ترجمة حفصة جودة
اجتمعت ندى القحطاني وسبع نساء أخريات بترقب في بهو الفندق الوطني، يرتدين العبايات السوداء والنقاب فلا يظهر سوى أعينهن، هؤلاء النساء لم يدخلن هذا المبنى من قبل ولا يعرفن عما بداخله سوى القليل.
في مدخل المتحف هناك ملصق عملاق كبير عن المواقع الأثرية في المملكة، ومجموعة من القطع الأثرية التي تعود إلى العصر الإسلامي، يقول مرشد المتحف –مشيرا إلى هذا المعرض الذي لم يكن متوقعًا وجوده في العقود الأخيرة حيث تم تجاهل التاريخ الأثري للبلاد والتنصل منه-: “هناك اثنين من القطع الأثرية (الأصنام) هنا، أما البقية فهم معروضين في اليابان”.
كانت ثقافة الدولة تعتبر أي شئ قبل العصر الإسلامي هو عصر الجاهلية وكانت تتجنبه تمامًا، أنا الآن فكما يقول مرشد المتحف؛ بدأ عصر جديد يحتضن تاريح المنطقة الطويل، وفي شهر نوفمبر عند افتتاح هذا المعرض الكبير، كان الكثيرون يخشون من رد الفعل العنيف لهؤلاء الذين يعتبرون هذه القطع الأثرية “أصنام”، لكن ردود الأفعال كانت إيجابية إلى حد كبير.
تقول المؤرخة الفنية مها السنان: “لقد كنت خائفة فلم أكن أعلم ماذا سيكون رد فعل الناس خاصة في العرض الأول العام، المعتقدات الدينية هنا ترتبط بشكل وثيق بالأفكار الاجتماعية، ونحن بحاجة إلى نشر الوعي حول ما تمثله تلك القطع الأثرية، فلم تكن جميعها للعبادة أو تُعتبر آلهة، أما الآن فالناس يقودون هذا التغيير ويرغبون أن نعترف به.”
سوف تتمكن المرأة السعودية من قيادة السيارة بشكل رسمي في شهر يونيه القادم
كانت القحطاني متحمسة بشدة لتلك الزيارة حيث قالت: “بالنسبة لنا جيل الشباب، نحن بحاجة إلى معرفة تاريخ المنطقة، هذه أرضنا وجذورنا هنا ونحن بحاجة لفهم هويتنا التاريخية.”
أما خارج المتحف فكان الحديث منتشرًا عن محاولة فهم كيف وصل المملكة حديثًا إلى تلك النقطة، في الثلاثة أشهر الأخيرة أعلن القادة السياسيون أن معرفة تاريخ البلاد ضروري من أجل المستقبل، أصبحت النقاشات حول التاريخ والآثار والثقافة جزءا من الحوار السعودي، بالإضافة إلى المحرمات الأخرى مثل الحرية الفردية والهوية الوطنية التي اتخذت أبعادًا تتجاوز الهوية الإسلامية للبلاد.
وببطء، أصبح التغيير حقيقيًا في تلك المملكة المعروفة بمقاومتها لأي شئ جديد، لكن وتيرة البرنامج الإصلاحي الذي قدمه ولي العهد محمد بن سلمان قد ترك الكثيرين في حيرة، ففي الشهر الماضي فقط، أعلنت المملكة أن النساء يمكنهن الانضمام إلى الجيش والمخابرات، كما أن مدارس تعليم قيادة السيارات ستفتح أبوابها للنساء حيث يمكنهن القيادة بشكل رسمي في شهر يونيه القادم، افتُتحت أيضًا ملاعب رياضية للنساء، وبدأ بناء صالات السينما في جميع أنحاء البلاد.
عزز محمد بن سلمان من سلطاته من خلال أجندة التغيير التي كان سريعة للغاية
أما الخطوة التي حيرت الكثيرين وأثارت دهشتهم؛ فهي إعلان رجل دين كبير أن ارتداء العباية ليس فرضًا في الإسلام ويجب أن نعتبره اختيارًا شخصيًا. تقول القحطاني: “معظم ما نعرفه هو الثقافة الإسلامية، من الضروري أن يكون هناك ما يتجاوز تلك الثقافة فماضينا ليس أمرًا يستحق أن نخفيه.” وتضيف القحطاني أنها سعيدة بإعلان رجل الدين عن “العباية” وانها اختيار شخصي، وتؤكد أن ارتدائها ليس من الإسلام، ورغم ذلك كانت النساء يتعرضن للضرب من الشرطة الدينية في حال عدم التزامهم بارتدائها.
