مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية القادمة في تونس، المزمع إجراؤها في السادس من مايو المقبل، بدأت مخاوف التونسيين تتزايد من إمكانية تدخّل أطراف خارجية معروف عدائها للثورة التونسية، على رأسها دولة الإمارات العربية المتّحدة، للتأثير في مجرى هذه الانتخابات التاريخية والعمل على فوز أتباعهم أو افساد هذا العرس الانتخابي.
انتخابات محلية منتظرة
بعد سلسلة من التأجيلات المتكرّرة، لم يعد يفصل تونس سوى شهرين، عن موعدها الانتخابي الذي طال انتظاره. موعد انتخابي يعتبره محللون، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية في البلاد.
ذلك أن الدستور التونسي، ينص في فصل الـ131 ضمن الباب السابع منه على أن “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون“.
“للجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي”
من المنتظر أن تفرز هذه الانتخابات مجالس بلدية وجهوية، يراهن عليها التونسيين لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية، تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية، وتخفيف الضغط على الحكومة وتوسيع التجربة الديمقراطية التشاركية في البلاد، ما من شأنه أن يعود بالفائدة على الجميع.
فهذه الجماعات المحلية استنادًا إلى الفصل 132 من الدستور، “تتمتّع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقًا لمبدأ التدبير الحر، وللجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي”.
وكان من المقرر إجراء هذه الانتخابات التي طال انتظارها لتعزيز عملية الانتقال الديمقراطي، في الـ30 من شهر أكتوبر سنة 2016، ثم تأجلت إلى 26 من مارس 2017، ثم إلى 17 من ديسمبر من نفس السنة، تزامنًا مع ذكرى انطلاق الثورة، وتم تأجيلها إلى 25 من مارس 2018 نظرًا لأن البرلمان لم يوفق في سد الشغور الحاصل في هيئة الانتخابات بعد استقالة رئيسها وأعضاء منها، قبل أن تؤجل إلى الـ6 من مايو 2018، بناءً على طلب الأحزاب الكبرى.
عرقلة الانتخابات المحلية
أهمية هذه الانتخابات لا تكمن عن التونسيين فقط، بل عند بعض الدول الأجنبية التي تكنّ العداء للتجربة الديمقراطية التونسية أيضا، ذلك أن هذه الدول وعلى قلّتها تسعى إلى فرض أجندتها في مهد الربيع العربي، واجهاض هذه الانتخابات المنتظرة.
وكثيرا ما يؤكّد تونسيون سعي أطراف أجنبية بمساعدة أطراف أخرى داخلية عرقلة الانتخابات المحلية القادمة في البلاد، وفي هذا الشأن قال الأمين العام السابق لحركة النهضة ورئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض في تصريح لإذاعة تونسية محلية إن هناك أطرافا تسعى إلى عرقلة الانتخابات البلدية.
وأوضح العريض، أن هذه الأطراف هي التي ضغطت لتأجيل هذا الاستحقاق البلدي مرة أولى ثم مرة ثانية، ودائما تشكك فيها، وقال إنه من غير المعقول تأجيل الانتخابات لأن حزب سياسي لم ينهي بعد استعداداته لخوضها، متابعا “كلما اقتربنا بالانتخابات هناك من يريد تأجيلها لأنه غير مقتنع بها، ومتخوّف منها“.
يولي التونسيون أهمية كبيرة لهذه الانتخابات
تقدم حركة النهضة، الشريك في الائتلاف الحكومي وصاحب أكبر كتلة برلمانية، في جميع الدوائر الانتخابية بـ350 قائمة انتخابية، ما يجعلها في صدارة الأحزاب المترشحة للانتخابات. وجاء حزب حركة نداء تونس، الذي يقود الائتلاف الحكومي، في المركز الثاني بـ345 قائمة انتخابية، بعد أن رفضت الهيئة 5 قوائم له لعدم استيفائها الشروط القانونية.
بينما حلّ حزب التيار الديمقراطي كأول حزب معارض من حيث عدد القوائم الانتخابية بـ69 قائمة، ثم حركة مشروع تونس بـ67 قائمة، ثم حزب حراك تونس الإرادة بـ46 قائمة، كما يشارك الحزب الدستوري الحر، أبرز وريث لحزب التجمع الدستوري المنحل الذي حكم تونس قبل الثورة، بـ31 قائمة انتخابية. وبلغ عدد القوائم في نهاية المطاف 2068 قائمة تمثِّل أكثر من 53 ألف مرشح.
