كشفت قناة “الجزيرة” النقاب عن تورط دول الحصار في المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها قطر في الرابع عشر من فبراير/شباط 1996 عبر شهادات قادة الانقلاب وعدد من الوثائق التي تم بثها في الجزء الأول من التحقيق الاستقصائي “قطر 96” الذي أذاعته القناة أمس الأحد عبر شاشتها.
التحقيق جاء ضمن برنامج “ما خفي أعظم” الذي يقدمه الإعلامي تامر المسحال، والذي تضمن العديد من الشهادات التي تعرض لأول مرة للقيادات المتورطة في هذه العملية التي تكشف خبايا محاولة الإطاحة بالأمير خليفة بن حمد آل ثاني، عبر لوبي عربي إقليمي، يفسر وبصورة كبيرة الكثير من كواليس ما يمارس اليوم ضد الدوحة، ويؤكد أن حلم السيطرة عليها قديم جديد.
بدأ الفيلم الوثائقي بخطاب الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أعلن فيه توليه الحكم في السابع والعشرين من يونيو/حزيران 1995، خلفا لوالده الذي كان خارج البلاد حينها، مستعرضًا الدوافع التي ساقته لهذه الخطوة، حيث جاء في نص الخطاب “أيها المواطنون الكرام قد مرت بلادنا خلال الفترة الماضية كما تعلمون بظروف صعبة أدت إلى صعوبة استمرار الوضع خلالها ، تلك الظروف التي أدت بي مضطرا وكلي أسف ان أحزم أمري بعد موافقة ومبايعة وتأييد من العائلة الحاكمة الكريمة والشعب القطري الكريم، وأتسلم مقاليد الحكم في البلاد خلفًا لوالدي الذي سيبقى والدًا للجميع عزيز له المحبة والتقدير والإجلال”.
الشهادات التي تضمنها التحقيق لم تتعلق فقط بشخصيات قطرية شاركت في المحاولة الانقلابية وكانت بمثابة حلقة الوصل بين غرف عمليات العواصم العربية الأربع (الرياض – أبو ظبي – المنامة – القاهرة) بل تطرقت إلى شهادات أخرى لـ باتريك ثيروس، السفير الأمريكي في قطر خلال الفترة من (1995-1998).
خيوط اللعبة
البداية تعود إلى شهادة أحد قادة المحاولة الانقلابية، وأبرز أركان جهاز المخابرات القطرية – حينها – ويدعى “فهد المالكي” والذي تم الإفراج عنه بعفو أميري عام 2017 بعد عشرين عامًا قضاها داخل السجن.
وعن أجواء ما قبل المحاولة يقول المالكي: “في شهر يوليو عام 1995 استطاع الشيخ زايد بن سلطان رئيس الإمارات الراحل إقناع الشيخ خليفة بن حمد بالعودة إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري” ليبدأ بعدها الشيخ خليفة جولة إلى بعض دول الخليج التي استقبلته بحفاوة بالغة ليتم بعدها مباشرة تشكيل اللجنة القيادية العليا لإدارة تنفيذ الانقلاب.
المالكي في شهادته يكشف عن ملامح الخلية المشكلة لإدارة هذه المحاولة الفاشلة، والمكونة من محمد بن زايد رئيس الأركان (ولي عهد أبو ظبي الحالي)، وحمد بن عيسى آل خليفة ولي العهد (الملك الحالي)، ومن الجانب القطري قائد الشرطة سابقًا، ومن السعودية، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يضاف لها مصر، ممثلة في المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان.
أما عن القائد العسكري للانقلاب في الداخل فوقع الاختيار على العميد بخيت مرزوق العبدالله، والذي مثل انضمامه منعطفا مهما، كونه أحد أبرز قيادات القوات المسلحة القطرية، حسبما أشار المالكي، الذي كشف أن “الإمارات اتصلت به وشجعته بعد الانضمام لخلية الانقلاب، وأبلغوه أنهم أرسلوا 5 طائرات حلقت فوق القيادة العامة دون أن يروها في قطر”.
https://www.youtube.com/watch?v=WEeDKD9Lj14
مراحل المحاولة الانقلابية
كانت الأجواء العامة التي استبقت محاولة الانقلاب غير مبشرة، وتشير إلى شيء ما يحاك في الغرفة المغلقة، هذا ما أستعرضه باتريك ثيروس، سفير أمريكا في قطر، حيث قال: “كان هناك جو عام من (دول الحصار حاليا) من الرفض وعدم القبول، والأجواء ساءت بعد القمة الخليجية في مسقط في ديسمبر 1995، حيث لم تكن موفقة وغادر منها المجتمعون وهم غاضبون من بعضهم البعض”.
