من هو أمير الحرب السوري المفضل لدى روسيا؟

ترجمة وتحرير: نون بوست
كسب العميد الجنرال سهيل الحسن ود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولعب دورا مركزيا في الحملة ضد الغوطة الشرقية. وفي وقت مبكر من صباح 18 شباط/ فبراير، تجمعت قوات النظام السوري في ساحة على مشارف الغوطة الشرقية، المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة بالقرب من دمشق. لقد تبددت الغيوم للتو، بعد نهاية أسبوع مليئة بالأمطار، منعت طائرات روسيا والنظام السوري من شن غارات جوية على المنطقة.
بشكل خاطف للأنظار، شرع رجل مهيب وملتح في الحديث بينما تجمع الرجال حوله ماسكين هواتفهم لتصويره، أثناء توجيهه رسالة إلى عناصر المعارضة المسلحة الموجودين داخل الغوطة الشرقية، “سوف يرون الجحيم إذا أظهروا أي مقاومة أمام قواتنا. سوف لن تجدوا أي مساعدة، وعندما تصرخون طلبا للعون لن تجدوا إلا الماء الحارق”. وبهذه الكلمات حذرهم سهيل الحسن.
بعد ذلك الخطاب، صاح جميع الرجال المتجمعين “نحن في خدمتك سيدي النمر”، مستخدمين اسمه المخيف الذي اكتسبه بعد سنوات من الحرب، ثم أردف الحسن قائلا “إذا لم تكونوا مع الله فأنتم مع الشيطان. كونوا مع الله حتى يكون الله معكم”.
خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا، أصبح سهيل الحسن، المنتمي للأقلية العلوية شأنه شأن الرئيس بشار الأسد، أحد أبرز الوجوه في هذه المعركة. وخلال الفترة السابقة لبداية التدخل الروسي في الحرب السورية في خريف 2015، اعتقد الجميع أن الحسن تعرض لإصابات قاتلة في إحدى المعارك.
كتب ألكسندر إيفانوف، المتحدث باسم مركز العمليات الروسية في قاعدة حميميم الجوية في غرب سوريا، على صفحته الرسمية على فايسبوك، “سوف نقدم الدعم الجوي اللازم لقوات العميد سهيل الحسن… لدينا ثقة حقيقية في قدرته على إنجاز المهمة”
لكنه لم يمت، وإنما عاد في الحقيقة للظهور مجددا، ليتحول إلى بطل من أبطال النظام السوري، ويحوز على قاعدة واسعة من المعجبين والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي (حيث رجح البعض أن النمر الحقيقي توفي فعلا، وأن هذا الرجل لم يكن إلا بديلا مزيفا زج به النظام للحفاظ على معنويات قواته، بعد الهزائم الثقيلة التي منيت بها، قبيل دخول روسيا على الخط لإنقاذ النظام من الانهيار).
على عكس الأسد، الذي يلتزم بالهدوء، يبدو سهيل الحسن البالغ من العمر 48 عاما شخصا جريئا، وقد تباهى في العديد من المناسبات بجهوده في القضاء على أعداء النظام الحاكم. وقد مكنه هذا من حظوة كبيرة لدى أنصار النظام، وأنصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأثناء إلقائه تلك الكلمات النارية والغاضبة على مشارف الغوطة الشرقية، وقف إلى جانبه أربعة رجال غامضين، يرتدون زيا قتاليا كاملا مع أقنعة وجه وأقنعة الغاز. ويبدو أن هؤلاء الجنود هم جزء من فريق الحماية الشخصية الذي توفره روسيا للحسن.
سرعان ما تحققت كلمات الحسن، حيث أطلقت قوات النظام السوري وحلفاؤها الروس هجوما عنيفا على الغوطة الشرقية، بعد وقت قصير من ذلك التصريح. وقد نشر المتحدثون باسم القوات الروسية في سوريا سيلا من الرسائل، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يشيرون فيها إلى سهيل الحسن، قائد ما يعرف بقوات النمر، على أنه المشرف عن العمليات الأرضية لمحاصرة الغوطة.
