مدينة عفرين في الشمال الغربي لسوريا وتتبع لمحافظة حلب إدارياً وهي ذات الغالبية الكردية، خرجت عن سيطرة قوات النظام السوري منذ خمس سنوات تقريباً، خلال توسع مناطق المعارضة السورية وسيطرتها على أجزاء من مدينة حلب وريفها، ورغم التعاون الحثيث الذي لا يزال بين ميليشيا الوحدات وقوات النظام السوري، حيث استلمت الميليشيات إدارة المنطقة وتسميتها مقاطعة عفرين ومن ذلك تحقيق حلمها في وصل منطقة عفرين بالحسكة والقامشلي في شمال شرق سوريا.
وبعد انحسار مناطق المعارضة أصبحت مدينة عفرين على مدى العامين الفائتين الممر التجاري الوحيد الذي يفصل مناطق درع الفرات عن مدينة إدلب وريف حلب الغربي، حيث وقعت عفرين صلة الوصل بين مدينة اعزاز شمال حلب ودارة عزة غرب حلب ثم إلى إدلب وأرياف حماة الخاضعين لسيطرت المعارضة، كما أنها كانت نقطة الوصل بين مناطق المعارضة ومناطق قوات النظام في حلب عبر اعزاز عفرين نبل والزهراء ثم حلب المدينة، الأمر الذي أكسب المدينة أهمية بالغة.
إضافة الأرباح التي كانت تتقاضاها ميليشيا الوحدات من خلال عبور المواد الغذائية التي كانت تدخل من معبر باب الهوى ثم تمر بعفرين لتصل مناطق درع الفرات، حيث كانت تأخذ الميليشيات أجر العبور بأراضيها ما يقارب 1500 دولارعلى السيارة الواحدة، وتتراوح الأجور حسب الحمولة التي بداخلها.
جابر عليوي أحد سائقي سيارات النقل، يعمل في تجارة المواد الغذائية، قال لنا: “كنت أحمل بضاعتي في سيارتي الزراعية التي تحمل 4 طن، عدة أنواع من المواد الغذائية من باب الهوى إلى إعزاز أدفع الأجور ما يقارب 1000 دولار أمريكي، أضيف تلك الأجور التي وقعت على عاتقي إلى البضاعة”، مما يزيد ارتفاع أسعارها في سوق درع الفرات، وهذا ما يعيق المدنيين وخصوصاً العائلات التي لا تملك ثمن عيشها.
كانت تتقاضى ميليشيا الوحدات أجوراً باهظة خلال عبور المواد الإسمنتية من مناطقها إلى إدلب، وكانت تلك المواد تدخل من تركيا عبر معبر باب السلامة
وأكد “في حال افتتح الطريق التجاري بين اعزاز وإدلب سيكون أمراً ايجاباً على السوق حيث ستنخفض أسعار المواد الغذائية جداً وتوفرها بكافة مناطق المعارضة”، وهذا ما يطمح إليه المدنيين الذين ليس بمقدورهم مقاومة الأسعار الباهظة، وسيخفف الثقل المعيشي على المواطن السوري في حلب، وفي الاونة الأخيرة بلغ سعر الكيلو غرام سكر 350 ليرة سورية، والرز بلغ سعره 500 ليرة سورية، في مناطق درع الفرات، حيث لا يمكن لضعيف الدخل والمتوسط، والعائلة المتكونة من 10 أفراد من شراء العديد من المواد الغذائية المستهلكة بشكل يومي.
فيما كانت تتقاضى ميليشيا الوحدات أجوراً باهظة خلال عبور المواد الإسمنتية من مناطقها إلى إدلب، وكانت تلك المواد تدخل من تركيا عبر معبر باب السلامة، ناهيك عن البضاعة التي كانت تستولي عليها الميليشيات وتصادرها وتسجن أصحابها، مما هيأ لها جواً مادياً للاستعداد العسكري في مناطقها.
لم يقف الأمر هنا فقط حتى أنها كانت تتقاضى أجوراً خلال عبو أشخاص مدنيين وعوائل عبر مناطق سيطرتها في عفرين، والذي كان يدر لها أرباحاً هائلة، فقد كان يدفع الشخص الواحد 2000 ليرة سورية، خلال دخوله وخلال خروجه من المدينة إن كان متجهاً إلى مناطق المعارضة في إدلب، أو مناطق قوات النظام بحلب، والحاجة للعبور أجبرت العديد من الناس للدفع وقضاء حوائجها، حيث كان يعبر المنطقة حوالي 1000 شخص بشكل يومي عدا الذين يأخذون ما يحتاجون من عفرين ويعودون إلى مناطقهم.
المحروقات والأرباح الهائلة
الاهتمام الزائد لميليشيا الوحدات في الشرق السوري كالحسكة والرقة ودير الزور، اللواتي يحوين أبار البترول، وتشتهر تلك المناطق في غناها الطبيعي، وهي مصدر اقتصادي للميليشيات من خلال بيعها ألاف البراميل لمناطق قوات النظام ومناطق المعارضة.
لم تقف أرباح الميليشيا هنا فقط بل وضعت حواجز على كل معبر بين منطقة وأخرى، تكسب من خلالها تغذية مالية تؤمن لها كافة احتياجات عسكرتها، من انشاء أنفاق ومعسكرات وحتى كانت دعم لها في شراء السلاح في عدة فترات.
