خريطة القوى العسكرية المؤثرة في معادلة الحرب بالسودان

في ظل خفوت الصوت المدني، وتمسك طرفي الحرب في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع) بخيار الحسم العسكري، تبرز تساؤلات عن قدرة الطرفين على إنزال هذا الشعار على أرض الواقع، وتساؤلات لا تقل أهمية عن أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية الداعمة لها، ونقاط قوتها الرئيسية وحجم عتادها العسكري وتحركاتها الميدانية، إضافة إلى القوى الحليفة لتوجهاتها، وأين تصوب بنادقها.

الجيش السوداني وحلفاؤه

تخلقت نواة الجيش الأولى في العام 1925، بعد تعيين المستعمر الإنجليزي لفرقة من الجنود السودانيين تحت اسم “قوة دفاع السودان”، وعقب استقلال البلاد في فاتحة العام 1956 تكوّن الجيش الوطني المعروف بفرقه المتعددة.

ومنذ الاستقلال، سيطر الجيش على الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية، المدعومة في كثير من الأحيان بواسطة قوى مدنية: إبراهيم عبود (1958-1964)، جعفر النميري (1969-1985)، عمر البشير (1989-2019)، عبد الفتاح البرهان 2021 وحتى تاريخه.

قوة دفاع السودان.

يمكن وصف الجيش السوداني بأنه الطرف الأهم في سياق الحرب الجارية منذ 14 أبريل/نيسان 2023، حيث يترأس قيادته الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مع توليه مسؤولية إدارة الحكم في البلاد، وتحديدًا منذ إطاحته بالحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ولم تكن الحرب الحاليّة ضد مليشيا الدعم السريع، الأولى للجيش السوداني، فالحرب الأهلية في جنوب السودان (دولة جنوب السودان) بدأت عام 1955، وهي حرب لم تسكت بنادقها إلا في فترات محدودة بين الأعوام 1972-1983، وبعد توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 التي منحت الجنوبيين حق تقرير المصير، وهو ما حدث بالفعل في 2011.

وغربًا، خاض الجيش حروبًا في إقليم دارفور ما أدى إلى ملاحقة قائده المعزول عمر البشير بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الفترة من 2003 وحتى 2008.

ورغم الفترات المتطاولة في الانفراد بالحكم، والاستئثار بغالبية الموازنة العامة للبلاد؛ تعرض الجيش لهزات قوية عقب اندلاع المعارك مع الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، إذ فقد سيطرته على كثير من الأقاليم السودانية وعلى رأسها العاصمة الخرطوم، والجزيرة، وإقليميِّ دارفور وكردفان، مع تسجيل خسائر جديدة في ولايتي سنار وأجزاء من النيل الأبيض، ما يعني أنه يبسط سيطرته بشكل كامل على أقاليم نهر النيل، والشمالية، والشرق، والنيل الأزرق.

ويحتل الجيش السوداني، طبقًا لموقع “غلوبال فاير باور”، نشرة العام 2023، المرتبة 75 ضمن أقوى جيوش العالم، وقدّر الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية، أفراد الجيش بنحو 150 ألف جندي، من ضمنهم 50 ألف كقوات احتياط.

ومن ناحية العتاد العسكري، يمتلك الجيش 191 طائرة حربية من بينها 45 مقاتلة و37 مخصصة للهجوم، مع 72 مروحية 43 منها هجومية هذا بخلاف طائرات الشحن، كما يمتلك الجيش – بحسب الموقع – 170 دبابة، وما يقارب 7 آلاف مركبة عسكرية مدرعة، بجانب ما يقارب 300 مدفع مقطور، و40 راجمة، وفيلق حربي على البحر الأحمر قوامه 18 وحدة.

