فرنسا: اليمين المتطرف في الصدارة وعواقب وخيمة بانتظار المسلمين

ترجمة وتحرير نون بوست

بعد انتصاره الكبير في الانتخابات الأوروبية، يبدو أن التجمع الوطني يستعد لتكرار الإنجاز في الانتخابات التشريعية في البلاد.

قد تشهد الانتخابات التشريعية المقبلة في فرنسا قيادة حزب يميني متطرف للبلاد للمرة الأولى، ويعد هذا التصويت مهم بقدر ما هو غير مؤكد، وتشوبه العنصرية والاستغلال الخطير لمعاداة السامية.

كيف وصلنا إلى هنا؟ يطرح الملايين من الفرنسيين هذا السؤال منذ أن حصل التجمع الوطني اليميني المتطرف على 31 بالمائة من الأصوات الشعبية في الانتخابات الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر، متقدمًا بفارق كبير على القوائم المنافسة في البلاد، بما في ذلك حزب الرئيس نفسه.

وسرعان ما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكرة من المقرر إجراؤها في الفترة ما بين 30 حزيران/ يونيو و7 تموز/ يوليو – والتجمع الوطني هو المرشح الأوفر حظًا. وللمرة الأولى في ظل الجمهورية الخامسة؛ يمكن لليمين المتطرف أن يحكم البلاد.

ولكن هل هذه مفاجأة حقًا؟

ومنذ تلك الأمسية الشهيرة في نيسان/ أبريل 2002، عندما وصل جان ماري لوبان – مؤسس التجمع الوطني – إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى، اكتسب اليمين المتطرف الذي كان هامشيًا في السابق أرضيةً جديدة. واليوم؛ أصبح التجمع الوطني حزبًا مثل أي حزب آخر.

لقد أصبحت أفكار اليمين المتطرف راسخة بشكل دائم في النقاش العام، وأصبح من المعتاد الآن الحديث عن “أزمة هجرة” أو “التفضيل الوطني”، كما أن الأسئلة التي كانت تسبب فضيحة في السابق أصبحت شائعة الآن: “هل تؤيد ارتداء الحجاب في الأماكن العامة؟ هل تعتقد أن هناك الكثير من المهاجرين في البلاد؟

لقد مضى أكثر من نصف قرن منذ أن وضع التجمع الوطني، المعروف سابقًا باسم الجبهة الوطنية، “الأفضلية الوطنية” (المعروفة أيضًا باسم “الأولوية الوطنية”) في قلب برنامجه. وقد جاء بأحد الملصقات في حقبة السبعينيات: “مليون عاطل عن العمل هو مليون مهاجر أكثر من اللازم! فرنسا والفرنسيون أولًا”.

الإسلاموفوبيا وسياسات الهوية

منذ إنشائه في سنة 1972، افتخر التجمع الوطني بكونه “المدافع الوحيد عن الفرنسيين”، متهمًا خصومه بالانتماء إلى النخبة “العولمية” وبتشجيع الهجرة الجماعية والإفقار وانعدام الأمن.

وقد شقت أفكار الحزب الرئيسية طريقها بشكل متزايد إلى التيار السائد، لا سيما منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 2002، عندما ركز جاك شيراك، الذي فاز في نهاية المطاف بأغلبية كبيرة، حملته على “انعدام الأمن”.

وفي السياق العالمي منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر؛ أصبحت الإسلاموفوبيا أداة حكومية وانتخابية قوية. وأصبحت سياسات الهوية الآن سمة أساسية في دورة الأخبار على مدار 24 ساعة، مع تضخيم هذا الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد جعل تعرض الناخبين المستمر للمواضيع العنصرية، مثل بناء “مشكلة المهاجرين”، من اليمين المتطرف قوة لا يستهان بها في السياسة الفرنسية، لكن العنصرية سبقت إنشاء التجمع الوطني، وما تغير في السنوات الأخيرة هو تسييسها وصياغتها ضمن رؤية محددة للعالم.