اعتمد المخططون للانقلاب سيناريوهات عدة لتنفيذ خطتهم، كانت السيناريو الأول يعتمد على مرتزقة أجانب، بعضهم من جنوب إفريقيا وآخرين من فرنسا، ورغم بدء التحضير الفعلي لهذا السيناريو إلا أنه تم استبعاده في اللحظات الأخيرة، حسبما أشار السفير الأمريكي.
وعن تفاصيل هذا السيناريو يقول ثيروس:” المحاولة الأولى التي سمعنا عنها كانت محاولة تجنيد مرتزقة من جنوب أفريقيا وقد تم التعامل معها كمزحة لأنها تمت بطريقة سيئة ولم تؤخذ على محمل الجد وقمنا بالاستهزاء بها”، وتابع:” المحاولة الثانية كانت محاولة لتجنيد مرتزقة فرنسيين نفس الأشخاص الذي قاموا بالسيطرة على جزر القمر قبل عدة أشهر والحكومة الفرنسية أوقفتها بعدما علمت بها، والحكومة اللفرنسية أبلغتنا بها”.
شهادة السفير الأمريكي أكد عليها فهد المالكي والذي أشار إلى أن المخطط مر بعدة مراحل، أولها كان الاستعانة بقوات أجنبية، مرتزقة من الخارج، غير أنهم في النهاية اتفقوا على أن الحل الأمثل لن يكون إلا من الداخل، عبر تجنيد ضباط من بين صفوف القوات القطرية، ومن هنا بدأ الإعداد للانقلاب.
حصلت الخلية الانقلابية على السلاح من كل من السعودية ومصر والإمارات حسبما كشف الفيلم
غرف العمليات الخليجية
التحضير العملي للانقلاب بدأ بمحاولة مدير الشرطة في قطر – حينها – بتجنيد عدد من الضباط في الأجهزة الأمنية واستقطابهم إلى اللجنة المشكلة لإدارة العملية، تنفيذا للخطة الجديدة المتفق عليها بعد فشل سيناريو الاستعانة بمرتزقة أجانب، وكان على رأس من نجح مدير الشرطة في تجنيدهم جابر حمد جلاب المري.
المري في شهادته التي عرضها الفيلم الوثائقي قال: “تم الاتصال بي في نهاية شهر أغسطس/آب عام 1995، تحدث معي قائد الشرطة آنذاك وأبلغني أنه موجود في مصر، وقال لي أنها كان عند الشيخ خليفة وإنه يود العودة للحكم، ثم توجهنا للقاء الشيخ خليفة بن حمد في روما”.
وبعد عودته من روما، وتحديدًا في سبتمبر/آيلول عام 1995 توجه المري بصحبة قائد الشرطة القطرية إلى الرياض للقاء الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي وقتها، وجرى الاجتماع في وزارة الدفاع، وتابع “أبلغنا أنه سينسق مع ولي عهد البحرين آنذاك لتقديم المساعدة لنا”.
الفيلم كشف عبر وثيقة مسربة من أرشيف الاستخبارات السعودية، فرع الطائف، التوجيه المقدم بتسهيل دخول قائمة تضم 107 شخصيات وقيادات قطرية من المشاركين في الانقلاب بغض النظر عما يحملون، وفي البحرين تم إبلاغ القيادات هناك بأن التدخل العسكري سيكون عبر قوات “درع الجزيرة” بحسب المري.