تكمن قوة الجيش بهذه الحرب، في السند الشعبي الذي يحظى به وسط الأهالي، وظهر ذلك في حالات النزوح الكبيرة نحو مناطق سيطرته هروبًا من الانتهاكات التي تمارسها المليشيا في المناطق الواقعة ضمن سلطاتها، هذا بجانب قناعة كثير من المكونات السكانية، لا سيما في الوسط والشمال وبعض من مناطق غرب البلاد، بأن الحرب الحالية هي حرب وجودية، تستهدف الدعم السريع عن طريق استئصالهم لصالح “عرب الشتات”، وهو مصطلح يطلق على المجموعات العربية الرعوية الجائلة بين السودان وعمقه من ناحية الغرب بالذات في دول تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى والنيجر.

أما نقاط الضعف الرئيسة في الجيش، فتتمثل من وقائع الحال، في عجزه عن حماية الأهالي في كثير من الأقاليم من انتهاكات الدعم السريع، علاوة على عدم تحقيقه حتى ساعة كتابة التقرير لانتصاراتٍ كبرى تعادل استيلاء الدعم السريع على مدن وأقاليم كبيرة، إذ ظلَّ في كثير من الأحيان محشورًا في خانة الدفاع.

ومن نقاط الضعف الرئيسة أيضًا في صفوف الجيش بمرحلة الحرب، تلك الخاصة بطبيعته، ونعنى هنا ضعف سلاح المشاة مقارنة بالتفوق البادئ في سلاحي المدفعية والطيران.

وأدى إسناد الجيش لمعظم مهام المشاة لقوات الدعم السريع باعتبارها قوات تدخل سريعة الحركة تعمل تحت إمرة الجيش، قبيل تاريخ 15 أبريل/نيسان (استعادة منطقة الفشقة المتنازع عليها مع الجارة إثيوبيا نموذجًا)، إلى كثير من الضربات التي ما زال يتلقاها جنوده في المعارك الجارية، ومع انطلاق الرصاصة الأولى، تمكنت عناصر المليشيا بحكم تعدادهم وتدريبهم على خوض حروب المدن.

يضاف إلى ذلك، مسؤوليتهم عن تأمين كثير من المواقع الاستراتيجية، في السيطرة على مواقع رئيسة من ضمنها القصر الرئاسي ومطار الخرطوم الدولي، مع فرض حصار على مباني القيادة العامة للجيش السوداني الذي خسر كثيرًا من قوته جراء عجزه عن استخدام القوة المميتة (الطيران والمدفعية) في كثير من الأحيان، جراء اندلاع المعارك وسط المدن والأقاليم المأهولة بالسكان.

وفي سياق القوات المتحالفة مع الجيش تبرز كل من:

القوات المشتركة

قوة قوامها حركات مسلحة موقعة على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة الانتقالية المعزولة بقيادة المدنيين في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بهدف إنجاح مرحلة الانتقال بضم القوى العسكرية التي خاضت حروبًا ضد نظام المعزول البشير، في مقابل إعادة اقتسام الثروة والسلطة.

تكونت القوات المشتركة (الجيش، الدعم السريع، قوى سلام جوبا) على يد حكومة المدنيين المعزولة في 2021 بهدف حماية المدنيين من ظاهرة الاقتتال القبلي والتفلتات الأمنية التي تنامت بصورة ملحوظة عقب إنهاء مجلس الأمن الدولي لمهام البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في إقليم دارفور (يوناميد)، في ديسمبر/كانون الأول 2020.

وبعد اندلاع حرب أبريل/نيسان، اختارت قوى جوبا الحياد بادئ الأمر، ثم أعلن كل من حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان، منيّ أركو مناوي، ووزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم تخليهما عن الحياد والانحياز لجانب الجيش، احتجاجًا على “جرائم واستفزازات الدعم السريع، ومحاولاتها تقييد حركة القوات، بجانب قطع الطريق أمام وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الصراع في دارفور”.

بينما حافظ كل من عضوي مجلس السيادة المعزولين، ورئيسي حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وحركة تجمع تحرير السودان، الهادي إدريس والطاهر حجر (على التوالي)، على حيادهما، وانضما إلى تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) المطالبة بوقف الحرب.

