ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ماغي هيبرمان وديفيد كيرك باتريك ومارك مازيتي
لطالما تردد اسم جورج نادر، رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني، في دوائر السلك الدبلوماسي، لحوالي ثلاثة عقود. وقد أشرف هذا الرجل على المفاوضات السرية مع سوريا إبان إدارة بيل كلينتون، وعاد لاحقا لتقديم نفسه مستشارا للحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وخلال السنة الماضية، زار جورج نادر الرئيس دونالد ترامب بانتظام، في البيت الأبيض.
في الوقت الحالي، أصبح جورج نادر محل اهتمام التحقيق، الذي يشرف عليه المستشار الخاص روبرت مولر. وخلال الأسابيع الأخيرة، قام أعضاء لجنة التحقيق بمسائلة نادر. وبحسب مصادر مطلعة على سير التحقيق، حثت اللجنة الشهود على تقديم معلومات حول أي محاولات قامت بها الإمارات العربية المتحدة من أجل شراء التأثير السياسي، عبر تقديم الأموال من أجل دعم ترامب خلال حملته الرئاسية.
في الأثناء، يبحث المحققون في دور جورج نادر في رسم سياسات البيت الأبيض؛ وهو ما يعني بحسب نفس المصادر، أن تحقيق روبرت مولر قد توسع ليتجاوز قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ويشمل أيضا النفوذ الإماراتي داخل إدارة ترامب. ويعد تسليط الضوء على نشاط نادر بمثابة الفرصة التي تفتح أبواب التحقيق في تدفق الأموال من دول متعددة، وتأثيرها على قرارات واشنطن خلال رئاسة ترامب.
بشكل عام، لم يتضح إلى حد الآن مدى الارتباط بين هذا التوجه الجديد، والتحقيق الأصلي الذي كلف به مولر، حول وجود علاقة بين حملة دونالد ترامب وموسكو. في الوقت ذاته، جاءت هذه التحقيقات التي تقوم بها لجنة مولر حول الإمارات، في خضم تصاعد وتيرة عمل لجنة مولر.
دونالد ترامب أقام علاقة وثيقة مع الإمارات، وساند دعمها القوي لولي العهد الجديد في المملكة العربية السعودية، إلى جانب سياساتها العدائية نحو إيران والجار القطري
خلال الشهر الماضي، تفاوض المحققون مع نائب مدير حملة ترامب الرئاسية، ريك غايتس، ليقدم اعترافات في الغرض مقابل إصدار حكم مخفف. في الآن ذاته، وجهت اتهامات لثلاثة عشر روسيا، بالوقوف وراء مخطط لنشر الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة، قبل انتخابات 2016. وفي مثال حول امتلاك جورج نادر علاقات مع جهات لها نفوذ قوي، والتي لم يتم الكشف عنها سابقا، تلقى هذا الرجل في الخريف الماضي تقريرا مفصلا مده به أكبر جامعي التبرعات في حملة ترامب، إليوت برويدي، حول لقاء خاص له مع الرئيس الحالي في المكتب البيضاوي.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن إليوت برويدي يملك مؤسسة أمنية خاصة، تربطها بالإمارات العربية المتحدة عقود تقدر بملايين الدولارات. وفي إحدى الفرص، تباهى هذا الرجل أمام ترامب بالقوة شبه العسكرية التي أنشأتها شركته لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. ومارس إليوت أيضا الضغط على الرئيس الحالي لإجراء لقاء سري “في أجواء غير رسمية” مع القائد العسكري الإماراتي والحاكم الفعلي للبلاد، ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، من أجل دعم السياسات العدائية للإمارات في المنطقة، وإقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون.
في هذا الصدد، حصلت نيويورك تايمز على نسخة من مذكرة برويدي حول هذا اللقاء، بعد أن مدها بها شخص من المعارضين للنفوذ الإماراتي في واشنطن. ويذكر أن دونالد ترامب أقام علاقة وثيقة مع الإمارات، وساند دعمها القوي لولي العهد الجديد في المملكة العربية السعودية، إلى جانب سياساتها العدائية نحو إيران والجار القطري. وفيما يتعلق بقضية قطر، التي تحتضن قاعدة عسكرية أمريكية هامة، فإن وقوف ترامب في صف الحصار الذي تفرضه الإمارات والسعودية ضد الدوحة، وضع الرئيس الأمريكي في مواجهة مع وزير الخارجية الأمريكي، ومثل تناقضا مع سنوات من السياسة الخارجية الأمريكية.