وتابع المري: “طلبت من البحرين التواصل مع الضباط الموجودين في قطر، وأحضرنا ضابط صار متواجد في البحرين اسمه ناصر محمد دريميح المري كلف بدور ضابط الاتصال، كما اوفد السعودية ضابط استخبارات يدعى سلطان العجمي لتتكون في البحرين غرفة عمليات لقيادة الاتصال والتنسيق”
لم تكن البحرين هي غرفة العمليات الوحيدة لإدارة هذا المخطط، إذ – وبالتوازي مع ذلك – تم اختيار مدينة الخبر (شرق) السعودية والقريبة من المنامة، لتكون مقرا لقيادة الانقلاب وإدارة الخطط العسكرية في الداخل والخارج.
بعد تدشين غرفتي العمليات في البحرين والسعودية والذي كان التنقل بينهما بسهولة عبر جسر الملك فهد، انتقل المري ومدير الشرطة القطرية إلى القاهرة للقاء اللواء عمر سليمان، داخل مقر جهاز المخابرات المصرية، الذي أخبرهم بوجود لوائين مصريين في الجيش القطري مرتبطين بالجالية المصرية هناك وأنهم سيلحقون بهم مع بدء ساعة الصفر، هذا بخلاف بعض المساعدات العسكرية الأخرى كسلاح وغيره، ليكشف الفيلم عن هوية هذين اللوائين وهما عطية بنداري عفيقي، وأحمد توفيق محمد زورة.
التحضير العملي للانقلاب بدأ بمحاولة مدير الشرطة في قطر – حينها – بتجنيد عدد من الضباط في الأجهزة الأمنية واستقطابهم إلى اللجنة المشكلة لإدارة العملية
ماذا عن التسليح؟
حصلت الخلية الانقلابية على السلاح من كل من السعودية ومصر والإمارات حسبما كشف الفيلم، فبعد عودة المري من زيارة القاهرة توجه إلى البحرين ومنها إلى الخبر، حيث قال ” وصلت الأسلحة للفيلا التي كانت مستأجرة لنا من قبل السعودية، حيث تم نقلها عبرعن طريق الديوان الأميري في البحرين ، وادخلناها الدوحة شهر 11 عام 1995، في كونتينر”
وبران اليامي، عسكري سعودي، تولى مهمة إدخال شاحنات الأسلحة لقطر، في التحقيقات التي أجراها معه العميد متقاعد في جهاز المخابرات القطرية، شاهين السليطي، بعد اعتقاله، كشفت أنه ادخل 4 شاحنات محملة بالأسلحة في قطر.
على الميع، أحد قادة الانقلاب، أكد أنهم تسلموا أسلحة مصرية وصلت الدوحة، مضيفًا أنه التقى بمحمد بن زايد وهزاع بن زايد رئيس الاستخبارات، وتابع “سألني بن زايد عن الاستعدادات، وقال أنها سيرسل أسلحة نوعية، وبالفعل وصلت، وكانت رشاشات عبارة، عليها ختم الجيش الإماراتي، وصلت عن طريق جسر الملك فهد، عبر سيارات الديوان الأميري البحريني”.
السفير الأمريكي السابق في قطر:”جاءني اتصال الرابعة فجرا وأبلغت أن سمو الأمير يريد رؤيتي الآن، فذهبت إلى الديوان، وأخبرني الأمير أنه تم اكتشاف محاولة انقلاب وتم المباشرة في اعتقال المتورطين، أبلغني بذلك لأخبر حكومتي بالأمر”
أسرار مثيرة كشفها قادة المحاولة الانقلابية في قطر
عملية “أبو علي”
تم تحديد ساعة الصفر لبدء العملية الخامسة من فجر السادس عشر من فبراير/شباط 1996 الذي يتوافق مع ليلة 27 رمضان، حيث عنصر المفاجأة في فترة إجازة عيد الفطر، لكن دون سابق إنذار تم تقديم العملية يومين، لتصبح الثالثة من فجر الرابع عشر من فبراير/شباط، حسبما أشار المري الذي كشف أن الموعد الجديد جاء بناء على توجيه من دولة الإمارات للشيخ خليفة خشية أن تكشف العملية، وتم التجمع قرب مكينس على طريق سلوى، وبدأ تجمع ضباط الانقلاب في مكينس جنوب غرب الدوحة انتظار لساعة الصفر.