وبحسب الخطة الموضوعة قبيل الحرب، شارك 1500 عنصر من الحركات في القوة المشتركة مع أمثالهم من الدعم السريع، في مقابل 300 عنصر من الجيش. وبرزت القوة المشتركة أخيرًا، في سياق صدها المتواصل لهجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر التي تحتضن آخر حامية عسكرية للجيش في إقليم دارفور.

وتسود مخاوف موضوعية، من إمكانية إعلان الدعم السريع لحكومة موازية لحكومة بورتسودان، أسوةً بالنموذج الليبي، في حال سقوط الفاشر وتمكنها من بسط كامل نفوذها على إقليم دارفور.

وتمكنت القوات المشتركة التي تقاتل بمعية جنود حامية الفاشر، وبمساندة أهلية من عناصر القبائل ذات الجذور الإفريقية التي تعرض أفرادها لانتهاكات ترقى لجرائم الحرب طبقًا لمنظمات أممية، في تسجيل انتصارات كبيرة، توجت بمقتل قائد الدعم السريع في قطاع وسط دارفور، الجنرال علي يعقوب.

كتيبة البراء بن مالك

هي كتيبة عسكرية، قوامها شباب منتمي لتنظيم الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني (المحلولين) بعد الثورة الشعبية ضد البشير في أبريل/نيسان 2019، ولا يوجد تقدير دقيق لحجم أفراد الكتيبة المنخرطة في القتال، وإن كانت إحصائيات غير رسمية تقدر أفرادها بنحو 1500 عنصر بقيادة الشاب المصباح أبو زيد الذي سبق وتعرض لمحاولة اغتيال بمسيرة انتحارية إبان إفطار رمضاني في إحدى قاعات مدينة عطبرة، حاضرة ولاية نهر النيل.

تلقى معظم أفراد الكتيبة تدريبات على القتال إبان عهد المعزول البشير ضمن صفوف القوات المساندة للجيش، نحو الدفاع الشعبي، الموصوف من المعارضين بأنه قوات خاصة لتمكين الإسلاميين من مفاصل السلطة، وللبطش بالمعارضة.

وتقول الكتيبة إنها تأتمر بإمرة الجيش، وإن عناصرها تلقوا تدريباتهم على يد ضباط الكلية الحربية السودانية، وتبرر انخراطها في القتال من باب “الحرص على الوطن وحماية الأهالي من انتهاكات وجرائم الدعم السريع”.

تكمن قوة الكتيبة في أن معظم أفرادها من الأجيال التي تلقت تعليمًا رفيع المستوى، ويظهر ذلك في وجودهم ضمن الطواقم التي تدير المسيرات الحربية، طبقًا لأحد قادتها البارزين الذين سبق وتحدث إليهم “نون بوست”.

وتتركز الانتقادات المصوبة إلى الكتيبة في أنها تتحرك بمعزل عن الجيش، وأُلصقت بها تهم ممارسات إرهابية مثل قطع رؤوس عناصر يتبعون للدعم السريع. أما أبرز الانتقادات للكتيبة، فالخاصة بسعيها للقفز إلى كرسي السلطة بعد إضعاف طرفيّ الصراع بإطالة أمد الحرب ورفض الحلول السلمية كافة.

وأقر رجل الجيش القوي، الجنرال ياسر العطا، في وقت سابق، بمشاركة الإسلاميين في الحرب، لكنه أكد حصوله على تعهدات منهم بالزهد التام في السلطة، والعمل على تفكيك الكتيبة بعد انجلاء غبار المعركة.