لقد ذكرت هذه الرسائل أن روسيا تدعم الحسن ورجاله بالغارات الجوية، كما قدمت لهم دبابات من طراز “تي-90″، وقاذفات الصواريخ “سميرش بي إم-30” (التي تعتبر من بين القاذفات الأكثر فتكا في العالم)، إلى جانب صواريخ باليستية من نوع “توشكا”. في هذا السياق، كتب ألكسندر إيفانوف، المتحدث باسم مركز العمليات الروسية في قاعدة حميميم الجوية في غرب سوريا، على صفحته الرسمية على فايسبوك، “سوف نقدم الدعم الجوي اللازم لقوات العميد سهيل الحسن… لدينا ثقة حقيقية في قدرته على إنجاز المهمة”.
يبدو أن الدور الروسي في تدمير الغوطة الشرقية تجاوز مجرد توفير غطاء من القصف الكثيف والوحشي، ووصل إلى حد إملاء شروط الاستسلام
في وقت لاحق، ذكر موقع إخباري تابع للنظام، أن عددا من ضباط الجيش الروسي كانوا موجودين على الأرض للتنسيق مع الحسن، في مركز قيادة عمليات الغوطة الشرقية. ومنذ بداية الحملة المدعومة من قبل روسيا لاستعادة الغوطة الشرقية في 18 شباط/ فبراير، أدى القصف إلى مقتل ما لا يقل عن 600 مدني، من بينهم 100 طفل على الأقل، فيما تعرض آلاف المدنيين لجروح متفاوتة الخطورة. وفي الأسبوع الماضي، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار يدعو لهدنة في سوريا تدوم 30 يوما.
في الواقع، استثنت هذه الهدنة التي تم التفاوض عليها بحسب شروط موسكو، مجموعات يعتبرها بوتين والأسد إرهابية، أو بالأحرى كل من حمل السلاح ضد النظام. ويوم الإثنين، أمر بوتين بوقف العمليات لمدة خمس ساعات يوميا، في إطار “هدنة إنسانية في الغوطة الشرقية”، عوضا عن الالتزام بوقف العمليات القتالية لمدة ثلاثين يوما.
إلى جانب ذلك، يبدو أن الدور الروسي في تدمير الغوطة الشرقية تجاوز مجرد توفير غطاء من القصف الكثيف والوحشي، ووصل إلى حد إملاء شروط الاستسلام. وقد كشفت هذه السياسة التي انتهجتها روسيا، عن دورها المحوري في دعم سهيل الحسن والترويج له، كواحد من أبرز أمراء الحرب في سوريا.
في عدة مناسبات، أقرت القوات الروسية بضلوعها في تدريب وتسليح من وصفتهم “بالمجموعات العسكرية غير النظامية”، التي تعمل تحت إمرة الحسن. وتمثل هذه المجموعات، مثل قوات النمر والفيلقين الرابع والخامس للمتطوعين، مجموعات شبه عسكرية تابعة للنظام السوري. وهناك أيضا تقارير حول قيام روسيا بدفع مرتبات هذه المليشيات المساندة للنظام.
وتجدر الإشارة إلى أن موسكو أظهرت دعمها للحسن وقواته لتثبت أمرين: أولها أن الجيش الروسي وحلفاءه هزموا تنظيم الدولة في سوريا، وثانيهما أن القوات الروسية، على عكس نظيرتها الأمريكية، تعمل مع الجيش النظامي في سوريا وليس المليشيات والمرتزقة.
قبل وقت طويل من تحول الحسن إلى القائد العسكري المفضل لدى بوتين، ربطت العديد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية اسمه بأسوأ الفظاعات والجرائم التي ارتكبتها قوات النظام
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال رئيس أركان الجيش الروسي، الجنرال فاليري غيراسيموف، “إن الوحدات التي يشرف عليها الجنرال سهيل الحسن أنجزت أبرز المهام في أصعب المعارك، على غرار تحرير القاعدة العسكرية الجوية كويريس، وتدمر، وحلب، وحماة، ودير الزور، والميادين، ونهر الفرات”.
في سياق متصل، أضاف غيراسيموف “بالتأكيد أن كل هذه العمليات قد نُفذت بالاعتماد على دعم الطيران والأسلحة الروسية. وقد تعرضت أهم معاقل تنظيم الدولة للهزيمة”. بالطبع تجاهلت هذه التصريحات الدور الرئيسي الذي لعبه عشرات الآلاف من المنتمين للمليشيات الشيعية، الذين خاضوا هذه المعارك تحت إمرة حلفاء الأسد، وإيران وحزب الله اللبناني.
