أفرزت الانتخابات التشريعية التي أقيمت في إيطاليا أول أمس الأحد تغييرات كبيرة في توازن القوى على الساحة السياسية، حيث تصدّرت أحزاب اليمين الشعبوي واليمين المتطرّف النتائج وفازت بأغلبية الأصوات، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على سياسة البلاد الداخلية والخارجية، من ذلك ما يتعلّق بموضوع الهجرة واللجوء.
“اليمين واليمين المتطرّف” يتصدّر المشهد
حصل تحالف “اليمين واليمين المتطرّف” والذي يتزعمه رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو بيرلسكوني على 37.30٪ من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية في إيطاليا، وانتخابات مقاعد مجلس الشيوخ الإيطالي.
ويتكوّن تحالف “اليمين واليمين المتطرّف”، من 3 تيارات وأحزاب سياسية هي “إيطاليا إلى الأمام” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني، و”رابطة الشمال” اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة والتي يقودها ماتيو سالفيني، وحزب “أخوة إيطاليا” بقيادة الصحافية والوزيرة السابقة في حكومة بيرلسكوني، جورجيا ميلوني.
عرفت هذه الانتخابات خسارة “الحزب الديمقراطي” الحاكم (يسار الوسط) أمام أحزاب اليمين الشعبوي
بالتدقيق في توزيع الأصوات داخل هذا التحالف، يتبين أن حزب سالفيني المشكك في الاتحاد الأوروبي والمعادي للهجرة والقريب من حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي، هو الذي يتقدم على حزب برلوسكوني، ما دفع سالفيني إلى المطالبة بتولي رئاسة الحكومة، حيث قال سالفيني عقب اعلان النتائج: “أنا شخص يحترم كلمته والالتزام الذي اتخذ داخل التحالف هو: من يتصدر يحكم”.
في حين حصدت حركة “خمس نجوم” 32.54٪ من الأصوات منفردةً ومن دون أي تحالف مع تيارات وقوى سياسية، ما يضعها في صدارة نتائج الاقتراع وفي مقدمة أحزاب البرلمان. وتأسست هذه الحركة في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2009، في سياق بزوغ نجم العديد من الحركات المتمردة على الوضع السياسي العام، والرافضة للسياسات المحلية، والتي تعادي أيضا الطبقة السياسية التقليدية، ولا تتردد في وصفها بـ”الفاسدة”.
تسعى أحزاب “تحالف “اليمين واليمين المتطرّف” إلى قيادة البلاد
إلى جانب ذلك، عرفت هذه الانتخابات خسارة “الحزب الديمقراطي” الحاكم (يسار الوسط) أمام أحزاب اليمين الشعبوي وحصوله فقط على نسبة 18.7٪ من الأصوات، في حين حصلت باقي القوى المشاركة على أقل من 20٪. ودفعت نتائج الانتخابات رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماتيو رينزي، لإعلان استقالته أمس الاثنين من رئاسة الحزب الديمقراطي.
معاداة للهجرة والمهاجرين
من أسباب هذه النتائج حسب عدد من المراقبين، الخطاب المعادي للهجرة والمهاجرين الذي اتبعته بعض هذه الأحزاب، خاصة المكوّنة لتحالف “اليمين واليمين المتطرّف”، فهذا الخطاب المتطرّف ساهمت في زيادة حظوظ اليمين في النجاح على حساب تيارات وأحزاب يسارية ووسطية لم تحصل على نتائج مهمة في هذه الانتخابات.
فخلال الحملة الانتخابية، هدّد برلسكوني بترحيل عدد كبير من المهاجرين، قائلاً “إنّ الهجرة أصبحت مسألة ملّحة لأن هناك 600 ألف مهاجر ليس لديهم الحق في البقاء بعد سنوات مع الحكومة اليسارية، بينما يعتبرها اليمين أولوية مطلقة لاستعادة السيطرة على الوضع”، ووصف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق المهاجرين بـ”القنبلة الاجتماعية”.