“أبو علي” كان الإسم الحركي لعملية تنفيذ مخطط الانقلاب، حيث تم توزيع الأوامر على المجموعات طبقا لمسئوليتها، وكانت العملية تتضمن السيطرة على القيادات، ثم التليفزيون، علاوة على شركة “كيوتل” الاتصالات ، حيث كانت من المقرر قطع الاتصالات عند ساعة الصفر.
العملية تضمنت تكليف إحدى المجموعات باقتحام منزل امير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بينما كانت هناك مجموعة أخرى في الخارج في انتظار أوامر الاشتباك والتدخل حال لزم الأمر، حسبما أورد المالكي في شهادته،بينما تم الدفع بملشيات قبلية لدعم القوات المتجمعة على الحدود السعودية.
الفيلم عرض خطابًا يتضمن موافقة أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيز ( الملك الحالي) لى طلب قدم له من أمير منطقة نجران، فهد بن خالد السديري، لنقل مجموعات قبلية محددة إلى المعسكرات الحدودية مع قطر، بصورة سرية، وصرف مستحقات لهم لدعم محاولة الشيخ خليفة بن حمد للعودة إلى الحكم.
وبعد ساعة الصفر المحددة، وتنفيذ العملية، تحدد الدور السعودي في السيطرة على منفذ أبو سمرة الحدودي وتحييده لفتح الطريق أمام قيادات الانقلاب من الضباط برفقة ميلشيات قبلية مدعومة بقوات باللواء الثامن السعودي القادم من الأحساء، فيما كانت قوة بحرينية خاصة محمولة جوا تستعد للانزال في منطقة دخان النفطية غرب الدوحة، تصحبها وحدة إذاعة متنقلة بناء على تعليمات حمد بن عيسى، كان هدفها بث تسجيل للشيخ خليفة بعد ساعة الصفر يطلب تدخل قوات درع الجزيرة لحفظ الأمن في قطر.
إماراتيًا.. فهناك لواء آلي إماراتي كان جاهزا للتدخل عند الحدود الإماراتية السعودية في ساعة الصفر، بخلاف سرب لطائرات حربية إماراتية ينتظر إشارة الانطلاق، وفي حال نجاح الانقلاب، كان سيدخل الشيخ خليفة يرافقه سرب طائرات إماراتية إلى قاعدة جوية ملاصقة للمطار، حسبما قال جابر المري.
إحباط المخطط
تناول الفيلم أنه بينما كان الجميع في انتظار ساعة الصفر، وقبل ساعتين تقريبًا من لحظة الانطلاق، أعلنت قطر حالة الطوارئ وتم استدعاء الضباط من إجازة العيد للالتحاق بمعسكراتهم، وأغلق المطار، ومنفذ ابو سمرة الحدودي، وتم تشديد الحماية على المنشآت المهمة في الدولة.
وعن هذا اليوم، يقول السفير الأمريكي في قطر: “جاءني اتصال الرابعة فجرا وأبلغت أن سمو الأمير يريد رؤيتي الآن، فذهبت إلى الديوان، وأخبرني سمو الأمير أنه تم اكتشاف محاولة انقلاب وتم المباشرة في اعتقال المتورطين، أبلغني بذلك لأخبر حكومتي بالأمر”.
“أبو علي” كان الإسم الحركي لعملية تنفيذ مخطط الانقلاب، حيث تم توزيع الأوامر على المجموعات طبقا لمسئوليتها
أما عن هوية من كشف المخطط، أشار المالكي أنه أحد العسكريين برتبة عريف، وعنه يقول “ثيروس”: ظهر شخص في اللحظات الأخيرة وقرر عدم المضي في الانقلاب، وذهب إلى الديوان وقال إنه طرف في عملية الانقلاب ولا يود المشاركة”، ليضيف في سؤاله عن مدى تأكده من مشاركة السعودية والإمارات والبحرين ومصر في الانقلاب: “لولا مساعدتهم لم تحدث تلك المحاولة”.
العميد في جهاز المخابرات القطرية، شاهين السليطي، كشف عن اعتقال 3 أو 4 متورطين في الانقلاب بعد فترة من إجهاضه، فيما أرسلت الخارجية الأمريكية بعد أقل من 24 ساعة على كشف هذا المخطط رسالة لدول مجلس التعاون مفادها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى في المنطقة، بحسب سفيرها في الدوحة.