قبل وقت طويل من تحول الحسن إلى القائد العسكري المفضل لدى بوتين، ربطت العديد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية اسمه بأسوأ الفظاعات والجرائم التي ارتكبتها قوات النظام. وفي بداية المظاهرات السلمية ضد بشار الأسد سنة 2011، قاد سهيل الحسن عمليات خاصة لإدارة المخابرات الجوية سيئة السمعة.
في دمشق، تكفل الحسن بمراقبة جنود القوات النظامية للتأكد من أنهم ينفذون الأوامر دون تردد، ويطلقون النار لقتل المتظاهرين، وذلك حسب روايات شهود جمعتها منظمة هيومن رايتس ووتش. أما الجنود الذين كانوا يخالفون الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، فقد كانوا يقتلون على عين المكان.
بعد وقت قصير من بداية هذه المظاهرات ضد النظام السوري، كان الحسن هو من يشرف غالبا على عمليات تعذيب المتظاهرين، التي تنتهي بوفاتهم. وارتبط اسمه هو ومجموعته المسلحة، بواحدة من أكثر المجازر دموية في محافظة درعا في الجنوب، في نهاية شهر نيسان/ أبري من سنة 2011، التي أدت إلى مقتل حوالي 100 شخص، حسب تقارير منبثقة عن هيومن رايتس ووتش.
يعد الحسن من الوجوه التابعة للنظام السوري، التي ينوي كثير من المحامين والنشطاء داخل سوريا وخارجها ملاحقته قضائيا أمام المؤسسات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب
عندما تبددت المظاهرات فاسحة المجال لصراع طائفي، كان الحسن قد نُقل نحو القاعدة الجوية في حماة في وسط سوريا. وقد أخبرني كثيرون ممن قاتلوا إلى جانبه بين سنة 2012 و2014، أنه بسبب تزايد عمليات الانشقاق في جيش النظام السوري، دخل الحسن في تحالف مع قوة غير نظامية مكونة من وحدات من الجيش الموالية للنظام، ومليشيات علوية.
كما ذكر أحد الجنرالات الذين عملوا إلى جانبه في ذلك الوقت، أن الحسن كان مسؤولا على إحدى أسوء المجازر المرتكبة سنة 2012 في محافظة حماة، ضد بلدات ضالعة في إيواء المعارضة والمنشقين عن الجيش. في هذا الصدد، ذكر اللواء جمال يونس، قائد الفرقة المحمولة جوا رقم 555 في القطاع الرابع للجيش السوري، “في تريمسة، قمنا أنا وسهيل بمحاصرتهم وقتلنا منهم حوالي 250”. كما استخدم الحسن سياسة الأرض المحروقة في مناطق أخرى مجاورة، في محافظتي إدلب وحلب.
في الحقيقة، يعد الحسن من الوجوه التابعة للنظام السوري، التي ينوي كثير من المحامين والنشطاء داخل سوريا وخارجها ملاحقته قضائيا أمام المؤسسات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. أورد أنور البوني، المحامي الممثل لضحايا التعذيب على يد النظام السوري، أن “سهيل الحسن هو شخص متوحش، وهو متورط في عدد لا يحصى من المجازر منذ أن كان بشار يخشى من انهيار نظام حكمه سنة 2012، وكان حينها يفكر في التراجع والتمترس داخل دولة علوية”.
في الأثناء، يبدو أن القوات ووسائل الإعلام الروسية تظهر اهتماما كبيرا بالنمر وإنجازاته. فقد وصفته بيانات صحفية وروايات إعلامية، بأنه “من أبرز القادة العسكريين في سوريا”، فيما تصوير قوات النمر التي يشرف عليها على أنها لا تهزم.
في صيف 2017، نفذت طائرة هليكوبتر روسية من طراز “كيه-52” غارات جوية ليلية على مواقع تابعة لتنظيم الدولة، في محافظة دير الزور، من أجل تمهيد الطريق أمام قوات النمر التابعة للحسن، لشن هجوم بري. وقد وصف وزير الدفاع الروسي هذا الأمر بأنه تحرك تكتيكي في غاية البراعة عبر تقديم الدعم الجوي للعمليات الأرضية، مشيرا إلى أن مستشارين عسكريين روس هم من أشرفوا على تلك العملية.