سعي إماراتي متكرّر
هذه الأطراف الخارجية التي تسعى لضرب الانتخابات المحلية التونسية، تأتي في مقدمتها دولة الإمارات العربية المتّحدة التي يُعرف عنها عدائها للاستثناء الديمقراطي التونسي، وسعيها المتواصل لضرب هذا الاستثناء واجهاضه مهما كلّفها الأمر، وإن كان حتى بإشعال حرب أهلية في البلاد.
رغم فشلهم في إلغاء هذه الانتخابات المحلية الأولى من نوعها بعد الثورة في تونس، أو تأجيلها مجددًا، حتى باختلاقهم العنف والفوضى وتصدير خطاب “عدم الاستقرار في البلاد”، وفشلهم في تصدير جبهاتهم الانتخابية الواجهة السياسية في البلاد، فإن الإماراتيين لم يرموا المنديل بعد، بل كثّفوا الجهود أكثر.
“الاتحاد المدني” هو عبارة عن تحالف سياسي ضم بعض من يدعون “الاستقلالية” و11 حزبًا سياسيًا
يترشّح وكلاء الإمارات في هذه الانتخابات في قائمات حزبية وائتلافية ومستقلة، أبرزها قائمات حزب “مشروع تونس” لصاحبه “محسن مرزوق” أحد أهم أذرع الإمارات السياسية في تونس، الذي انشق عن حركة “نداء تونس” بعد أن رفض قياديو الحزب الرضوخ للضغوط الإماراتية غداة نتيجة انتخابات أكتوبر وديسمبر 2014، وقائمات حزب “آفاق تونس” لقائده ياسين إبراهيم الذي برز مؤخرًا من خلال بث لخطاب يقوم على التفرقة بهدف إرباك الوضع العام في تونس بما يتماشى مع سياسة الإمارات في المنطقة وسعيها لإجهاض الثورات العربية.
فضلا عن قائمات حزب “الدستوري الحر” الذي تقوده عبير موسى التي كانت تشغل منصب أمين عام مساعد لحزب التجمع المنحل (حزب بن علي) قبل الثورة، إلى جانب القائمات الائتلافية لـ “الاتحاد المدني”، وهو عبارة عن تحالف سياسي ضم بعض من يدعون “الاستقلالية” و11 حزبًا سياسيًا التقوا حول أرضية سياسية مشتركة، قوامها خدمة المشروع الإماراتي “المشبوه” والنيل من ثورة تونس وإجهاضها مهما كلفهم الأمر.
ضرب حركة النهضة
ضمن مساعيها لضرب هذه الانتخابات، بدأ حكام الإمارات وعملائهم مؤخرا، في شراء الأصوات الانتخابية وشراء ذمم القائمين على الهيئات الفرعية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، خاصة في المناطق النائية التي يصعب المراقبة فيها، فضلاً عن العديد من الأساليب الأخرى من ذلك حملات التشويه ضد المرشحين والأحزاب الوطنية، على رأسها حركة النهضة.
فالغاية الأهم من هذا التدخّل الإماراتي في تونس، ضرب حركة النهضة، والإطاحة بيها قصد ابعادها عن حكم البلاد، وتؤكّد عديد التقارير الإعلامية استعداد الإمارات للقيام بأي عمل حتى تحول دون تثبيت حركة النهضة لأقدامها في الانتخابات البلدية، واقتسام الحكم المحلي مع شريكها في الحكم “نداء تونس”.
تتصدّر حركة النهضة المشهد السياسي في تونس
وفضلا عن تشويهها قصد ضربها وإفشالها في الفوز بهذا الاستحقاق، تعمل الإمارات على “اختراق البيت الداخلي لحركة النهضة على المستوى المركزي بما يضمن إثارة المشاكل والصدامات بين أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء المكتب المحيط بالشيخ راشد الغنوشي“.
وتتعلق هذه الانتخابات التي من المفترض أن يشارك فيها العسكريون وأفراد الأمن لأول مرة في تاريخ تونس، بانتخاب أعضاء المجالس البلدية في 350 دائرة بلدية، بينها 86 بلدية حديثة العهد، و24 مجلسًا جهويًا (تابعًا للمحافظة) موزعة على مختلف المحافظات، بمقاعد تزيد على 7 آلاف مقعد.