لا زالت المعارك على أشدها بين فصيلي نور الدين “الزنكي” وأحرار الشام اللذان شكلا “جبهة تحرير سوريا” من جهة، وهيئة “تحرير الشام” من جهة ثانية، فتحرير الشام تراجعت في البداية لصالح “جبهة تحرير سوريا ” التي سيطرت على مناطق كثيرة، ووجهت ضربة مفاجئة لتحرير الشام، التي ما إن جمعت قواها وامتصت الضربة، بدأت بماغتة الفصائل، حيث تمكنت من استراجع مناطق شاسعة كانت سيطرت عليه جبهة تحرير سوريا.
لماذا هذا الاقتتال؟
يذهب البعض إلى أن هذا القتال سببه الايديولوجيا بين الفصائل، لكن الحقيقة هي حرب على النفوذ والسيطرة بين تلك الفصائل، كما أن من أسبابها خوف الطرف الآخر من الاستحقاقات القادمة بعد معركة عفرين، التي تخوضها تركيا بالتحالف مع فصائل الجيش الحر.
فهيئة “تحرير الشام” تتخوف من انطلاق عمل عسكري ضدها، بعد فتح الطريق بين ريف حلب الشمالي وإدلب، عقب سيطرة تركيا على شريطها الحدودي، وطرد الأحزاب الكردية منه، فتحرير الشام تخشى من مجيء قوات درع الفرات، الذي كثير من فصائله وقادته طردتهم “هيئة تحرير الشام” من الشمال السوري، وفككت فصائلهم، لذا يحملون عليها حقدا ثأريا هي تعرفه، وهو الأمر الذي يجعلها تتوجس منه، وتعتقد “تحرير الشام” بأن فصيل نورالدين “الزنكي” يمكن أن يكون قاعدة الانطلاق ضدها، في هذا الصراع المتوقع، فقد سبق لها أن شنت هجومًا واسعًا على فصيل “الزنكي” منذ اشهر، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها بالسيطرة على مناطق “الزنكي” في ريف حلب الغربي، والقضاء عليه، كما حصل مع بقية الفصائل التي قاتلتها تحرير الشام، وتعود أسباب فشل “تحرير الشام” في القضاء على فصيل “الزنكي” لعدة أسباب:
1- أن هذا الفصيل يسيطر على منطقة واحدة متناسقة جغرافيا وليست متباعدة.
2- أن المدنيين في مناطقه هم عناصر منتمون له لذا يقاتلون عن منطقتهم معه.
3- قيام فصيل “الزنكي” بتنفيذ مشاريع خدمية للمنطقة التي يحكمها.
تواجه “تحرير الشام” صعوبات في تحقيق النصر على هذه الفصائل، منها تحصن الفصائل في مناطق أهلها على عداء مع تحرير الشام، كما أن هذه المناطق هي حواضن لتلك الفصائل كبعض قرى جبل الزاوية
واستغل فصيل “الزنكي” في حربه مع “تحرير الشام” ما يمكن تسميته ثأر “أحرار الشام” الكامن ضد “تحرير الشام”، إذ وجدت “أحرار الشام” نفسها أمام فرصة لاعادة الاعتبار لها، بعد أن تمكنت “تحرير الشام” في الصيف الماضي من كسر الحركة والسيطرة على سلاحها وانتزاع معبر باب الهوى مع تركيا منها، هذه الأمور كلها جعلت “أحرار الشام” تندمج مع فصيل “الزنكي” ويخوضان حرباً ضد “تحرير الشام”، التي تراجعت في بداية الاقتتال لأسباب عدة منها:
1- الاستنزاف الذي حصل لها، جراء قتالها لأكثر من شهرين ضد النظام في المناطق التي اصطلح عليها شرق السكة.
2- الخلافات مع “جماعة القاعدة” التي لم تآزر “تحرير الشام” في حربها مع الفصائل، علما أنها أقرب منهجيا لها من الفصائل الأخرى، بل ترى الأخيرة الفصائل أنها بعيدة كليا عن ما تسميه “أهداف الجهاد”، لكن بالرغم من ذلك اعتزلت الحرب ورفضت قتال الفصائل، مما زاد في ضعف موقف “تحرير الشام” عسكريًا ومنهجيًا.
3- اتساع نقاط “تحرير الشام” وعدم التجمع في منطقة واحدة، مما جعل الفصائل تستغل هذا التبعثر لـ”تحرير الشام” .
4- عامل الصدمة الذي اتبعته الفصائل ضدها.
