يبدأ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أولى زياراته الرسمية للقاهرة منذ تنصيبه وليًا للعهد، غدًا الأحد الرابع من مارس/آذار، في مستهل جولته الخارجية التي من المقرر أن يستكملها بزيارة لندن، ثم يختتمها بالولايات المتحدة في التاسع عشر من الشهر الجاري وحتى الأسبوع الأول من أبريل/نيسان المقبل.
اختيار القاهرة كمحطة أولية لولي العهد السعودي قبل زيارته لأمريكا التي ستستمر – وفق ما تم الإعلان عنه – قرابة الأسبوعين، أثار الكثير من التساؤلات حول جدول الأعمال المقرر للاجتماعات المفترض عقدها بين ابن سلمان والسلطات المصرية، والتي بلا شك ستكون كل من القاهرة وواشنطن والرياض طرفا أصيلا فيما يدرج عليه.
حزمة من الملفات من المرجح أن تتضمنها حقيبة الموفد السعودي خلال لقاءه والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، غير أن 3 مسائل رئيسية يفترض أن تتصدر جدول هذا اللقاء، كونها تتعلق بصورة أو بأخرى بإحداث عدد من التغييرات في الخارطة السياسية للمنطقة، على رأسها ملف جزيرتي تيران وصنافير والأزمة الخليجية، إضافة إلى ملف “صفقة القرن” الذي تقود الدول الثلاث (أمريكا – السعودية – مصر) مخطط تنفيذه.
ملف تيران وصنافير.. هل يُحسم؟
تتزامن زيارة ابن سلمان مع حكم من المقرر أن تصدره اليوم المحكمة الدستورية (أعلى جهة قضائية مصرية) بشأن الأحكام القضائية السابقة التي صدرت بشأن مصرية جزيرتي تيران وصنافير التي تنازلت عنهما مصر إلى السعودية بموجب اتفاقية لترسيم الحدود البحرين بين البلدين وقعت في الثامن من إبريل/نيسان 2016.
تلك الاتفاقية التي أثارت الكثير من الجدل بين مختلف أطياف المشهد السياسي المصري، انسحب بدوره إلى ساحات القضاء، حيث صدرت حزمة من الأحكام القضائية من جهات مختلفة، بعضها يقر بمصرية الجزيرتين وأخرى سعوديتها، ما دفع الرئيس المصري إلى استصدار قرار من رئيس المحكمة الدستورية لةوقف تنفيذها جميعا بصفة مؤقتة الصيف الماضي، لحين البت فيها بصورة نهائية، وفق الدعوى التي من المقرر أن ينطق اليوم بالحكم فيها.
المباحثات بين السيسي وولي العهد السعودي ستتطرق وفق ما تم ترجحه المصادر المقربة من دوائر صنع القرار هنا وهناك، إلى الحديث عن مرحلة ما بعد غلق ملف الجزيرتين وتسليمهما بصورة رسمية للجانب السعودي
بحث ملف الأزمة الخليجية بصيغته الأمريكية ربما يعزز من الخلاف المتواصل بين السعودية والإمارات، خاصة وأن الأخيرة سبق وأن تسببت في إعاقة بعض الأفكار التي طرحتها الكويت في أغسطس/ آب الماضي قبل تدخل واشنطن رسمياً
المصادر القضائية ترجح أن تصدر المحكمة الدستورية حكما بعدم قبول الدعوى أو إلغاء الأحكام السابقة، سواء القاضية بمصريتها أو عدم مصريتها، غير أنه وفي الحالتين سيستمر الوضع على ما هو عليه، في الوقت الذي ربط فيه آخرون بين هذه القضية المنظورة وزيارة ولي العهد السعودي.
زيارة ابن سلمان يراها البعض ستكون الحاسم لهذا الملف وإسدال ستاره بصورة شبه نهائية، خاصة وأن هناك الكثير من الشواهد التي تقود لذلك أبرزها ما تضمنه التقرير البحثي، الذي أودعته هيئة المفوضين في القضية، منذ عدة أشهر، والذي أكد أنه لم يعد من الملائم “المجادلة” في صحة أو خطأ الأحكام التي صدرت بشأن الاتفاقية قبل أن يتم إقرارها بصورة نهائية ونشرها في الجريدة الرسمية، في صورة قرار جمهوري له قوة القانون ومخاطبة المجتمع الدولي بها.
المباحثات بين السيسي وولي العهد السعودي ستتطرق وفق ما تم ترجحه المصادر المقربة من دوائر صنع القرار هنا وهناك، إلى الحديث عن مرحلة ما بعد غلق ملف الجزيرتين وتسليمهما بصورة رسمية للجانب السعودي، ومن ثم مناقشة تنفيذ المشاريع التنموية، التي تعهدت السعودية بتنفيذها بالتزامن مع تنازل مصر عن تيران وصنافير، وأبرزها مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين السعودية ومنطقة نبق في سيناء.