المقاومة الشعبية

تخلقت المقاومة الشعبية المسلحة في السودان، عقب إعلان قائد الجيش، حالة التعبئة العامة في نهايات يونيو/حزيران 2023، إذ دعا البرهان في خطاب عيد الأضحى العام الفائت، جميع القادرين على حمل السلاح للالتحاق بمعسكرات الجيش للدفاع عن العرض والوطن.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 استولت الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسطيّ السودان، عقب انسحاب مفاجئ للفرقة العسكرية الرئيسة (الفرقة الأولى مشاة) من حاضرة الولاية مدني، بصورة استدعت فتح تحقيقات – لم تعلن نتائجها – مع القادة العسكريين بالإقليم.

وزاد سقوط الجزيرة من تنامي المخاوف بشكلٍ كبيرٍ لدى سكان الوسط والشمال والشرق بإمكانية تخلي الجيش عنهم، وتركهم لقمة سائغة لهجمات الدعم السريع المتوقعة، ما استدعى الأهالي الضغط على الحاميات العسكرية في مناطقهم لأجل تسليحهم، تحسبًا لأي مواجهات ضد المليشيا.

وسارع الجيش إلى احتواء هذه التحركات، ووضعها تحت سيطرته، بالإشراف على تدريب وتسليح عناصر المقاومة وتحريكهم وفقًا للمخططات العسكرية، فانضم عشرات الآلاف من الشباب السوداني إلى معسكرات المقاومة، وبات من الاعتيادي رؤية السلاح في الأماكن العامة بالولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.

تجمعات هائلة مدججة بالسلاح استجابة لدعوات المقاومة الشعبية بوجه الدعم السريع.

استفاد الجيش من رفد قواته بآلاف العناصر الجديدة، ما مكنه من تغيير جزئي في استراتيجياته، من امتصاص الصدمة إلى المبادرة بالهجوم على قوات الدعم السريع.

وتنحصر المشكلات المتصلة بالمقاومة الشعبية في قلة التدريب والخبرة، وعدم الانصياع في كثير من الأحيان للتعليمات العسكرية، بجانب ازدياد المخاوف من استخدام السلاح المنتشر بكثافة في ارتكاب الجرائم وحسم الصراعات أو في التضييق على المواطنيين خاصة في نقاط التفتيش داخل مناطق سيطرة الجيش.

أما النقطة الأبرز في سياقات التعبئة والمقاومة الشعبية، فتتعلق باستخدامهما بكثرة حاليًا من الدعم السريع، لتبرير هجماتها المتواصلة على المدنيين.

الحركة الشعبية جناح عقار

بجانب صفته، نائبًا للرئيس السوداني، يضع الجنرال مالك عقار في جيبه الخلفي بطاقة تزعمه للحركة الشعبية شمال، المالكة لأحد أكثر الجيوش خبرة وتمرسًا في السودان.

كان عقار أحد أبرز المعارضين للسلطة المركزية، وأحد القادة البارزين في تنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان إبان الحرب الأهلية في الجنوب (دولة جنوب السودان الحالية).

وخلال الأعوام 2005-2011، أي بعد توقيع اتفاق السلام وانفصال جنوب السودان، شغل عقار منصب والي النيل الأزرق، ثم عاد للتمرد بعدها مع المطالبين بإسقاط البشير وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية. وبعد إزاحة البشير، كان ضمن أبرز الموقعين على اتفاقية السلام مع الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين في 2020.

تعرضت الحركة الشعبية بعد ذهاب الجنوب لعدة هزات، يأتي في مقدمتها انشقاقها عام 2017 إلى حركتين: الحركة الشعبية شمال بقيادته، والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ثم تكرر الأمر في 2022 مع نائبه ياسر عرمان جراء تباينات معه من الموقف إزاء ما جرى في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانتهى الخلاف بشكلٍ ودي ليحتفظ عقار باسم الحركة، وينشئ نائبه الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي.

لكن تلك الهزات لم تحل دون قيادة عقار لقوات شرسة قوامها آلاف المقاتلين، وظلت طوال سنين الحرب الأهلية تحتفظ بمناطق من النيل الأزرق تحت سيطرتها، مع قدرة على مناوشة الجيش.