وقد أشار عالم الاجتماع فيليسيان فوري إلى أهمية الدوافع العنصرية في التصويت لليمين المتطرف، لكنها عنصرية متعددة الأوجه مرتبطة بمشاكل اجتماعية مختلفة، لا يمكن اختزالها في مسائل البطالة والأزمة الاقتصادية وتراجع التصنيع.

والواقع أن ناخبي التجمع الوطني يستجيبون لـ “شغف عدم المساواة“، والذي يجد فيه الأغنياء والفقراء على حد سواء “عددًا كبيرًا من الأذلاء الذين يجب أن يحافظوا بأي ثمن على تفوقهم عليهم”، كما وصف الفيلسوف الفرنسي جاك رانسيير، ويستفيد التجمع الوطني من ثقافة الكراهية في صميم المنطق النيوليبرالي اللا مساواة.

الدفاع عن “القيم”

شهدت الحركات الاحتجاجية المناهضة للاستعمار في الستينيات ظهور مواضيع جديدة في أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى مشاركة مجموعات كانت مستبعدة سابقًا من المجال السياسي. وقد نظّر المثقفون المحافظون لـ”أزمة الحكم” التي تحمل تهديدًا وجوديًا لبقاء النموذج الرأسمالي ذاته، ومن ثم طوّروا حركة مضادة ناجحة لحماية الرأسمالية واستعادة سلطة الدولة التي كانوا يعتقدون أنها مهددة.

وتتحقق الرغبة في تجسيد دولة قوية، على وجه الخصوص، من خلال الدفاع عن “القيم”، مما يجعل من الممكن تجنب مسألة التوجهات الاقتصادية الكبرى. وفي هذا الإطار؛ تحتل العنصرية موقعًا مركزيًا في النقاش، مما يضع في قلب اللعبة السياسية يمينًا متطرفًا ملتزمًا بالعقائد النيوليبرالية.

“الأفضلية الوطنية”، والتشريعات الكبرى ضد “الإسلاموية”، وإقصاء مزدوجي الجنسية من بعض المناصب، والقمع المتزايد للاحتجاجات السياسية؛ تلك هي النوايا التي لم يخفها التجمع الوطني في حال فوزه في انتخابات 7 تموز/ يوليو؛ حيث يستفيد الحزب من السياسات العنصرية والأمنية للحكومات السابقة، والتي يمكن أن ينبثق منها نظام تمييزي وقمعي جديد. فمن حظر التجمعات، إلى مطاردة “اللافتات الدينية” الإسلامية؛ فإن الأدوات موجودة وجاهزة للاستخدام.

وهذا أمر مقلق لجميع المدافعين عن الحقوق والحريات في فرنسا، لكن الدعوات المذعورة لمقاطعة التشكيل اليميني المتطرف غير فعالة، ولا تؤدي إلا إلى تضخيم صفوف الممتنعين عن التصويت، وهو ما يضر في المقام الأول بالقوى اليسارية.

وفي الوقت الذي يتباهى فيه التجمع الوطني بنواياه العنصرية بفخر؛ تم تحويل بعض الخطاب المناهض للعنصرية إلى تشويه لسمعة حزب “فرنسا الأبية” اليساري من خلال اتهامه بنشر معاداة السامية في خضم دعمه للقضية الفلسطينية. وبالتالي؛ يتم استغلال معاداة السامية بطريقة واضحة بحيث يصبح أي نقاش جاد حول هذا الموضوع – وحول العنصرية بشكل عام – مستحيلًا.

هذا السرد للعنصريات المتنافسة عشية تصويت حاسم لا يخدم سوى التقليل من مخاطر وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، وهذه خطوة أخرى نحو التطبيع الكامل للتجمع الوطني، وربما تكون خطوة أخرى كبيرة جدًا.

المصدر: ميدل إيست آي