ترجمة وتحرير: نون بوست
مع اتخاذ الديمقراطية الغربية موقفا دفاعيا ضد أي انتقاد أو تهجم، يسعى رئيس الصين شي جين بينغ بعزم إلى تطوير نموذج جديد للحكم البشري في القرن الحادي والعشرين. ويرتكز هذا النموذج بالأساس على ديكتاتورية شخصية، تمثل كل من القومية ونظام رأسمالي تتحكم به الحكومة، بالإضافة إلى جهاز أمني مجهّز بتكنولوجيات متطورة، دعامتها الرئيسية. من هذا المنطلق، يتجلى بوضوح أنه لا يوجد أي مؤشرات للعمل نحو إرساء الديمقراطية أو حتى سيادة قانونية، بل بالعكس، يعمل الرئيس شي بشكل علني على الترويج لهذا النظام على اعتباره بديلا من شأنه “أن يكون خيارا جديدا لبلدان أخرى”.
من بين زعماء العالم الذين من المرجح أن يتبنوا هذا النوع من النظام الشمولي الجديد، رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، اللذان قاما بتعزيز قوتهما ومصالحهما الشخصية بالاستناد على مبدأ القومية. ومن المثير للاهتمام مشاهدة كليهما وهوما بصدد المشاركة في الاستحقاق الانتخابي هذا الشهر. ومن المؤكد أنها ليست بالانتخابات الفعلية بل أشبه بعمليات الاحتيال التي عرف بها “بوتيمكين”، التي من المنتظر أن تمنح هذين الرجلين القويين انتصارا ساحقا، وذلك يعزى في جزء منه إلى عملية استبعاد جميع الخصوم المحتمل فوزهم في الانتخابات.
لماذا يتكبد السيسي وبوتين عناء خوض الانتخابات من الأساس؟ يجيب لاري دايموند: “أظن أن الجواب واضح، ألا وهو مطلب الشرعية”
أما عنصر المفاجأة الوحيد الذي قد تتسم به الانتخابات الروسية في الثامن عشر من شهر آذار/مارس أو عملية الاقتراع في مصر التي ستعقد بعد عشرة أيام من ذلك التاريخ، فيتمثل في معدل الامتناع عن التصويت. فقد دعا معارضو كلا القائدين في روسيا ومصر إلى مقاطعة الانتخابات.
على الرغم من ذلك، يحيل هذا الأمر إلى أن كلا من بوتين والسيسي شعرا بأنهما مضطران للانخراط في ممارسة تجسد نوعا من الديمقراطية، بل والقيام بحملات انتخابية لكسب الأصوات. في هذا الصدد، بادر بوتين بأداء جولات في بعض المصانع. فضلا عن ذلك، ألقى بوتين يوم الخميس الماضي خطابا وطنيا ناريا يجسد النموذج الشعبوي الذي يتبناه. أما السيسي، فقد أطلق من جهته حملة عسكرية جديدة في شبه جزيرة سيناء، خلال الشهر الماضي، موجهة خصيصا حتى تكون مادة إعلامية دسمة. في الوقت ذاته، شن النائب العام المصري حملة واسعة، التي تكون دائما موجهة لتصيد أهداف معروفة، ضد وسائل الإعلام الأجنبية خلال الأسبوع الماضي.
يبقى السؤال المطروح، لماذا يتكبد السيسي وبوتين عناء خوض الانتخابات من الأساس؟ في هذا الصدد، أوضح لاري دايموند، الأستاذ في جامعة ستانفورد والخبير في مجال التوجهات الديمقراطية العالمية، قائلا: “أظن أن الجواب واضح، ألا وهو مطلب الشرعية”. وأضاف دايموند، أن “مبادئ الديمقراطية لا يزال لها صدى في الوقت الراهن، مما يجعل زعماء مثل السيسي وبوتين في حاجة لإثبات أنهم قد فازوا بانتخابات تنافسية ظاهريا، وأنهم يمثلون خيار الشعب”.
بطبيعة الحال، استهلت روسيا ومصر طريقهما نحو الحكم الاستبدادي في القرن الحادي والعشرين بشكل مغاير عن الصين. فقد شهدت كلا الدولتين انتخابات حرة في وقت من الأوقات. وقد نظمت انتخابات حرة في مصر في سنة 2011، أما بالنسبة لروسيا فقد كان ذلك في إطار أول انتخابات رئاسية خاضها بوتين في سنة 2000. من الواضح أنه ليس من السهل التخلي عن مثل هذا التقليد بشكل نهائي أو بين ليلة وضحاها، مما دفع كلا من بوتين والسيسي إلى اعتماد نهج تصاعدي، حيث عمدا بشكل تدريج إلى تقليص نطاق نشاط الأحزاب المعارضة، ومن ثم المجتمع المدني ووسائل الإعلام المؤثرة.
