوق للحصول على ما يريد على سبيل المثال.
ومع ذلك، ففي حين يمكنك تجاهل بعض السلوكيات بشكلٍ انتقائيّ وفعّال، هناك بعض السلوكيات التي لا يمكنك ببساطة تجاهلها دون تدخّل مناسب، نظرًا لكونها قد تكون في أية لحظة عرضةً لأنْ تصبح مشاكل حقيقية في المستقبل، على الرغم من أنها تبدو قضايا سلوكية صغيرة لا ثقل لها، لكنها تستدعي التدخل لتصحيحها في أسرع وقت ممكن.
المبالغة في الكذب
يميل الأطفال بشكلٍ طبيعيّ إلى اختلاق القصص والحقائق التي يمكن أنْ نسميها فعليًا أنها أكاذيب بيضاء صغيرة لا تأتي بضرر، لكنّ مشكلتها أنّها لا تعكس الحقائق بالضبط، كأنْ يحدّث أصدقاءه عن بيته بمبالغة وتهويل، أو أنْ يخبرك حكاية حدثت معه بطريقة مهوّلة دون أنْ يعيَ هو مدى ابتعاده عن الحقيقة.
وعلى الرغم من أنّ القدرة على الاختلاق والتأليف سمة أساسية من خيال الطفل الواسع في مراحل عمره المبكّرة، إلا أنّ عدم التدخل المناسب قد ينمّي قدرة الطفل على الكذب بكثرة. وقبل أنْ تقرّر كيفية الرد والتعامل المناسب عندما يكذب طفلك، فمن المهم أن ننظر في الأسباب المحتملة وراء هذا الفعل.
مبدئيًا يمكننا القول أنّ الأطفال يستخدمون خيالهم في رواية الحكايا والقصص أكثر من استخدامهم للحقائق، وهذا جزء مهم من شخصية الطفل يستدعي المحافظة عليه وتنميته، لكن وفي الوقت نفسه ينبغي على الوالدين توعية طفلهما على أنّ كلّ تلك الخيالات والحكايا ليست صحيحة أبدًا ولا وجود لها في الواقع.
أمّا الأسباب الأخرى التي تستدعي الطفل للكذب والمبالغة في قول الحقيقة فقد تكون رغبته في تجنب عاقبةٍ ما أو نتيجة غير مرغوبٍ بها، ويحدث هذا بشكلٍ تلقائيّ لديهم دون تفكير أو تخطيط مسبق. لذلك على الوالديْن هنا أن يشعرا الطفل بالأمان حيال صدقه، أيًّا كانت النتيجة، وفي حال كذب بدايةً فقد يكون من الممكن أنْ يستخدما معه أسلوب “سأقدم لك بضع دقائق للتفكير في الأمر، ثم سأطلب منك مرة أخرى للتحدث فيما حدث حقًّا”.
فالمبالغة في الحقيقة، أو حتى الكذب الصريح غالبًا ما يُستخدمان كغطاء لانعدام الأمن عند الطفل، سواء خوفًا من والديهم أو من البالغين في محيطهم، أو محاولةً للظهور بين أقرانهم انجرارًا للمقارنة وضعف تقدير الذات. لذا على الوالدين محاولة التحدث معه حول العواقب المحتملة للمفاخرة الكاذبة، ومن ثمّ العمل على بناء المهارات الاجتماعية المناسبة التي تساعده في إيجاد سبل للتواصل مع الآخرين بعيدًا عن الكذب والمبالغة.
ما هي المشكلة؟ عندما يعتاد طفلك على محاولة إظهار نفسه أفضل في عيون شخص آخر يصبح الكذب تلقائيًا في نهاية المطاف وقد يؤدي إلى مشاكل حقيقية في البيت والمنزل والبيئات المجتمعية المختلفة. لذلك اجعل الصدق أولوية في منزلك، وحاول أن تنشئ قاعدة أسرية بعنوان “قل الحقيقة مهما كان”، عندها سيكون أطفالك أكثر عرضة للإيمان بأهمية أن نكون صادقين مهما كانت النتيجة.
الاستماع الانتقائي
قد يحاول الكثير من الأطفال إظهار عدم اهتمامهم بما يقوله الوالدان أو محاولةً للتهرّب منه عن طريق التظاهر بعدم سماعه. يعدّ هذا التصرّف أو السلوك رمزًا لمحاولة التهرّب من اتباع التوجيهات والامتثال للأوامر، الذي قد يبدو جيدًا في بعض الأحيان كدليل على استقلالية الطفل، لكنّ تكراره أو مواجهته بالتظاهر أو بالتجاهل قد يسبب مشكلة حقيقية على المدى البعيد، أهمها صعوبة السيطرة على الطفل وسلوكياته كليًا.
جذب انتباه الطفل يمكن أن يُشعر الوالدين وكأنه معركة شاقة، وهذا ليس غريبًا أبدًا، خاصة في منافسة التلفاز وألعاب الفيديو والهواتف الذكية والكثير من الوسائل الأخرى التي قد تشتت انتباه طفلك. لذلك قد تكون الوسيلة الأولى لحلّ مشكلة الاستماع الانتقائي هي الحدّ من تلك المشتتات التي تلهي الطفل عن سماع الأوامر أو كلام الكبار.
هنالك العديد من أساليب التربية الفعالة التي تساعد في حلّ هذه المشكلة، مثل أنْ تستخدم أسلوب السؤال لا الأمر في طلبك من طفلك، كأن تقول له “هل يمكنك أنْ ترتب ألعابك؟” بدلًا من “رتب ألعابك!”، عوضًا عن أعطائه الوقت الكافي ليقوم بذلك، فلا تطلب منه أنْ يترك ما في يديه الآن وحالًا ليتوجه للقيام بما طلبته منه، فهذا الأسلوب قد يشعره بسلب استقلاليته وقدرته وخضوعه لكلّ ما تقول، ما يمكن أنْ يزيد المشكلة سوءًا.
كما يعمل أسلوب تعزيز السلوك الإيجابي بطريقةٍ جيدة دومًا في حلّ المشكلات بين الأطفال والأبوين، فعندما يتبع طفلك طلباتك أو أوامرك الخاصة، عليك أن توفّر له نتائج إيجابية لتعزيز سلوكه الجيد. فالثناء أو المكافأة يعملان جيًدًا على تحفيز سلوكيات الطفل وتكرارها.
مقاطعة الآخرين وعدم احترام خصوصياتهم
غالبًا ما يؤدي نفاد صبر الأطفال حيال الانتظار إلى مقاطعتهم لأحاديث من حولهم أو أفعالهم ونشاطاتهم التي يقومون بها، وتعليمهم عدم القيام بذلك يعدّ نشاطًا اجتماعيًا مهمًّا له انعكاساته اللاحقة في حياة الطفل خاصة عند البلوغ وفي حال اتساع بيئاته الاجتماعية ودوائر علاقاته.
قد يكون مللهم الناتج عن الانتظار أو تسرّعهم للحديث أو المقاطعة هما السببان الأساسيان لهذا السلوك، لذلك على الأبوين تعزيز قيمة الصبر عند أطفالهم من عمرٍ مبكّر، إضافة لوضع قواعد سلوكٍ معينة للحديث والحوار وتذكير الطفل بها بين الفينة والأخرى، مثل أنّ المقاطعة أسلوب يدلّ على عدم الاحترام، أو أنّها تضرّ بمشاعر الآخرين، وهكذا. كما أنّ محاولة إظهار المقاطعة كأنها فعل غير فعّال قد تجدي نفعًا في كثير من الأحيان، فالتجاهل هنا قد يكون أكثر فعالية من غيره.