وشرع عقار في تطبيق بروتكول خاص بالترتيبات الأمنية ضمن اتفاق جوبا، وبالفعل نجح في إدماج بعض قواته في صفوف الجيش خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وتعد نقطة القوة الرئيسة لقوات الحركة، في كونها قوات متمرسة على القتال حتى ضمن البيئات القاسية، وتنشط حاليًا في عدد من الجبهات إلى جانب الجيش سواء في الخرطوم، أو في تأمين بقية الولايات وعلى رأسها النيل الأزرق.

ونتيجة لحسم موقفه مبكرًا من الحرب، سمى البرهان، عقار نائبًا له في مجلس السيادة، محل الجنرال محمد حمدان “حميدتي” الذي تم إعفاؤه من المنصب.

الدعم السريع وحلفاؤها

يمكن وصف قوات الدعم السريع بأنها الوريث الشرعي لمليشيا الجنجويد التي ينسب إليها ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ويقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي لم يسبق له الالتحاق بالكلية الحربية السودانية، لكنه نجح في تحويل نفسه من راعٍ للإبل، ومتمرد على سلطان البشير، إلى أحد أهم الفاعلين في المشهد السوداني.

حظيت الدعم السريع بمباركة السلطة في 2013، وفي العام 2017 تم إجازتها كقوة أمنية مستقلة تعمل تحت إمرة الجيش، حيث شاركت القوات في عملية الخرطوم لمحاربة الهجرة غير الشرعية بدعم من الاتحاد الأوروبي، وشارك عناصرها بفاعلية في حرب اليمن، ومن ثم انحازت إلى الثورة التي أطاحت بالبشير.

وبعد إزاحة البشير وفشل المجلس العسكري الذي ضم البرهان وحميدتي في الانفراد بالسلطة، عقب فض اعتصام القيادة العامة الذي راح ضحيته ما يزيد على 200 مدني في يونيو/حزيران 2019، توصل العسكر والمدنيين لاتفاق شراكة لتقاسم السلطة في ذات العام، بموجبه بات البرهان وحميدتي من أبرز قادة الانتقال.

وسعت القوى المدنية خلال تلك الفترة لإدماج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة مخافة تحولها إلى قوة موازية للجيش الوطني، لكنهم جوبهوا برفض القادة العسكريين الذين ما فتئوا يحذرون من خطورة تدخل المدنيين في شؤون الجيش.

خلال تلك الفترة، تبادل الجيش والدعم السريع عبارات الغزل، وذاع عن البرهان توصيفه للدعم السريع بأنها “قوات من رحم الجيش” و”أنها جزء أصيل من الجيش وأدوار حميدتي لا ينكر إلا مكابر”، بينما دأب حميدتي على تصدير أقوال من شاكلة “الجيش والدعم السريع مثل التوأم لا ينفصلان” أو نحو خطابه لمقاتليه: “يا قوة لو أي واحد من ناس الجيش أداك كف أديه خدك الثاني”.

واستنادًا إلى هذه الآصرة، شاركت الدعم السريع في استيلاء العسكر على السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ومن ثم حاول حميدتي التنصل من المسؤولية بوصف ما جري وقتذاك بأنه انقلاب.

وبعد استمرار الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني، وفشل البرهان في تكوين حكومة لما يقارب العام ونصف العام، أفلحت القوى المؤيدة للديمقراطية في حمل العسكر على التوقيع على إطار اتفاق يمهد لنقل السلطة للمدنيين، ويعيد العسكر إلى ثكناتهم في ديسمبر/كانون الأول 2022.

ولكن تفاؤل السودانيين بإعادة الانتقال إلى مساره الصحيح، أصيب بنكسة، جراء دعم حميدتي للاتفاق الإطاري، ورفض الجيش لما يراه محاولة قوى مدنية للانفراد بالسلطة، ورفضه القاطع لمقترحات إدماج الدعم السريع داخل الجيش.