تواجه مدينة إدلب أزمة في المحروقات بعد بدء عملية غصن الزيتون، وإغلاق المعبر من قبل قوات المعارضة من جهة، وميليشيا الوحدات من جهة أخرى
أبو مالك كان يخرج من أذان الفجر في شاحنته التي تحمل صهريج للمازوت، وهو ضمن طابور من عشرات الشاحنات متجهاً نحو معبر عون الدادت الفاصل بين مناطق المعارضة ومناطق ميليشيات الوحدات، يدفع خلال دخوله 200 دولار، ثم مدينة منبج مروراً بريف الرقة، حتى يصل أبار النفط، يملىْ حمولته، يدفع ما عليه ثم يتجه للعودة إلى مناطق المعارضة في درع الفرات، وقبل ذلك يدفع للميليشيا 10 دولار على البرميل الواحد ما يعادل 5000 ليرة سورية.
يقول أبو مالك: “كنت سابقاً قبل إغلاق معبر الشط المؤدي إلى عفرين أذهب إلى إدلب يصبح سعر البرميل الواحد بعد دفع الأتوات للجهات المختلفة في المنطقة ما يقارب 70 ألف ليرة، لكي تكفي أجار النقل الذي كلفني”، وهذا الأمر ما يضيق على المواطنين أكثر من خلال ارتفاع أسعار المحروقات خاصة في إدلب وريفها وريف حلب الغربي، حيث اتجهت العديد من العوائل في المنطقة إلى استخدام الحطب بديلاً عن المازوت للتدفئة في الشتاء.
ويضيف: “الآن أغلق المعبر، الذي كنت أمر به من مدينة عفرين ثم ريف إدلب، وكما أنني سمعت أن قوات المعارضة فتحت طريقاً برياً إلى إدلب”، وفي حال استخدم الطريق تجارياً سيكون الأمر أبسط على المواطن، والأهالي في تلك المناطق”.
كما تواجه مدينة إدلب أزمة في المحروقات بعد بدء عملية غصن الزيتون، وإغلاق المعبر من قبل قوات المعارضة من جهة، وميليشيا الوحدات من جهة أخرى، حيث يعاني الأهالي من نقص المحروقات في المنطقة وصعوبة إيجاد الحل فأصبح يعتمدون على الحطب بعدما كان الكاز محط استخدامهم في الطبخ وهو بديل الغاز، بينما المعبر الذي يفصل مدينة منبج عن مناطق درع الفرات لا يزال مفتوحاً أمام التبادل التجاري بين مناطق القوتين المسيطرتين.
واعتبرت مدينة عفرين في بدايات انطلاقة الثورة السورية مركز استقطاب للتجار الحلبيين والميسورين الحال في حلب، من نقل مصانعهم وبضائعهم إلى المدينة لأنها اكتسبت أمناً فائقاً، من خلال عدم تعرضها للقصف الجوي أو المدفعي من قوات النظام السوري طوال سنوات الثورة، بينما كانت مناطق قوات المعارضة تشهد تصعيداً جوياً ومدفعي بشكل يومي خلف ذلك آلاف الشهداء والجرحى والنازحين الذين امتلأت بهم كافة الحدود السورية وخارجها إضافة لدمار البنية التحتية والسكنية.
عدا الزخم السكاني الذي عجت به عفرين فأصبحت وجهة القاصي والداني ناهيك أنها مركز الصناعات، حيث نقلت معامل النسيج والبلاستك وغيرها إلى المدينة، وهي مقصد الكثيرين لافتقاد مناطق المعارضة لذلك الآمن الذي حظيت به المدينة وحتى أنها أصبحت وجهة التجار من مناطق المعارضة، إضافة إلى مساعدة قوات النظام في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين اللتان كانتا تحت حصار من قوات المعارضة.
المعامل والمصانع في مدينة عفرين قد توفر متسع هائل للأيدي العاملة، ويصبح لدى الكثيرين مصدر رزق، بعدما فقدوا عملهم لعدة سنوات، وهذا الأمر سيعكس أمراً إيجابياً في المناطق المحررة
وبعد سيطرة الميليشيات واطباق الحصار على مدن مارع واعزاز، ومن الجهة الأخرى كان تنظيم “داعش” يشن أقوى الحملات للسيطرة على مدينتي مارع واعزاز، وإجهاض العارضة في الشمال، ولكن التدخل التركي أوقف تمدد اللونين الأصفر من جهة والأسود من جهة أخرى اللذان سيبنيان دولة على حساب الشعب السوري الحر.
وإذا افتتح الطريق ما بين مناطق المعارضة في إدلب درع الفرات، تجارياً مما سيدر أرباحاً على التجار في المنطقتين، لأنهم كانوا يدفعون مبالغ هائلة خلال تيسير أمور بضائعهم، وهذا سينهض الاقتصاد في المناطق المحررة، ورخص البضائع من خلال الأجور التي كانت تتقاضها الميليشيات من معابرها، وهذا قد يخفف العبء الكبير على المدني الذي لا يمكنه تأمين احتياجاته في ظل أسعار خيالية تضج بها الأسواق.
كما أن المعامل والمصانع في مدينة عفرين قد توفر متسع هائل للأيدي العاملة، ويصبح لدى الكثيرين مصدر رزق، بعدما فقدوا عملهم لعدة سنوات، وهذا الأمر سيعكس أمراً إيجابياً في المناطق المحررة، لأنها افتقدت للصناعة والتجارة، والمنشآت التي يمكنها رفع الجانب الاقتصادي بالمنطقة، وسيفتح الباب أمام الكثيرين للعمل على نطاق أوسع.