في داخل المتحف كان هناك عبد الله –زائر من مكة- وقال أن ارتداء العباية كان إلزاميًا، وكان يقف بجواره أخته وابنة أخيه وكلتاهما ترتديان العباءة، لكن القيم الثقافية شيء والحرية الشخصية شيء آخر وهناك ستكون مقاومة التغيير كما يقول أحد الدبلوماسيين بالرياض، فدعم البرنامج الإصلاحي الثوري من الصعب قياسه الآن.
بعد ما يقرب من عام من إدارته للمملكة كأقوى رجل فيها، عزز محمد بن سلمان من سلطاته من خلال أجندة التغيير التي كان سريعة للغاية حتى أنها أخرست هؤلاء الذين حذروا منها، وفي الوقت نفسه أقصى بن سلمان رجال الدين المعارضين له، كما أزاح عن طربقه الأمراء المنافسين الذين قد يطالبون بالعرش.
هذا الصعود السريع سيتم الاعتراف به في لندن هذا الأسبوع، حيث سيلتقي الأمير الشاب بملكة بريطانيا في أول زياة خارجية له منذ أن قام والده الملك سلمان بتنحية ابن عمه الأمير محمد بن نايف عن وراثة العرش وقلدّ ابنه إدارة أمور المملكة كلها، هذا الاستقبال لولي العهد بصفته وريث العرش والحاكم الفعلي للبلاد، يقول أحد المسؤولين البريطانيين: “هناك الكثير الذي ينبغي تجاوزه، هذه الأجندة المحلية حقيقية، لكن هناك بعض القضايا الإقليمية التي سيواجهها بن سلمان ويجب عليه أن يكون حذرًا مع من يستمع إليهم.”
امرأة تشتري فناجين قهوة في مهرجان التراث الثقافي قرب الرياض
ما زالت المملكة العربية السعودية متورطة في ثلاث صراعات في المنطقة؛ الحرب في اليمن والمواجهة مع قطر والعداء مع الزعيم اللبناني سعد الحريري، هذه الصراعات جميعًا أشعلها بن سلمان، وفي الرياض وغيرها من المناطق الأخرى في الشرق الأوسط يتهم الكثيرون ولي العهد بأن سلّم هذه الدول الثلاث إلى منافسه الإقليمي “إيران”، ويقول رجل أعمال مشهور في الرياض: “إنه لا يعلن كيف يكون الحكم حتى الآن، لكننا نأمل أن يتعلم ذلك قريبًا.”
في العاصمة السعودية خلال الثلاثة أشهر الماضية كان الحديث يدور حول فندق ريتز كارلتون حيث قام بن سلمان باعتقال كبار رجال الأعمال والسياسيين السعوديين بتهمة الكسب غير المشروع، وأعلن بن سلمان بأنه تطهير للفساد وبداية لبيئة عمل جديدة أكثر شفافية في مجتمع يحرص على جذب رؤوس أموال دولية، لكن الكثير من منتقديه قالوا أن ما فعله انتزاع صارخ للسلطة.
وصف أحد كبار المسؤولين الإقليميين هذا الأمر الذي انتهى باحتجاز العشرات من قائمة من تصل إلى 300 شخص بأنها تدور حول ثلاث نقاط، أولها؛ طريقة أكثر شفافية للممارسة التجارة بشكل عالمي، وثانيًا؛ استعادة الكثير من الأموال المفقودة بسبب الكسب غير المشروع في مجال الصناعة، وثالثًا؛ الإطاحة بمن تبقى من خصوم الأمير محمد بن سلمان، لكن طريقة خروجه من كل هذه الأزمات ليست معروفة بعد.
وليس مؤكدًا كيف سيتعامل هذا المجتمع المحافظ غير المعتاد على الاضطرابات مع تلك الصدمات المنتظمة، حيث يتم الإعلان يوميًا عن إصلاحات جديدة، فهناك خوف من أن يخرج النظام عن الخط المرسوم له.
يقول مسوؤل عسكري كبير: “هناك الكثيرون في المستوى من المتوسط من البيروقراطية والذين لا يرغبون في رؤية المرأة في مكان العمل أو في الشوارع، لكنهم يعلمون أن أفضل طريقة لإيقاف ذلك ليس معارضة الحكام لكن بالتوقف عن تطبيق الأوامر، لذا فأي تغيير حقيقي سوف يستغرق الكثير من الوقت مهما كانت قوة الحاكم.”
في شوارع الرياض؛ هناك شبكة مترو نصف مكتملة، ومركز مالي نصف مكتمل يشيران إلى أن الفجوة بين الطموح والواقع ما زالت واسعة، يقول محمود عزام –سائق تاكسي-: “لقد ازدادت الأسعار أكثر من الضعف في التسعة أشهر الأخيرة، وإذا لم تبدأ الأعمال التجارية في الزيادة، حينها سوف ترى إذا كانت هذه الإصلاحات ناجحة أم فاشلة.”
المصدر: الغارديان