في بداية القرن السادس عشر، عرف المغرب الأقصى انقساما كبيرا، خلّف كيانات سياسية جهوية ذات طابع ديني، ما ساهم في تراجع المنطقة وضعفها إلى أن جاء العلويين ووضعوا حدّا لهذا الانقسام والتشرذم ووحدوا قسما كبيرا من البلاد تحت رايتهم.
الدولة العلوية.. بداية الظهور
سنة 1631 ميلادي، ظهر الشريف بن علي بن محمد بمنطقة تافيلالت وريثة مدينة سجلماسة التاريخية في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، حيث الواحات، وقد كانت هذه المنطقة نقطة وصول القافلات العابرة للصحاري إلى المغرب.
تمكن الشريف من تحقيق وحدة التراب المغربي كاملة من شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى شاطئ نهر السينغال جنوبا
هذا الظهور كان الهدف تأسيس الدولة العلوية في المنطقة، فكان له ذلك، وتدعّم في عهد محمد الأول، رغم المقاومة الكبيرة التي واجهها من الكيانات السياسية الموجودة في المنطقة، إلا أن الهدف الأسمى ألا انقاذ المغرب من التشرذم وتأسيس سلطة مركزية قوية، قد تحقّق في عهد شقيق محمد الأول الرشيد بن علي الشريف.
ففي عهده الذي بدأ سنة 1664، وامتدّ إلى غاية سنة 1671، تمّ وضع حدّ لعهد الكيانات السياسية الصغيرة المتصارعة على النفوذ والحكم في البلاد، نتيجة ضعف الدولة السعدية وانحلالها، وانعدام الأمن في معظم ارجائها.
السلطان إسماعيل بن الشريف
أما في عهد السلطان إسماعيل بن الشريف الذي امتدّ بين سنة 1671 و1727 ميلادي، فقد تمّ توحيد المغرب مجددا، حيث تمكن العاهل الكبير من تحقيق وحدة التراب المغربي كاملة من شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى شاطئ نهر السينغال جنوبا.
النسب والسياسة
تقول المصادر والكتب التاريخية أن نسب الأسرة العلوية المغربية الحاكمة يرجع إلى على بن أبي طالب كرم الله وجهه، وعرفت هذه الأسرة في القرن الثالث عشر وما بعده بأسر الشرفاء السجلماسيين نسبة إلى مدينة (سجلماسة) التي أسست سنة 757ميلادي، وكانت قاعدة لإقليم تافيلالت الصحراوي قبل أن تتحول قاعدة الإقليم إلى مدينة الريصاني.
وتقول كتب التاريخ، إن جدّ العلويين، الحسن بن القاسم بن محمد وهو المعروف باسم “الحسن الداخل” قد نزل بسجلماسة سنة 664 هجري الموافق لسنة 1265 ميلادي أي في عهد الدولة المرينية، واستقر فيها، وتوفي هناك سنة 676هـجري الموافق لسنة 1277ميلادي.
عزز السلطان إسماعيل بن الشريف “عبيد البخاري” بتجنيده للعبيد المتفرقين في المدن والبوادي
يرجع سبب قدوم الحسن بن القاسم بن محمد إلى المغرب حسب كتب التاريخ إلى أن وفدا من الحجاج السجلماسيين كان يرغب في وجود شخصية من آل البيت النبوي بينهم في مدينة سجلماسة للتبرك به، فاتصل الوفد بشريف “ينبع النخل (قرية من قرى الحجاز مساحلة للبحر الأحمر، وقاعدتها ميناء الينبع)، المولى قاسم بن محمد، وكان من أكبر شرفاء الحجاز في وقته ديانة ووجاهة، فطلبوا منه أن يرسل معهم أحد أولاده الثمانية إلى بلادهم تكريما وتشريفا لهم، فاستجاب الشيخ الشريف لطلب الوفد، واختار من أولاده الحسن الداخل.
عبيد البخاري
من أبرز العوامل التي ساعدت العلويين على توحيد المغرب، والمحافظة على سيادة الدولة، والقضاء على النزعات الانفصالية والثورات التي شهدتها البلاد والكيانات السياسية الصغيرة هناك، وفتح عدد كبير من الثغور واستخلاصها من المستعمر الأجنبي، “عبيد البخاري”.
ويطلق هذا الاسم على عماد الجيش العلوي، وهي قوة عسكرية، أطلق عليه هذا الاسم نسبة ليمين الطاعة الذي يؤدّيه عناصرها على كتاب الإمام البخاري، وتكونت نواتها الأولى من 2000 من الجنود الزنوج الذين تم تجنيدهم من أجل محاربة المولى الرشيد، فكوَّن المولى إسماعيل منهم أول فيالق جيش البخاري وعنهم تفرع جيش ضخم العدد ومحكم التدريب.
ساعد جيش البخاري في ازدهار دولة العلويين
وقد عزز السلطان إسماعيل بن الشريف “عبيد البخاري” بتجنيده للعبيد المتفرقين في المدن والبوادي، ونظم حملات على تمبكتو لجلب العبيد من السودان، كما جمع الحراطين من مختلف القبائل والمدن وأدمجهم في جيش البخاري.
وقد كان لهذه الفئة من الجيش المعزولة عن كل فئة اجتماعية مغربية والمرتبطة بشخص السلطان فقط، أن تضمن جباية الضرائب ومراقبة الطرق التجارية وحماية الدولة العلوية من المتمردين والأعداء وتوسيع نفوذها وتحقيق مركزيتها.