عشية الانتخابات الإيطالية، يخشى عدد كبير من الإيطاليين ومعهم جيرانهم الأوروبيين من تنامي التطلعات الشعبوية في إيطاليا، وأن تقود هذه الانتخابات الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى دواليب السلطة، خاصة مع تنامي ظهور الأحزاب الشعبوية والبيانات العنصرية التي تدعوا إلى الكراهية والتخويف من القيم الأوروبية.
ومنذ بدأ الحملة الانتخابية، برزت أحزاب اليمين واليمين المتطرّف في الساحة الإيطالية بخطاباتها التي تدعو إلى القومية وإلى معاداة المهاجرين والدعوة إلى طردهم من البلاد، خاصة مع ارتفاع عددهم في السنوات الأخيرة ووصول أكثر من 600 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية، وكأبرز أحزاب اليمين واليمين المتطرّف نجد.
حركة “خمس نجوم”
أسس هذه الحركة في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2009 الممثل الكوميدي بيبي غريلّو كحركة مدنية تتفاعل وتتواصل حصراً على الإنترنت، بمساعدة رجل الأعمال الحركي الراحل جيانروبرتو كازاليجو (توفي عام 2016).
وظهرت الحركة في سياق بزوغ نجم العديد من الحركات المتمردة على الوضع السياسي العام، والرافضة للسياسات المحلية، والتي تعادي أيضا الطبقة السياسية التقليدية، ولا تتردد في وصفها بـ”الفاسدة”.
تصر حركة “خمس نجوم” على تقديم نفسها كحركة مناهضة للنخب السياسية التقليدية
أطلقت الحركة وصف “خمس نجوم” عليها لاهتمامها الأساسي بخمسة محاور تهم بالأساس الحياة البيئية للمواطن، جعلتها أكثر قربا من المشاكل اليومية للإيطاليين، ما أكسبها شعبية كبيرة، كانت نتائجها واضحة في الانتخابات البلدية الماضية سنة 2016 باكتساحها لصناديق الاقتراع.
في بداية تأسيسها كان الكوميدي بيبي جريللو يدعو لعقد استفتاء على بقاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن القائد الجديد للحزب لويجي دي مايو البالغ من العمر 31 عامًا تراجع عن تلك الخطوة، وسعى القائد الأقل تحفظًا من جريللو إلى التقرب من الكنيسة.
تظاهرة لحركة “خمس نجوم”
يدعو دي مايو لشن حملة على الفساد والبيروقراطية، وتخفيض الضرائب على الشركات، وتحديد 780 يورو شهريًا حدا أدنى للدخل للإيطاليين، وخفض تكلفة الإدارة السياسية بإلغاء مجلس الشيوخ وخفض عدد مقاعد مجلس النواب ورواتب البرلمانيين وإلغاء رواتبهم التقاعدية مدى الحياة.
ترفض حركة “خمس نجوم” أن تصنف كحزب سياسي، وتصر على تقديم نفسها كحركة مناهضة للنخب السياسية التقليدية، وتطرح نفسها بديلا “نظيفا” لها، مستثمرة في ذلك حالة من الغضب الشعبي على الممارسة السياسية التي راكمت لأصحابها الامتيازات و”التحالف” مع القوى المالية وأصحاب النفوذ، وحامت حولها شبهات الفساد.
حزب “عصبة الشمال” الإيطالي المتطرف
ثاني هذه الأحزاب اليمينية المتطرّفة، هو “عصبة الشمال” الذي يبدو أنه تخلّى عن مطالبه الانفصالية المألوفة خلال السنوات الماضية واستعاضت عنها بخطاب فاشي يدافع عن “العرق الأبيض” ضد المهاجرين والأفارقة والمسلمين ويدعو إلى هدم المساجد المبنيّة في إيطاليا.
أسست هذا الحزب الذي كان اسمه الأصلي “عصبة استقلال بادانيا”، عام 1991 كاتحاد لمجموعة من الأحزاب الإقليمية في شمال إيطاليا ووسطها حيث توجد المحافظات الغنية التي تشكو سوء إدارة محافظات الجنوب، وفسادها وقلة إنتاجيتها.
دعا “عصبة الشمال” إلى مواجهة “أسلمة إيطاليا” وإغلاق نحو 800 مسجد
يتزعّم هذا الحزب، ماتيو سالفيني الذي يسعى للتحالف مع الأحزاب المعارضة للهجرة، والمعروف بنزعته العنصرية وكرهه للإسلام. وهذا الحزب مع إجراء استفتاء حول اليورو والبقاء في الاتحاد الأوروبي، علما بأن الدستور الإيطالي يمنع إجراء مثل هذا الاستفتاء. أيضاً تدعو لطرد المهاجرين غير الشرعيين وترفض منح الجنسية لأبناء غير المولودين في إيطاليا.