الرئيس ترامب مع ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، في البيت الأبيض خلال السنة الماضية
خلال الأشهر الأولى من رئاسة ترامب، أدى جورج نادر، البالغ من العمر 58 سنة، زيارات متعددة إلى البيت الأبيض. وبحسب مصادر مطلعة على هذه اللقاءات، أجرى نادر لقاءات مع ستيفن بانون، وجاريد كوشنر لمناقشة السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج العربي؛ وذلك استباقا لزيارة ترامب للمملكة العربية السعودية في شهر أيار/ مايو من سنة 2017.
تشير بعض الروايات إلى أن بانون هو من دفع بنادر إلى الدخول لأروقة القرارات السياسية في البيت الأبيض، فيما يرى آخرون أن كوشنر هو من دعمه إلى الوصول إلى هذا الموقع. وخلال اتصال فريق الصحيفة به عبر الهاتف خلال الشهر الماضي، قال نادر إن لديه ضيوفا على العشاء، وسوف يعاود الاتصال بالفريق. لكن، لم يتصل مجددا، وباءت كل محاولات الوصول إليه، على مدى أسابيع عديدة، بالفشل. كما لم يرد محاميه على رسائل الصحيفة، التي طلبت فيها تعليقه حول هذه الأخبار، شأنه شأن البيت الأبيض الذي لم يدل بأي تعليق حول هذه القضية.
في تصريح له، قال المتحدث باسم برويدي، إن “هذه المذكرة تعرضت للسرقة عبر أساليب قرصنة معقدة”. وأورد هذا المتحدث: “لدينا أسباب تجعلنا نعتقد أن هذه القرصنة مدعومة ومنفذة على يد عملاء مسجلين وغير مسجلين يعملون لحساب قطر، ويحاولون معاقبة برويدي على معارضته القوية للإرهاب الدولي”. وأضاف: “لقد قام برويدي بتوجيه نفس الاتهامات في رسالة إلى السفير القطري في واشنطن. في المقابل، رفض السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، التعليق على هذه الأخبار، بعد أن كان موقع “أكسيوس” هو المبادر بنشر أخبار حول استجواب مولر لجورج نادر”.
نجح نادر في إقناع إدارة كلينتون بأنه يملك اتصالات هامة مع الحكومة السورية، وحصل على دور سري لمحاولة التوسط في اتفاق السلام بين “إسرائيل” وسوريا
لطالما كان نادر من الشخصيات الغامضة؛ إذ أشرف خلال سنوات التسعينيات على إدارة مجلة غريبة في واشنطن، اسمها “ميدل إيست إنسايت”. وكانت هذه المجلة تفسح المجال أحيانا لمسؤولين من العرب، والإسرائيليين، والإيرانيين للتعبير عن مواقفهم وإتاحتها للرأي العام في واشنطن.
خلال الذكرى الخامسة عشر لصدور المجلة، أي سنة 1996، استعرض أحد أعضاء الكونغرس عن فيرجينيا، كيلا من المديح لجورج نادر داخل المجلس، واصفا إياه بأنه “خبير في شؤون منطقة الشرق الأوسط”. وأشار أيضا إلى أن “مجلته مثلت منصة للتعبير عن مواقف أبرز الوجوه السياسية، على غرار الرئيس المصري حسني مبارك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات”.
في هذا السياق، قال عنه فريدريك هوف، الدبلوماسي السابق الذي كان يعرف نادر في سنوات التسعينيات: “لطالما صدمني هذا الشخص بسعيه إلى أن يكون دائما في عين العاصفة، وعزمه على تنفيذ أهدافه.”وفي وقت لاحق من تلك العشرية، نجح نادر في إقناع إدارة كلينتون بأنه يملك اتصالات هامة مع الحكومة السورية، وحصل على دور سري لمحاولة التوسط في اتفاق السلام بين “إسرائيل” وسوريا. وقد عمل نادر جنبا إلى جنب مع رونالد لاودر، إمبراطور صناعات التجميل في الولايات المتحدة، وأحد أبرز المتبرعين للقضايا اليهودية. كما أجرى نادر رحلات مكوكية بين دمشق وتل أبيب، مستخدما علاقاته في كلا البلدين، في محاولة للتفاوض على اتفاق.