جدل كبير أثارته اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
تحريك المياه الراكدة في ملف صفقة القرن
الملف الثاني المقرر طرحه على جدول أعمال الزيارة، فيرتبط بصورة كبيرة بالملف الأول، ويتعلق بمحاولة تحريك المياه الراكدة في صفقة القرن، تلك الصفقة التي وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لبنتها الأولى، خلال زيارته التاريخية للرياض مايو/آيار العام الماضي، برعاية مصرية سعودية.
العام الماضي كانت كل من القاهرة والرياض قد حددتا إجراءات تقاسم المهام الأمنية بينهما في خليج العقبة، مع الأخذ في الاعتبار مساعي إدخال الجانب السعودي طرفا في المسار الأمني بين كل من مصر وإسرائيل والأردن خاصة وأن إتمام تسليم الجزيرتين سيجعل من المملكة الضلع الثالث في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
تتزامن زيارة ابن سلمان مع حكم من المقرر أن تصدره اليوم المحكمة الدستورية (أعلى جهة قضائية مصرية) بشأن الأحكام القضائية السابقة التي صدرت بشأن مصرية جزيرتي تيران وصنافير
مصادر دبلوماسية تشير إلى تصدر ملف صفقة القرن مباحثات ولي العهد والرئيس المصري، خاصة وأنها تتزامن مع العملية الشاملة “سيناء 2018” التي تشنها القوات المسلحة المصرية ضد الجماعات المسلحة في سيناء، والتي لاقت ترحيبًا واسعًا من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية على رأسها الولايات المتحدة.
يذكر أن السعودية قد تعهدت قبل ذلك بمنح الجانب المصري مساعدات مالية في إطار خطة مستقبلية تستهدف تطوير سيناء منها 300 مليون دولار كدفعة ثانية من الاتفاق المبرم بين الحكومتين في إبريل/ نيسان 2016 لرفع كفاءة القرى والتجمعات الحضرية بسيناء، هذا بخلاف مشروع تطوير منطقة جبل الجلالة، والذي تراجعت وتيرة العمل فيه، بصورة ملحوظة العام الماضي، لمصلحة الاهتمام المتصاعد بإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
مساعي مصرية سعودية أمريكية لتمرير صفقة القرن
جمود الأزمة الخليجية.. هل يُكسر؟
من المقرر أن تفرض الأزمة الخليجية التي انطلقت شرارتها الأولى في الخامس من يونيو/حزيران العام الماضي إثر قطع دول (السعودية – البحرين – الإمارات – مصر) علاقتها الدبلوماسية مع الدوحة بصورة مفاجئة، نفسها على مباحثات السيسي – ابن سلمان خلال زيارة الأخير للقاهرة غدًا.
الأزمة التي شهدت منذ بدايتها موجات من التقارب والتباعد في ظل تعدد الوساطات (كويتية – تركية – أمريكية) يبدوا أنها ستكون على جدول أعمال اللقاء المرتقب الذي من المقرر أن يجمع بين ولي العهد والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال زيارة الموفد السعودي لواشنطن نهاية الشهر الجاري، هذا مع الأخذ في الاعتبار الدعوة التي تلقاها أمير قطر من نظيره الأمريكي لزيارة بلاده مؤخرًا والتي من المرجح أن تتناول آخر المستجدات في الأزمة وسبل حلحلتها.
القاهرة والرياض قد حددتا إجراءات تقاسم المهام الأمنية بينهما في خليج العقبة، مع الأخذ في الاعتبار مساعي إدخال الجانب السعودي طرفا في المسار الأمني بين كل من مصر وإسرائيل والأردن
ملف التقارب بين دول الحصار وقطر بات من أكثر الملفات الآنية طرحا على موائد النقاش بين واشنطن وأطراف الأزمة، خاصة بعد توجيه ترامب الدعوة لكل من الرياض وأبو ظبي والدوحة لبحث هذه القضية كونها تتعلق بـ”أمن الخليج واستقراره”.
بحث هذا الملف بصيغته الأمريكية ربما يعزز من الخلاف المتواصل بين السعودية والإمارات، خاصة وأن الأخيرة سبق وأن تسببت في إعاقة بعض الأفكار التي طرحتها الكويت في أغسطس/ آب الماضي قبل تدخل واشنطن رسمياً، ومنها عقد اجتماعات مباشرة بين ممثلي دول الحصار وقطر، بالإضافة إلى وقف الهجوم الإعلامي على الدوحة والعكس، وكذلك العودة إلى المبادئ الستة التي وُضعت آلية تنفيذها خليجياً في العام 2014.
ومن ثم ستتضمن مباحثات القاهرة آخر ما تم التوصل إليه بشأن الأزمة ومستقبل حلها، في ظل تمسك طرفي الأزمة بموقفهما -حتى وإن أبدت الدوحة مرونة بشروط، في محاولة للتوصل إلى موقف جماعي موحد يتم نقله فيما بعد إلى جدول مباحثات ترامب – ابن سلمان، والتي ستحدد بصورة أو بأخرى مستقبل التعاطي مع هذه الملفات الثلاث مستقبلا.