ترجمة وتحرير: نون بوست
هل يعتبر طلب قدر ضئيل من الاحترافية داخل البيت الأبيض أمرا عويصا؟ لقد وجدت نفسي متعجبا من بطاقات الأسماء الأنيقة التي تم تجهيزها قبل اجتماع القادة التنفيذيين في مجال إنتاج الصلب، لمشاهدة إعلان دونالد ترامب، عن إجراء تعديلات على الرسوم الجمركية على الواردات. وفي الحقيقة، يبدو أنه كان هناك شخص ما في الجناح الغربي يجيد استعمال الآلة الطابعة.
في هذا الإطار، يتبادر إلى ذهني وصول هؤلاء المحاربين المهتمين بصناعة الصلب إلى المدينة، حيث لم يكن أحدهم يمتلك أي فكرة حول الطريقة التي ستؤول إليها الأمور في نهاية اليوم. وقد استغل ترامب هذه المناسبة لكشف النقاب عن الرسوم الجمركية التي سيتم فرضها على المنافسين الأجانب في سوق الصلب. ولكن قبل ذلك بساعات، لم يكن المسؤولون في البيت الأبيض على يقين بشأن ما إذا كان سيفعل ذلك أو لا. ومع تخطيط من هذا القبيل، مثّل إملاء بعض الأسماء بطريقة صحيحة معجزة بالفعل.
في واقع الأمر، نحن على دراية بما حدث، حيث أكد ترامب على سهولة الفوز بالحروب التجارية، وشدد على كونها جيدة، لكنه أوضح أن كيفية إدارة طلبات اللجوء تمثل هاجسا بالنسبة له. ويبدو هذا الأمر غريبا، فكيف يعلن الرئيس عن تدابير تجارية حمائية دون القدرة على التطرق إلى ماهيتها؟ وتجدر الإشارة إلى أنه لم يكن هناك شيء على الورق عندما حدث الهبوط الحاد في مستوى الأسواق. في المقابل، قد يعكس ترامب المسار الذي يتبعه خلال الأسبوع القادم، وأنتم تعلمون أنه قد يفعل ذلك.
عندما يتصرف الرئيس على هذا النحو، الذي يمكن وصفه بغير الفعال، فربما يجدر به الاستعانة ببعض أصحاب العقول الراجحة من المحيطين به. وفي هذا السياق، كان من المفترض أن يقوم رئيس موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، بفرض بعض النظام العسكري. ومن ثم، جاء دور سكرتير موظفي البيت الأبيض، روب بورتر، الذي دافع عنه كيلي حتى بعد اتهامه بالاعتداء من قبل زوجتيْه السابقتيْن.
على الرغم من أن نهاية حضور هذا الثنائي تبدو وشيكة، إلا أنها لن تقع في القريب العاجل
فيما بعد، انتهت هذه البلبلة بطرد بورتر، الذي كان يواعد هوب هيكس آنذاك. وقد كانت هوب مقربة من الرئيس وتضطلع بنقل الأخبار إليه أكثر من أي شخص آخر، لكنها لم تكن تتمتع بأي خبرة في الحكم. وعموما، تستعد هيكس لمغادرة منصبها في الوقت الحالي.
مع ذلك، ونظرا للتصرف غير المهني، لا شيء يضاهي الحضور المتواصل للثنائي “جافانكا”، في إشارة إلى جاريد وإيفانكا، بين جدران البيت الأبيض. وقد كان من الجلي أنه يتوجب ألا يحتضن البيت الرئاسي ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، أو زوجها جاريد كوشنر. وفي هذا الصدد، لم يكن إصدار الكونغرس لقانون مكافحة المحسوبية في الحكومة أواخر ستينات القرن الماضي أمرا عبثيا، إذ لطالما ترتب عن محاباة الأقارب عواقب وخيمة.
على الرغم من أن نهاية حضور هذا الثنائي تبدو وشيكة، إلا أنها لن تقع في القريب العاجل. وبموجب ذلك، لم يعد صوتهما مسموعا داخل جدران البيت الأبيض، وهو ما يعتبر نقدا لهما في حد ذاته. كما تفيد التقارير بأن دونالد ترامب اعترف سرا أن حاله سيكون أفضل من دونهما. لذلك، يوجد مقعدان في القطار المتجه إلى نيويورك، ويمكن تبين اسما إيفانكا وجاريد عليهما.
ففي المقام الأول، سافرت إيفانكا إلى كوريا الجنوبية لتمثل والدها في الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وفي الوقت ذاته، استغلت هذه الفرصة لمشاركة أفكار والدها، التي تقضي بفرض عقوبات صارمة على كوريا الشمالية، مع رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن. لكن لسائل أن يسأل، هل يتم تصنيف بعض الأحجيات على أنها مستعجلة أكثر من التهديد النووي الصادر عن بيونغ يانغ؟ وهنا يبرز السؤال جليا حول ما إذا كانت إيفانكا تمثل الشخص المناسب لفك هذه الأحجيات.