ومع شدة الاحتقان، وفشل جهود نزع فتيل الأزمة بين المكونات العسكرية، في مقابل حشد الدعم السريع لقواتها في العاصمة، وبالقرب من مطار مروي الذي كان يشهد وجودًا لقوات مصرية شاركت في مناورات مع الجيش السوداني، ابتدرت حرب بين الطرفين في الخرطوم ومروي، ثم ما لبثت أن توسعت إلى 12 ولاية من ضمن 18 ولاية سودانية.

قُدرت عناصر الدعم السريع قبيل اندلاع الحرب بـ120 ألف مقاتل، وطبقًا لموقع “غلوبال فاير باور” المتخصص في الشؤون العسكرية، نشرة 2023، فإن القوات تمتلك 10 آلاف سيارة دفع رباعي مصفحة، وعلى متنها رشاشات خفيفة ومتوسطة، وصولًا إلى مضادات الطيران. ورغمًا عن اعتراض قيادات في الجيش من تمدد الدعم السريع، سمح البرهان للمليشيا بامتلاك مدرعات خفيفة من طراز (بي. تي. آر) طبقًا لذات الموقع.

ومما زاد من قوة المليشيا، مسؤوليتها عن إدارة مناطق التنقيب عن الذهب في دارفور، لا سيما في منطقة جبل عامر شماليّ الإقليم، وقالت شبكة “سي إن إن” في تحقيق استقصائي نشر في يوليو/تموز 2022، إن روسيا مولت حربها على أوكرانيا بسرقة الذهب السوداني، بما يعادل 13.4 مليار دولار، وذلك باستخدام مرتزقة “فاغنر” الذين يملكون صلات وثيقة بقوات الدعم السريع. وكان حميدتي قد سجل زيارة لروسيا، عشية غزو الأخيرة لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وعقب اندلاع حرب السودان، قال وزير المالية، جبريل إبراهيم، إن قوات الدعم السريع سرقت 2.7 طن من الذهب، و2.7 طن من الفضة، بجانب 350 مليون دولار. ومن ناحية عسكرية، ضاعفت المليشيا قوتها بعد الحرب، بالاستيلاء على مصانع رئيسة لتزويد الجيش بالسلاح في العاصمة الخرطوم “التصنيع الحربي واليرموك” ذلك بجانب غنائم الأسلحة داخل الحاميات العسكرية التي أخضعتها بالقوة.

ومع مرور الوقت، نجحت المليشيا في تحويل سيارات المواطنين المنهوبة إلى وسيلة للحركة السريعة، ومنصات للمدافع بما في ذلك المضادة للطائرات. ومؤخرًا، درجت الدعم السريع على استخدام المسيرات في ضرب الأهداف العسكرية في مناطق ما زالت بعيدة عن دائرة الحرب (القضارف، نهر النيل)، الأمر الذي ينذر بتحولات خطيرة في المعارك.

وتكمن قوة المليشيا الرئيسة في قدرتها الكبيرة على التجنيد، وامتلاكها لمخزون بشري لا يكاد ينضب من المقاتلين، ما مكنها من القتال المتزامن على أكثر من جبهة.

ودرج قادة الجيش على اتهام المليشيا باستخدام جيوش من المرتزقة الأجانب، وهو أمر عضده اعتراف القائد الميداني في الدعم السريع، جلحة مهدي، الذي أقر في فيديو بأن قواته تضم مقاتلين من دول جنوب السودان وتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى وليبيا.

كذلك، من نقاط القوة لدى الدعم السريع، أنها قوات مشاة سريعة الحركة، متخصصة بشكل كبير في حروب المدن والعصابات، وتأتمر بأمر القادة الميدانيين، وذلك على خلاف الجيش الذي يتحرك ببطء مع آلياته ومجنزراته الثقيلة، بجانب بيروقراطية في هياكله تحول دون اتخاذ القرارات بشكلٍ سريع.