إليوت برويدي، أحد أبرز جامعي التبرعات في الحزب الجمهوري، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سنة 2008.
من جانبه، ذكر مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في “إسرائيل” ، وعضو فريق شكله الرئيس بيل كلينتون للتفاوض حول اتفاق سلام بين “إسرائيل” وجيرانها، أنه “في سنوات التسعينيات كان جورج نادر شخصية متنفذة ونشطة في الخفاء خلال محادثات السلام. لكنه اختفى بعد هذه المحادثات بشكل مفاجئ”. ويبدو هذا الجانب صحيحا، حيث أن هذا الرجل الذي حقق درجة كبيرة من الشهرة في واشنطن، اختفى فعليا من المشهد السياسي في العاصمة.كما توقفت مجلته عن الصدور خلال سنة 2002.
خلال منتصف العقد الماضي، يبدو أن نادر قضى معظم وقته في الشرق الأوسط، خاصة في العراق إثر الغزو الأمريكي سنة 2003. وفي هذه الفترة، نجح نادر في إقامة علاقات وثيقة مع مسؤولي الأمن القومي في إدارة جورج بوش. ويشار إلى أن إيريك برنس، مؤسس بلاك ووتر الأمريكية، وهي شركة الأمن الخاصة المعروفة الآن باسم الأكاديمية، قام في إحدى المرات بتوظيف نادر لمساعدة الشركة على الحصول على عقود في العراق. وفي اعترافات أدلى بها إيريك برنس في إطار دعوى قضائية أقيمت ضد الشركة، وُصف نادر بأنه “مستشار لتطوير الأعمال تم توظيفه في العراق لأن الشركة كانت تبحث عن عقود جديدة مع الحكومة العراقية”.
لكن، أضاف برنس أن “نادر كان فاشلا في الحصول على هذه العقود. ولم يتواصل كبار المسؤولين في بلاك ووتر معه بشكل مباشر، حيث أنه كان يعمل غالبا من تلقاء نفسه”. وفي بداية ولاية الرئيس أوباما، حاول جورج نادر الاستفادة من علاقاته مع الحكومة السورية، من أجل الوصول إلى كبار المسؤولين في فريق السياسة الخارجية للرئيس أوباما. وسعى أيضا لتحقيق مكاسب تجارية مع مستشارين سابقين للرئيس جورج بوش.
بعد تنصيب ترامب، أصبح نادر مقربا من برويدي، وقام بتقديمه إلى ولي عهد أبوظبي
بحلول موعد انتخابات سنة 2016، أصبح نادر مستشارا لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد. وقد أكد هذا المعطى أشخاص مطلعون على هذه العلاقة. وخلال فترة تنصيب دونالد ترامب، التقى نادر لأول مرة مع برويدي، جامع التبرعات للحزب الجمهوري، الذي يعد أيضا مستثمرا بارزا في كاليفورنيا، ومهتما بشؤون الشرق الأوسط.
من جانب آخر، تقدم الشركة الأمنية المملوكة لبرويدي، تحت اسم “سيرسينوس”، خدماتها لوكالات أمريكية وحكومات أجنبية. وتشير هذه الشركة التي يديرها ضباط أمريكيون سابقون، عبر موقعها الرسمي إلى أنه بإمكانها “توظيف الأشخاص في كامل أنحاء العالم، لتقديم الحماية الأمنية للأفراد، والمجموعات، والمؤسسات، في المناطق المعادية أو المتشددة. ويمكنها أيضا إجراء عمليات خاصة لحماية البنى التحتية وتقديم التدريب”.
في واقع الأمر، تورط برويدي، البالغ من العمر 60 سنة، في مشاكل قانونية حول تقديم أموال لشخصيات سياسية. وأقر خلال سنة 2009، أمام المحكمة بتورطه في ارتكاب جنحة، متمثلة في تقديم هدايا غير قانونية بقيمة مليون دولار لصندوق معاشات ولاية نيويورك؛ من بينها رحلات، ومبالغ مالية، واستثمارات سرية في فيلم بعنوان “شوش”، قام بإنتاجه شقيق أحد المسؤولين في هذا الصندوق. ومقابل هذه الهدايا، قام صندوق معاشات هذه الولاية باستثمار 250 مليون دولار مع شركة إدارة استثمارات “إسرائيل” ية أسسها برويدي. وعلى هذا النحو، نجح هذا الرجل في تعويض الهدايا التي قدمها، حيث جنى 18 مليون دولار في شكل أعباء لشركته.