فيما بعد، وقع الدور على الإحراج الذي عاشته ابنة الرئيس الأمريكي في مقابلة لها مع “أن بي سي نيوز”، عندما طلب منها المراسل الإدلاء بتعليق حول حركة “أنا أيضا” وادعاء سوء السلوك الجنسي الذي يطارد والدها. آنذاك، قالت إيفانكا: “لا أعتقد أن هذا السؤال يمكن طرحه على بنات أخريات. وأنا ابنته”. وعلى ما يبدو، نسيت إيفانكا أن قبولها منصبا في البيت الأبيض يعني موافقتها على أن تكون أكثر دقة من ذلك، حتى تكون موظفة حكومية. وقد كانت إيفانكا تحاول الاختفاء وراء ما كان يمثل مشكلة في وجودها في البيت الأبيض بالتحديد.
أشارت التقارير إلى أن ممثلين عن ثلاث دول أجنبية، من بينها “إسرائيل”، ناقشت علنا الطريقة التي تمكنها من استغلال تضارب ولاءات كوشنر مع أعمال العائلة وواشنطن، في محاولة للحصول على بعض الأفضلية الدبلوماسية على الولايات المتحدة
في الآن ذاته، بدأ نجم كوشنر يأفل تدريجيا. ففي الأسبوع الماضي، عانى من قرار سحب التصريح الأمني الخاص به. وقد كان ذلك بمثابة ضربة مهينة تجعل الشكوك تحوم حول الفائدة المترتبة عن حضوره في البيت الأبيض. والجدير بالذكر أنه من بين القضايا المكلف بها؛ إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن ذلك بدا مستبعدا، إلا أن كوشنر أصبح الآن ممنوعا حتى من الوصول إلى الإحاطات الاستخباراتية المعروضة بشكل يومي على الرئيس.
في الحقيقة، تكمن المشكلة مع كوشنر في تقاطع وظيفته الحالية والمترامية الأطراف، مع أعمال التطوير العقاري الخاصة بعائلته. وقد كان من المفترض أن يقطع علاقته بالعائلة، إلا أن الشكوك تزايدت حول ذلك. ووفقا لما جاء في عدد من التقارير، مثّلت هذه الأعمال موضوع تدقيق شديد من قبل روبرت مولر، الذي قادت تحقيقاته إلى كشف تواطؤ كبير محتمل لحملة ترامب مع روسيا.
كما شهد ذلك اليوم الذي سُحبت فيه الصلاحيات الأمنية من كوشنر صدور تقارير من وسائل إعلامية مختلفة، التي أثارت غضب والد زوجته وفقا لما توصلنا إليه، والتي أشارت إلى أن ممثلين عن ثلاث دول أجنبية، من بينها “إسرائيل”، ناقشت علنا الطريقة التي تمكنها من استغلال تضارب ولاءات كوشنر مع أعمال العائلة وواشنطن، في محاولة للحصول على بعض الأفضلية الدبلوماسية على الولايات المتحدة. وفي الواقع، رأت فيه هذه الدول حلقة ضعيفة قد تكون مفيدة داخل البيت الأبيض، وإن كنا لا نعرف بعد أي دولة قد تصرفت بالفعل وفقا لهذه المطامع.
في المقابل، يرتفع عدد الأدلة التي تفيد بالتعامل المزدوج من قبل كوشنر نفسه. ويشمل ذلك تقارير توضح أن مسؤولين تنفيذيين من كيانيْن مختلفيْن، وهما “سيتي غروب” وشركة الأسهم الخاصة “أبولو”، قد زارا كوشنر في البيت الأبيض قبل تقديم قروض كبيرة لأعمال عائلته. وقد تحدث موقع “ذا إنترسبت”عن محاولات قام بها والده من أجل الحصول على تمويل من حكام قطر، التي باءت بالفشل.
ثم بعد أسابيع من ذلك، التقى مسؤولون في البيت الأبيض بمسؤولين في السعودية ودول عربية أخرى مساندة للحصار المفروض على قطر. وتفيد تقارير “أن بي سي نيوز” أن قطر ترى أن هذين الأمريْن مرتبطان بشدة، وهو ما يجب علينا أن نراه. ولكننا نعلم الآن على الأقل سبب تفكيرهم بهذه الطريقة”.
في الختام، يجب على ترامب إيجاد وسيلة لتحقيق الاستقرار داخل دائرة المقربين منه، حيث أن البيت الأبيض بدأ بالفعل في التعرض إلى بعض الإحراج. ولكن قبل أن يتمكن من تعليق الآمال على استعادة مصداقية إدارته المتهورة، على ترامب أن يعطي أوامر محددة إلى شخصيْن آخريْن، مهما كان ذلك محرجا بشكل شخصي له، وأنتم تعلمون من هما.
المصدر: الإندبندنت