ومن نقاط القوى التي لا يستهان بها لدى الدعم السريع، المتعلقة بقوة منصاتها الإعلامية التي يجري تحديثها بشكل مستمر، مع توفير طائفة كبيرة من المستشارين والمتحدثين للقنوات والوكالات العالمية بجانب أرتال من المؤثرين في منصات التواصل الاجتماعية، ويظهر دورهم بجلاء في وجود اتهامات للمليشيا بارتكاب انتهاكات، ويتم ذلك بنفي الوقائع وتحميل وزرها للجيش ونظام البشير، أو بالتبرير لها بدعوى محاربة المستنفرين والمسلحين.

وترفع قوات الدعم السريع في قتالها ضد الجيش، شعارات استعادة الديمقراطية، وإنهاء التهميش في الأقاليم لصالح الدولة المركزية، وكان هدفها في أول الحرب القبض على البرهان وتقديمه للمحاكمة.

جنود من قوات الدعم السريع يستعرضون بعض الغنائم خلال المعارك الدائرة في العاصمة الخرطوم.

أما عن سلبيات الدعم السريع على كثرتها، فيأتي على رأسها استخدامها المفرط لسلاح الانتهاكات بطريقة تبدو ممنهجة بحق المواطنين العزل، القتل والاغتصاب والنهب والتهجير القسري، الأمر الذي أدى إلى فرض عقوبات دولية ضد عدد من قادتها وعلى رأسهم الرجل الثاني، والأخ غير الشقيق لحميدتي، الجنرال عبد الرحيم دقلو، من الخزانة الأمريكية.

وفيما يخص القوى المتحالفة مع الدعم السريع، تطل قوات درع السودان، بقيادة الجنرال أبوعاقلة كيكل الذي أعلن الانضمام للمليشيا في أغسطس/آب 2023، بدعوى “نصرة للمهمشين ومحاربة الكيزان” في إشارة لأنصار نظام البشير.

تكونت قوات درع السودان في العام 2022، على يد كيكل، وهو أحد المنتمين سابقًا للجيش، لإعادة التوازن في البلاد، عقب الاختلالات الناجمة عن وصول الحركات المسلحة الدارفورية للسلطة استنادًا إلى اتفاق السلام 2020.

وقدرت القوات الحاصلة على دعم ومباركة حميدتي قبيل الحرب بـ35 ألف مقاتل، غالبيتهم من منطقة البطانة التابعة لولاية الجزيرة مع حدودٍ وامتدادات مع ولايات القضارف وكسلا.

وقاد كيكل قوات الدعم السريع لاقتحام الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول 2023، باستخدام طرق جانبية غير مسفلتة، تمر من فوق خط أنابيب نفطي لضمان تحييد سلاح الطيران، وبعد نجاح مهمته كوفئ بتنصيبه قائدًا للدعم السريع بالولاية.

ومؤخرًا، باتت قوات درع السودان في محل انتقادات شديدة، لعجزها عن حماية مواطنيها في الوسط من سلسلة الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع على قرى الجزيرة، وسط أنباء عن تقييد صلاحيات الرجل، واعتقال ذراعه اليمنى الطاهر جاه الله بواسطة استخبارات المليشيا.

قوات البيشي وجلحة

يعد الجنرال عبد الرحمن البيشي من قدامي قيادات الدعم السريع، وإليه أسندت مهام قيادة المليشيا بولاية النيل الأزرق، وعليه يقود البيشي فصيلًا قتاليًا له خبرة، وظهر ذلك في مشاركته في الاستيلاء على مدني، وحامية الجيش بمدينة سنج عاصمة ولاية سنار.

وفي سياق متصل، أعلنت المليشيا في يوليو/تموز 2023، التحاق قوات حركة شجعان كردفان، بقيادة الجنرال جلحة مهدي، بصفوف الدعم السريع.