لعب جورج نادر دور المضيف خلال حوار مع نتانياهو سنة 1996
بعد تنصيب ترامب، أصبح نادر مقربا من برويدي، وقام بتقديمه إلى ولي عهد أبوظبي. بعد ذلك، نجحت شركة سيرسينوس في إمضاء عقود مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة مئات ملايين الدولارات. وقد أكد هذه المعلومة أشخاص مطلعون على هذا الاتفاق. وبحلول السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بات مؤكدا أن علاقة برويدي بولي العهد وجورج نادر وثيقة. ووصلت صلابة هذه العلاقة إلى درجة ارسال برويدي مذكرة مفصلة، إلى عنوان بريدي مشفر يستخدمه نادر، يسرد فيه دفاعه عن مواقف الإمارات العربية المتحدة خلال لقاء مع ترامب في البيت الأبيض، أثناء عشية قضاها في عقد لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين.
في هذا الصدد، قال أحد حلفاء البيت الأبيض الذين شاركوا في المبادرات التي تمت مناقشتها حينها، وخاصة فكرة إنشاء قوة لمكافحة الإرهاب، إن “برويدي أرسل المذكرة بطلب من ولي العهد، الذي أراد الاطلاع على آراء الرئيس في هذه المسألة. وقد اعتقد برويدي أن إنشاء هذه القوة العسكرية سيدعم الأمن الأمريكي”. ووفقا لهذه المذكرة، حث برويدي بشكل متكرر دونالد ترامب على عقد لقاء سري مع ولي العهد؛ يفضل أن يكون في ظروف غير رسمية خارج البيت الأبيض.
كان برويدي أحد أشد الناقدين للجار والعدو اللدود لولي العهد، قطر
حيال هذا الشأن، كتب برويدي إلى نادر، مستخدما الحروف الأولى من اسم ولي العهد: “لقد اقترحت أن “م.ب.ز” مستعد للقدوم إلى الولايات المتحدة في وقت قريب، ويحبذ أن يتم عقد لقاء هادئ في نيويورك أو نيو جيرسي. وأكد الرئيس ترامب أن اللقاء مع م.ب.ز كان فكرة جيدة”. وأضاف برويدي أنه “أخبر الفريق في الجيش الأمريكي، هيلبرت ماكماستر، وهو الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي، أن ولي العهد يفضل لقاء غير رسمي، يكون وجها لوجه، مع الرئيس ترامب. لكن، لم يوافق الفريق ماكماستر على هذا الأمر”. وأورد: “لقد ابتسم ماكماستر، وأجاب بأن رؤساء الدول عادة ما يعقدون اللقاءات في البيت الأبيض، مثلما تنص عليه البروتوكولات”.
في مذكراته، روى برويدي أيضا أنه “أخبر الرئيس ترامب بأنه عاد مؤخرا من لقاء مع ولي العهد، حول عمل شركة سيرسينوس في الإمارات العربية المتحدة”. وقال برويدي لترامب: “إن خطط التغيير التي يقوم محمد بن زايد بإنشائها، لتطوير عمل قوة مكافحة الإرهاب، مدهشة”. وبين برويدي أن “الرئيس استلهم جزءا من هذا الكلام، أثناء مؤتمر في الرياض”.
في الحقيقة، كان برويدي أحد أشد الناقدين للجار والعدو اللدود لولي العهد، قطر. وتتهم الإمارات قطر، التي تعد أيضا من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها تستخدم قناة الجزيرة للترويج للإسلام السياسي، من بين عدة اتهامات أخرى توجهها لها. وبحسب هذه المذكرة، تساءل ترامب أيضا حول “موقف تيلرسون، الذي انتقد بشكل علني عملية عزل قطر”. وأجاب برويدي بأنه “يجب طرد وزير الخارجية. كما أن ريكس تيلرسون يقوم بأداء سيئ”.
في السياق ذاته، كتب برويدي أنه “أثناء كل هذه النقاشات الدبلوماسية، والتجارية، والسياسية، تحدث هو والرئيس لعدة دقائق حول سياسة ومساعي جمع التبرعات للانتخابات النصفية. كما تم الحديث عن بعض الشؤون الداخلية في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري”.
المصدر: نيويورك تايمز الأمريكية