ضمن الرئيس الصيني شي جين بينغ حقه في ممارسة الحكم مدى الحياة من خلال التحرك لإلغاء قيد الولايتين المفروض على نيل المنصب الرئاسي في الصين، في حين لم يتجرأ أي من السيسي أو بوتين على اتخاذ هذا القرار
قبل أربع سنوات، سمح السيسي لمنافس حقيقي بالترشح أمامه في الانتخابات. وكان هذا الرجل هو اليساري حمدين صباحي. في المقابل، تعرض المرشحون الأربعة الآخرين، الذين يحتمل أن يمثلوا تهديدا للسيسي، على غرار ضابطين كبيرين سابقين، للسجن أو التهديد بمحاكمتهم بهدف إبعادهم عن الانتخابات.
من جهتها، زعمت أجهزة دعاية تابعة لبوتين أن الرئيس الروسي يحظى بتأييد ساحق في صفوف الروس، لكن القيصر الجديد لا يسمح لنفسه بأن يتم اختباره من خلال خوض منافسة حقيقية. وقبل عقد من الزمن، سُمح لرئيس المعارضة بوريس نيمتسوف، بتقديم أوراق ترشحه ضد نائب الرئيس بوتين، دميتري ميدفيديف. أما في الوقت الحالي، يرقد نيمتسوف تحت التراب، بعد أن تم اغتياله خارج الكرملين، في حين تم منع المنشق الأكثر شهرة في البلاد، أليكسي نافالني، من الإدلاء بصوته هذه السنة.
في المقابل، ضمن الرئيس الصيني شي جين بينغ حقه في ممارسة الحكم مدى الحياة من خلال التحرك لإلغاء قيد الولايتين المفروض على نيل المنصب الرئاسي في الصين، في حين لم يتجرأ أي من السيسي أو بوتين على اتخاذ هذا القرار. وبموجب ذلك، لن يكون بوتين قادرا على الترشح للانتخابات بعد انتهاء ولايته القادمة سنة 2024 بصفة رسمية. في الوقت ذاته، أفاد السيسي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بأنه لن يحاول تغيير القانون الذي يقضي بعدم تجاوز فترتين رئاسيتين، مما سيجبره على التخلي عن منصبه في سنة 2022.
من المرجح أن افتقار بوتين والسيسي للجرأة يمثل خير دليل على نظام الجزرة والعصا الذي يعتمده “شي”، حيث عمل الرئيس الصيني على إغراء شعبه من خلال الاقتصاد الذي لا يزال ينمو بقوة، جنبا إلى جنب مع جهاز الأمن الداخلي الذي يتبنى أدوات مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجه. في الوقت الحالي، توجد تقنية في الصين تسمح برصد عمليات خرق ركاب القطارات لقوانين ثانوية، ليتم معاقبتهم عن طريق خصم نقاط “الائتمان الاجتماعي”.
ما يعتمد بشكل فعلي في مصر وروسيا، يتم تطبيقه في آسيا الوسطى والقوقاز وأفريقيا
في واقع الأمر، من الصعب تخيل تحقيق مصر لقدر من الكفاءة التكنولوجية اللازمة الذي يسمح لها بفرض الرقابة الذاتية للمواطنين على المواطنين في أي وقت قريب. لكن عملاء بوتين يستطيعون تحقيق أمر مشابه، بيد أن ذلك سيساهم في الإخلال بالاتفاق الضمني بينه وبين الروسيين، الذي يقضي أن يتركهم يعيشون في كنف الحرية مقابل السلبية على المستوى السياسي. في الأثناء، يعجز كل من بوتين والسيسي على أن يقدما لشعبهما إمكانية تحسين مستواهم المعيشي بشكل مطرد.
تحيل هذه المعطيات إلى أن انتشار نموذج شي الدكتاتوري أمر صعب في أي وقت قريب على اعتباره بديلا شاملا للديمقراطية الليبرالية. في الأثناء، قد تكون القيم الليبرالية في تراجع في كافة أنحاء العالم، في حين تتخذ الديمقراطيات الراسخة موقفا دفاعيا، إلا أن جاذبية التصويت الشعبي لا تزال قوية بما فيه الكفاية، مما يجعل القطع معه أمرا مستعصيا حتى بالنسبة للبلدان التي تعتمد سياسات قمعية.
في هذا الصدد، أورد لاري دايموند أن ما يعتمد بشكل فعلي في مصر وروسيا، يتم تطبيقه في آسيا الوسطى والقوقاز وأفريقيا. وأضاف دايموند قائلا: “أعتقد أن الخبر السار يكمن في أنهم لا يزالون في حاجة للمشاركة في العرض ضمن الانتخابات، في حين أن الخبر السيئ يتمثل في كون هذا العرض أجوف ومزور على نحو متزايد. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنهم سيواصلون الإفلات بفعلتهم”.
المصدر: واشنطن بوست