لكن “تحرير الشام” عادت وتغلبت على كل المعوقات التي جعلتها تنهزم أمام الفصائل في بداية القتال، كما أن “تحرير الشام” استفادت من اعتزال كثير من الفصائل المحسوبة على “الإخوان المسلمين” والجيش الحر والمقربة من تركيا “فيلق الشام”، “جيش إدلب الحر”، “جيش النصر”، وهذا بعث برسائل لها بأن تركيا ليست متحمسة لحربها حاليا، وإلا لزجت بالفصائل المقربة منها في هذا الصراع، وبالرغم من ذلك، تواجه “تحرير الشام” صعوبات في تحقيق النصر على هذه الفصائل، منها تحصن الفصائل في مناطق أهلها على عداء مع تحرير الشام، كما أن هذه المناطق هي حواضن لتلك الفصائل كبعض قرى جبل الزاوية “معقل صقور الشام “وريف حلب الغربي” عنجارة ،عاجل ،عويجل، قبتان الجبل، “معقل حركة “الزنكي”.
من الامور المترتبة على هذا الصراع الفصائلي استفادة النظام منه، لأنه خلال هدنته الحالية يقاتل في الغوطة، وسيرجع بعدها لفتح معركة إدلب أكثر قوة لآن خصومه مستنزفيين داخليًا
مآلات الاقتتال بين الفصائل في الشمال السوري
لا يبدو أن أحد الأطراف يقترب من حسم المعركة لصالحه، وهذا سيطيل أمد القتال وسيزيد من تعقيدات المشهد في المناطق الخاضعة للمعارضة في الشمال السوري، فهناك عدة سيناريوهات لمآلات الصراع بين الاطراف الفصائلية:
1- تمكن أحد الأطراف من حسم المعركة لصالحه، وهذا الأمر مع صعوبته، لكن “تحرير الشام” تبدو الأقرب له من غيرها، لأنها أمام منطقة جغرافية واحدة للزنكي، فإذا تمكنت من دخولها والسيطرة عليها، تكون بذلك أنهت ووجود أقوى الفصائل التي حاربتها، وهذا الأمر لا يوجد عند “تحرير الشام” بسبب اللامركزية الجغرافية عندها.
2- الوصول إلى توافق من شأنه أن يحفظ لكل طرف مكاسبه بحسب تمدد سيطرته العسكرية.
3- تدخل تركيا في هذا الصراع وحسمه لصالح الجيش الحر، وهو أمر لا تريده تركيا الآن بسبب فتحها لمعركة عفرين وتواجد قواتها في إدلب بمساعدة “تحرير الشام”، كما أن تركيا لا تريد أن تخوض حربًا مع أكبر الفصائل في الشمال السوري.
4- خروج الفصائل “جبهة تحرير سوريا” في حال انهزمت نحو مناطق “غصن الزيتون” ودرع الفرات.
ومن الأمور المترتبة على هذا الصراع الفصائلي استفادة النظام منه، لأنه خلال هدنته الحالية يقاتل في الغوطة، وسيرجع بعدها لفتح معركة إدلب أكثر قوة لأن خصومه مستنزفيين داخليًا.
ومن الامور المترتبة أيضًا على هذا القتال استفادة الفصائل الاخرى، كجماعة القاعدة التي تجد أن أقوى خصومها الحاليين هم أخوة المنهج “تحرير الشام “، ولذا ستستفيد هذه الجماعة من اهتزاز وضع “تحرير الشام” وارتباك موقفها. لكن كله هذه السيناريوهات قد لا يحدث أي منها بسبب تعقيدات المشهد السوري عمومًا والفصائلي خصوصًا.
فصراع الفصائل هذا هو صراع على النفوذ والتمدد، وليس خلافًا على المنهج، لكنه يأخذ شكل الشرع، ويلبس لبوس المنهج لكسب المناصرين لكل طرف، وأكثر ما يميزه بأنه صراع مناطقي يحمل في طياته عقدة الثأر القديم بين البلدة وجارتها، فتحرير الشام وبالرغم من أنها ليست بعيدة عن هذه الحالة “الثأر والتسابق على النفوذ”، يحمل كثير من عناصرها بقايا الأيديولوجية الجهادية، التي لا زالت عامل جذب للعناصر التي تقاتل في صفوفها، هذا الأمر تعوضه الفصائل بالحمية المناطقية، والخوف من أسلوب “تحرير الشام”، الذي بات يعرف بأنه اقصائي ومتفرد بالقرار، كل ذلك يدفع عناصر تلك الفصائل لقتال “تحرير الشام” بعتبارها في نظرها فصيل يبتلع الأخرين.