على الرغم من أن المعركة في الغوطة الشرقية لم تنته بعد، إلا أن بعض أنصار الأسد بدأوا يتحدثون عن الانتصار المحقق للنمر على مشارف عرين الأسد في دمشق
عبرت موسكو علنا عن اهتمامها بسهيل الحسن، إذ أن غيراسيموف أهدى له سيفا خلال احتفال عسكري في قاعدة حميميم، مكافأة له على دوره في العمليات الجارية (وقبل سنة واحدة، مُنح وساما من أعلى طراز من الجيش الروسي). وباستثناء الأسد، الذي يحمل الرتبة العسكرية فريق ويعتبر القائد العام للقوات السورية، يعد الحسن القائد العسكري السوري الوحيد الذي حضر لقاء مع بوتين، وكان ذلك في قاعدة حميميم الجوية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، للاحتفال بالانتصار على تنظيم الدولة.
أثناء ذلك اللقاء، قال بوتين لسهيل الحسن، باللغة الروسية، بحسب ما توثقه مقاطع بثتها قناة “روسيا اليوم، “أخبرني زملاؤك الروس أنك أنت ورجالك تقاتلون بشكل بطولي وشجاع، وتركزون على تحقيق الأهداف. أنا أتمنى أن يمكننا هذا التعاون من تحقيق نجاحات أكثر وإحراز المزيد من التقدم”. أما الحسن، الذي كان يجلس في الجانب الآخر قبالة بوتين، فقد وضع يده على قلبه وحرك رأسه معبرا عن امتنانه.
إلى متى ستستمر روسيا في هجومها على الغوطة الشرقية؟ يبدو أن مقتل حوالي 20 شخصا في دمشق منذ شهر 18 شباط/ فبراير الماضي، على إثر سقوط قذائف أطلقتها قوات المعارضة، التي سقط البعض منها بالقرب من السفارة الروسية بحسب تقارير إعلامية، سوف يكون سببا كافيا لموسكو لتبرير مواصلة قصفها.
من ناحية أخرى، يبدو أن أكبر فصيلين مسلحين داخل المنطقة، وهما فيلق الرحمان المدعوم من طرف تركيا، وجيش الإسلام المدعوم من قبل السعودية، يتمسكان بفكرة أن وقف إطلاق النار يجب أن يرافقه فتح للممرات لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية للمنطقة المحاصرة، التزاما بقرار الأمم المتحدة.
هناك حديث حول سعي بشار الأسد للتخلص منه، وإلصاق تهمة اغتياله بالمجموعات الإرهابية، ليلاقي نفس مصير الذين برزوا داخل صفوف النظام السوري وفكروا في الوصول لعرين الأسد
في وقت سابق من هذا الأسبوع، تعهد هذان الفصيلان بالعمل معا، للتخلص من بعض المجموعات المتشددة المتواجدة داخل الغوطة الشرقية. لكن كرر الأسد والنظام السوري توجيه اتهامات للفصيلين باحتجاز المدنيين كرهائن ومنعهم من إخلاء المنطقة عبر الممرات الإنسانية المخصصة لذلك. وتتواصل المعارك المتقطعة والقصف.
على الرغم من أن المعركة في الغوطة الشرقية لم تنته بعد، إلا أن بعض أنصار الأسد بدأوا يتحدثون عن الانتصار المحقق للنمر على مشارف عرين الأسد في دمشق. أما النمر شخصيا، فقد شبه دمشق بأنها “عروس تنتظره هو ورجاله لإلباسها ثوب النصر”.
كيف سينتهي هذا الأمر بالنسبة للحسن؟ تبدو موسكو مغرمة به، ولكن معارضي نظام الأسد الذين تحدثت معهم يتوقعون أن النمر، الذي يتمتع بالشعبية والقوة، ويشكل تحالفا قويا مع الروس داخل نظام عسكري مصمم لتأليه القائد الفرد، ربما يعود عليه هذا النجاح الكبير بنتائج عكسية. هناك حديث حول سعي بشار الأسد للتخلص منه، وإلصاق تهمة اغتياله بالمجموعات الإرهابية، ليلاقي نفس مصير الذين برزوا داخل صفوف النظام السوري وفكروا في الوصول لعرين الأسد.
المصدر: ذي أتلانتيك