وفي وقت سابق قال الأمين العام لحزب رابطة الشمال، ماتيو سالفيني إنه سيكون رئيسا للحكومة القادمة، إذا تقدم حزبه في الانتخابات البرلمانية في عدد الأصوات على حزب حليفه، في ائتلاف يمين-الوسط، سيلفيو برلسكوني. ودعا إلى مواجهة “أسلمة إيطاليا” وإغلاق نحو 800 مسجد، محذرًا من نموذج المحاكم الشرعية التي صارت بديلا للقانون المدني في المملكة المتحدة. وفي بداية حملته الانتخابية قال زعيم حزب رابطة الشمال الإيطالي اليميني المتطرف، إن الاسلام لا ينسجم مع القيم الإيطالية والحريات.
حزب إيطاليا إلى الأمام
يقوده رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برليسكوني، ويدعو إلى إبعاد 600 ألف مهاجر من البلاد، ووضع سياسة حدودية صارمة، حيث وصف المهاجرين بـ”القنبلة الاجتماعية”، ويؤيد وجود عملة موازية للاستخدام المحلي بجانب اليورو، كما يدعم تطبيق نظام الضريبة الثابتة.
وقال برلسكوني، الذي حكم إيطاليا ثلاث مرات منذ بداية الألفية الثالثة ولأول مرة في أواسط تسعينيات القرن الماضي، في لقاء تلفزيوني “إذا توليت رئاسة الحكومة فسوف أمنح حقيبة وزارة الداخلية إلى سالفيني”، وفي ذلك تأكيد على نيته التحالف مع حزب “عصبة الشمال”.
سيلفيو برلوسكوني
أسس هذا الحزب عام 2012 مستعيدا الاسم الأول للحزب الذي أسسه سيلفيو برلوسكوني عند نزوله المعترك السياسي عام 1994، وبعد التفكك الذي أصابه عام 2011 عندما اضطر مؤسسه للاستقالة من رئاسة الحكومة. ولا يمكن لبرلسكوني تولى منصب رئيس الحكومة مجدداً بسبب إدانته السابقة بالمحاكم، ولكنه مازال قادرا على التأثير على الوضع السياسي في البلاد.
تجاوز الخلافات
قبل ثلاثة أيام، عقد تحالف اليمين واليمين المتطرف الإيطالي، اجتماعه الموحد الأول والأخير، سعيا لتجاوز خلافاته الداخلية الكثيرة. ويسعى كل من حزب إيطاليا إلى الأمام والرابطة اللذان يتصدران التحالف بحسب استطلاعات الرأي، لتجاوز الآخر في نتائج الانتخابات ليتمكن من الفوز برئاسة الحكومة. وتشير آخر استطلاعات للرأي إلى فوز الائتلاف بين اليمين واليمين المتطرف بـ37 إلى 38 % من نوايا الأصوات، من بينها 17 إلى 18 % لبرلسكوني وحده.
ورغم الاختلاف بين هذه الأحزاب الثلاثة في مسألة اليورو أو الضرائب أو المشروع الأوروبي، فإنها تسعى إلى تصدّر المشهد السياسي في إيطاليا، ويعتبر برلسكوني الأكثر اعتدالا وتأييدا لأوروبا، فيما تعتبر سياسة سالفينى الأكثر ميلا إلى اليمين ومعارضة لبروكسل. وتؤيد الأحزاب الثلاثة فرض ضريبة ثابتة على العائدات، ووقف حركة وصول المهاجرين وإبعاد مئات آلاف المهاجرين غير الشرعيين وإصلاح نظام التقاعد.
يشعر الناخبون الإيطاليين بالإحباط والغضب ويطلبون نوعاً من التغيير
ومن أجل السيطرة على مجلس الشيوخ المكون من 340 مقعدا على الحزب أو الائتلاف أن يحصل على 50 %، من التصويت الأكثري ومثله من التصويت النسبي. ويمتلك المجلسان نفس النفوذ السياسي والسلطة لتبنى وتعديل القوانين، الا انهما سيكونان منتخبان بطريقة مختلفة. وليتمكن أي حزب من الوصول الى مجلس النواب عليه أن يفوز بنسبة 3 % على الأقل من التصويت الوطني، أما الائتلاف فيجب أن يحصل على نسبة 10 % منه، بالإضافة إلى حصول كل حزب داخل الائتلاف على نسبة 3 % على الأقل.
ويشعر الناخبون الإيطاليين بالإحباط والغضب ويطلبون نوعاً من التغيير، وتكمن المشكلة في أن الخيارات السياسية والانسحاب من منطقة اليورو والعودة إلى الانفاق الواسع لن تحل مشاكل البلاد وقد يتسبب ذلك في خلق أزمة أخرى لإيطاليا وأوروبا التي تسعى إلى الخروج من جولة جديدة من مشاكل الديون السيادية.