أي دور لحفتر فيما يحصل بالجنوب الليبي؟
في الوقت الذي تسعى فيه عديد الأطراف الداخلية والخارجية إلى احياء عملية السلام في ليبيا، بحثا لحلّ للأزمة التي تعرفها البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، يشهد الجنوب الليبي معارك ضارية بين عدد من الفصائل المسلحة، الأمر الذي له أن يربك الوضع أكثر في البلاد، خاصة أن بعض هذه المجموعات المسلحة تسعى إلى بسط سيطرتها على الجنوب بمساعدة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
قوات أجنبية
هذه المعارك كانت نتيجة هجوم مجموعات مسلحة من قبيلة “التبو” مستعينة بمرتزقة أفارقة خاصة من القوات التشادية والسودانية المتمرّدة، على مدينة سبها جنوب البلاد، في محاولة منها لاحتلال المنطقة، والسيطرة على مؤسسات الدولة الليبية هناك، من ذلك المطار والمعسكرات، حيث تصدّ لها اللواء السادس مشاة الذي ينتمي أغلب أفراده لقبيلة أولاد سليمان الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وشهدت مدينة سبها خلال الأيام الماضية مواجهات مسلحة بين كتائب قبائل التبو، وقبيلة أولاد سليمان، وصفت بأنها الأكثر عنفا خلال الفترة الأخيرة، وأدت هذه المواجهات إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين كما دفعت العشرات من العائلات الى النزوح من المدينة التي أعلن مركزها الطبي حالة الطوارئ القصوى، مناشدا جميع العناصر الطبية والطبية المساعدة بضرورة الحضور والإلتزام والإلتحاق بأعمالهم.
تدرّ هذه النشاطات غير القانونية التي تقوم بها الجماعات المسلحة في المنطقة مبالغ مالية معتبرة
وتتميز منطقة الجنوب الليبي بعد الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكرّرة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعتبر هذه المنطقة البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من ليبيا محطة للهروب لأوروبا.
ويعبر عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين سنويًا الحدود من دول جنوب الصحراء إلى ليبيا، لينطلقوا منها عبر القوارب إلى السواحل الجنوبية للقارة الأوروبية، إلا أن هذا العدد بدأ في التراجع مؤخرًا نتيجة الحملة الأخيرة لخفر السواحل الليبي بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، التي تعترض عمليات مهربي البشر.
سقط كثير من القتلى في هذه المواجهات
تسعى قبيلة التبو التي توالي اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى فرض سيطرتها على المنطقة من أجل السيطرة على طريق الهجرة غير الشرعية، يشار الى ان 170 ألف مهاجر غير شرعي يتواجدون في ليبيا منهم 130 ألف مهاجر يتواجدون في الجنوب.
وإلى جانب الاتجار بالبشر، ازدهرت تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية في الجنوب الليبي، وتدرّ هذه النشاطات غير القانونية التي تقوم بها الجماعات المسلحة في المنطقة مبالغ مالية معتبرة في منطقة فقيرة لا تملك فيها الدولة القدرات والموارد اللازمة لمكافحتها وحماية سكانها من الأخطار التي تشكلها هذه الأخيرة على أمنها واستقرارها وآمالها المشروعة في التنمية والرفاه.
تغيير الواقع الديموغرافي في الجنوب الليبي
فضلا عن السيطرة على طريق الهجرة وباقي النشاطات غير القانونية تسعى هذه الجماعات المسلحة بمساعدة قوات حفتر إلى تغيير الواقع الديموغرافي في الجنوب الليبي والزج بقبائله في صراعات قد تؤدي إلى المساس بوحدة البلاد، حسب ما صرّح به رئيس الأمانة العامة لمجلس شيوخ ليبيا أيوب الشرع.
وأكد الشرع، في تصريحات صحفية، أن الأمانة العامة لمجلس شيوخ ليبيا تتابع باهتمام وقلق تطوّرات الصراع الحاصل منذ نحو أسبوعين بين قبيلتي التبو وأولاد سليمان في الجنوب، معربا عن أسف الأمانة العامة للغياب التام للدولة الليبية في منطقة الجنوب، بما في ذلك حكومتي الوفاق الوطني والمؤقتة ومجلس النواب.
يشكل هؤلاء المقاتلون تحديا أمنيا في جنوب ووسط ليبيا
وكان ممثلون عن قبيلة أولاد سليمان والتبو وقعوا في التاسع والعشرين من آذار/مارس العام الماضي، اتفاق مصالحة في العاصمة الإيطالية بحضور عبد السلام كاجمان نائب رئيس المجلس الرئاسي ووزير الداخلية الإيطالي ماركو ميننيتي إضافة إلى ممثلين عن قبيلة الطوارق.
ونص الاتفاق على الصلح الشامل والدائم بين الطرفين، على أن تتولى الدولة الإيطالية “دفع القيمة المالية لجبر الأضرار بين الطرفين وعلاج الحالات المستعصية”، وتعهدا بـ”إخلاء الأماكن العامة والبوابات من كل التشكيلات المسلحة وتسليمها إلى الشرطة من جميع أطياف الجنوب”.