ولا يوجد تقدير لحجم هذه القوات التي تكونت في العام 2020 للمطالبة بتنمية إقليم كردفان، لكن الخطوة اكتسبت زخمها من قدرة الفصيل على تسخير معارفه بجغرافيا وتضاريس الإقليم لصالح الدعم السريع، إضافة لانضمام قائد ذي قدرة كبيرة على بث الخطابات الحماسية في أوساط جنوده.

وتنفي الدعم السريع صفة العنصرية عن مشروعها، برفع الشعارات القومية، وإظهار التباين بين قادتها وجنودها المنتمين لمناطق شتى من بقاع السودان.

قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – عبد العزيز الحلو

شاركت قوات الحركة الشعبية جناح القائد عبد العزيز الحلو، في صد عدة محاولات للدعم السريع لتوسيع نفوذها بولاية جنوب كردفان، والاستيلاء على مدنها الرئيسة، كادقلي والدلنج.

وتكمن المفارقة في تحركات الحلو ضد الدعم السريع، من كون خلافاته التي حملته للتمرد ضد السلطة المركزية لم تنتفِ حتى ساعة كتابة التقرير، هذا وإن خفتت وتيرة خلافات الطرفين عقب الإطاحة بالبشير وتوقيع اتفاق إعلان مبادئ مع رئيس الحكومة الانتقالية المعزولة، عبد الله حمدوك، ينص على علمانية الدولة.

صورة اُلتقطت في 6 أبريل/نيسان 2012 تظهر جنود الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال في ولاية جنوب كردفان.

وبُعيد اندلاع حرب أبريل/نيسان خاض الحلو وقادة الجيش سلسلة من اللقاءات لإبرام اتفاق لوقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية، وهو ما انتهى في مايو/أيار الماضي إلى طريق مسدود، حيث طالب مفاوضو الجيش بحصر المفاوضات في المناطق التي تسيطر عليها الحركة بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهو ما يعارضه الحلو الذي يطالب باتفاق يشمل كل أنحاء السودان.

ويخشى أن يستغل الحلو ارتخاء قبضة الجيش في الأطراف، لتوسيع نفوذه لكامل ولاية جنوب كردفان، أسوة بالهجوم الذي شنته قواته على حامية الجيش في مدينة الدلنج في يونيو/حزيران 2023. وتسيطر قوات الحلو على مناطق واسعة في جبال النوبة التابعة لولاية جنوب كردفان، مع وجود طفيف في إقليم النيل الأزرق.

قوات الحلو هي الوريث الشرعي للحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم في دولة جنوب السودان)، وقاتلت في صفوفها منذ العام 1984 احتجاجًا على التهميش، واعتراضًا على تطبيق النميري لقوانين الشريعة الإسلامية في العام سبتمبر/أيلول 1983.

وترفع حركة الحلو مبدأ حق تقرير المصير، كرد على ما تسميه إهمال السلطة المركزية لمطالبهم بفصل الدين عن الدولة، وإزالة التهميش عن الإقليم المنكوي من نير الحرب.

ملصقات للحملة الانتخابية لترشيح عبد العزيز الحلو حاكما لولاية جنوب كردفان.

وتمتلك الحركة الشعبية آلاف المقاتلين المعروفين بالشراسة، حيث فشل نظاما البشير والنميري وبينهما حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، في إخضاع جبال النوبة لسلطات المركز عسكريًا.

وساهمت الفرقتان التاسعة والعاشرة التابعتان للجيش الشعبي، وينحدر أفرادها من أبناء الجبال والنيل الأزرق، في حمل حكومة البشير على توقيع اتفاق سلام شامل مع المتمردين الجنوبيين في العام 2005، بعد فشل الطرفين في حسم الصراع عسكريًا.

وبعد انفصال جنوب السودان في 2011، تمرد الحلو على سلطات الدولة مجددًا، وحافظ على نفوذه في جبال النوبة، ونجح في صد الهجمات المتكررة التي كان يشنها الجيش والدعم السريع للاستيلاء على عاصمة الجبال، مدينة كاودا.