دور حفتر
هذا الاتفاق سرعان ما تمّ خرقه، نتيجة تحالف قبائل التبو مع قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر الذي يسعى إلى إطالة أمد الصراع المسلّح في ليبيا، خاصة أن بقاءه في المعادلة السياسية في البلاد ارتبط بوجود القتال وشرعيته مرتبطة بالحرب التي يخوضها في مناطق مختلفة من ليبيا.
ويسعى حفتر إلى إطالة أمد الأزمة من خلال الحروب التي يقودها، ذلك لأنه لا قيمة له دونها، ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، حيث يرنو من خلال أفعاله الشنيعة هذه إلى الزعامة وتصدر المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مهما كلفه الأمر.
من أبرز الجبهات التشادية والسودانية والمالية المسلحة المتواجدة في الجنوب الليبي هي: الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد، والقوات الثورية المسلحة من اجل الصحراء، وجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية، وتجمع القوى من اجل التغيير في تشاد، إضافة إلى حركة العدل والمساواة السودانية، حركة تحرير السودان، وحركة العدل والتحرير، وحركات المعارضة المالية والنيجرية.
حفتر وسط قواته المقاتلة
سبق لهذه الجماعات المشاركة في الهجوم على المنشآت النفطية في مارس 2017، وكذلك في معارك براك الشاطئ وقاعدة تمنهنت في أبريل ومايو 2017، جنبا إلى جنب مع قوات حفتر، ويشكل هؤلاء المقاتلون تحديا أمنيا في جنوب ووسط ليبيا، حيث تستمر مشاركتهم في الأنشطة العسكرية والتهريبية.
وأكدت تقارير أممية سابقة تتحدث عن الأوضاع في دارفور السودانية، أن حفتر يستعين بمرتزقة حركات التمرد السودانية في عملياته القتالية، ويقدم لهم أشكالاً من الدعم من بينها تهريب الوقود والبشر والممنوعات، بالإضافة لدفع رواتب ثابتة لهؤلاء المرتزقة.
فيما أشارت تقارير محلية نشرت سابقا إلى استعانة حفتر بهؤلاء المرتزقة في حربه في السيطرة على منطقة الهلال النفطي منتصف العام الماضي، بالإضافة لاستعانته بهم في تأمين مواقع حيوية مثل حقول النفط في تازربو والسرير أقصى الجنوب الليبي.
واتهم آمر اللواء السادس مشاة، العميد احميد العطايبي، في تصريح تلفزي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالوقوف وراء المعارك في الجنوب الليبي، مؤكّدا قيام حفتر بجلب مقاتلين مرتزقة من دول تشاد والنيجر والسودان، واصفا المعركة بأنها معركة بين الشرق والغرب.
عملية “بشائر الأمان“
لمواجهة هذه الأوضاع، أطلقت رئاسة الأركان العامة للجيش التي تتبع حكومة الوفاق الوطني الليبي المعترف بها دوليا، الإثنين الماضي، عملية “بشائر الأمان” لحماية جنوب ليبيا، ومساندة القوات المسلحة بمدينة سبها في ردع من وصفتها بالقوات الغازية.
بدوره دعا المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى الليبية في بيان له، أهالي المنطقة الجنوبية لليقظة ودعم وحدات الجيش فى سبها، مشددًا على ضرورة أن يساهم الشيوخ والحكماء والأعيان فى حل النزاعات وتجنب التوترات الاجتماعية.
من شأن هذه المعارك في الجنوب أن تزيد، حسب عديد المتابعين للشأن العام في البلاد، من حدّة الأزمة في البلاد
وأكّد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في البيان أنه “سيحبط كل المحاولات التي تستهدف إيجاد واقع ديمغرافي جديد في الجنوب”، مشيرا إلى أن وحدات الجيش نجحت في صد هجمات على مقراتها في سبها. وأضاف أنه اتخذ إجراءات لدعم وحدات الجيش، والرد على الهجمات المتكررة التي يقوم بها من وصفهم بـ “المرتزقة” في الجنوب، مشددا على أن أي اعتداء على المعسكرات ومقرات الجيش هو اعتداء على السيادة الوطنية وتهديد لأمن البلاد بكاملها.
وأشاد المجلس الرئاسى في بيان صحفي له بنجاح وحدات الجيش في صد الهجمات على مقراتها في سبها، مؤكدًا أنه يتابع الموقف عن قرب وأن إجراءات اتخذت لدعم هذه الوحدات والرد على الهجمات المتكررة التي يقوم بها مجموعة من المرتزقة. ومن شأن هذه المعارك في الجنوب أن تزيد، حسب متابعين للشأن العام في البلاد، من حدّة الأزمة التي تعاني منها ليبيا منذ سنوات عدّة، وأن تطيل أمدها.