كشف حادث إطلاق النار من قبل شاب إيطالي في ماشيراتا، على مهاجرين أفارقة، بداية شهر فبراير الماضي، عن مواقف برلسكوني وحلفائه من الهجرة
بينما طالب حليفه حزب “عصبة الشمال” على لسان رئيسه ماتيو سالفيني الذي يسعى للتحالف مع الأحزاب المعارضة للهجرة، والمعروف بنزعته العنصرية وكرهه للإسلام، بـ “طرد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من كل إيطاليا”. كما أكّد رفضه منح الجنسية لأبناء غير المولودين في إيطاليا.
ودعا سالفيني إلى مواجهة “أسلمة إيطاليا” وإغلاق نحو 800 مسجد، محذرًا من نموذج المحاكم الشرعية التي صارت بديلا للقانون المدني في المملكة المتحدة. وفي بداية حملته الانتخابية قال زعيم حزب رابطة الشمال الإيطالي اليميني المتطرف، إن الاسلام لا ينسجم مع القيم الإيطالية والحريات. ويبلغ عدد المسلمين في إيطاليا 1.613 مليون نسمة، من أصل 60.6 ملايين، يحمل 150 ألفًا منهم الجنسية الإيطالية، فيما يتمتع الباقون بإقامات قانونية.
يعامل المهاجرون في إيطاليا بعنصرية
فيما يدعو برنامج حزب “أخوة إيطاليا” إلى وقف عمليات البحث عن المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط وانقاذهم، ووضع حد لبرنامج الحماية المقدم لطالبي اللجوء وإعادة المهاجرين غير النظاميين إلى وطنهم.
وقبل ذلك، كشف حادث إطلاق النار من قبل شاب إيطالي في ماشيراتا، وسط البلاد، على مهاجرين أفارقة، بداية شهر فبراير الماضي، عن مواقف برلسكوني وحلفائه من الهجرة، فقد قال رئيس الوزراء السابق إنه “عمل كان متوقعاً نتيجة حدود إيطاليا المفتوحة”، معتبراً أن الهجرة أكبر مشاكل إيطاليا “فهي قنبلة اجتماعية يمكن أن تنفجر في أية لحظة“.
أما زعيم “الرابطة”، ماتيو سالفيني، فرأى أنه “يجب النظر للحدث في ماشيراتا على أنه صادر عن رجل غير مستقر المشاعر وكردة فعل على الهجرة غير المنضبطة”. وأضاف أن “أحزاب اليسار مسؤولة عن ذلك، فهي تريد استبدال الإيطاليين بالمهاجرين، لأنهم يحتاجون إلى عمال عبيد”.
الاستعداد لكل السيناريوهات
هذا الخطاب المعادي للهجرة، الذي يروّج له أحزاب “اليمين واليمين المتطرّف”، الفائزة في الانتخابات الإيطالية، من شأنه أن يثير قلق المهاجرين النظاميين وغير النظاميين على حدّ السواء، فضلا عن المسؤولين الأوروبين، حيث قال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، في علاقة بنتائج الانتخابات الإيطالية، “علينا التحضر لأسوأ السيناريوهات”.
وخلال سنة 2017، بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا بحرا أكثر من 119 ألف شخص، مقابل 181 ألفا في 2016، واستنادا إلى معطيات وزارة الداخلية، فقد تم في عام 2017 ترحيل ستة آلاف و340 أجنبيا لمخالفات تتعلق بالإقامة.
ينظر إلى المهاجرين في إيطاليا، على أنهم السبب المباشر لخطر وقوع هجمات إرهابية
وفي فبراير/شباط 2017، وقّعت إيطاليا على اتفاقية مع الحكومة الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس لوضع تدابير للحد من سفر اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، وتعهّدت إيطاليا في هذه الاتفاقية بتقديم مساعدات وعتاد وتدريب مقابل أن تساعدها هذه الحكومة في التصدي لتهريب البشر؛ وأقر الاتحاد الأوروبي هذه الاتفاقية.
وينظر إلى المهاجرين في إيطاليا، على أنهم السبب الرئيس وراء إطالة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد التي تحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات منطقة اليورو، والسبب المباشر لخطر وقوع هجمات إرهابية، على الرغم من أن الهجوم الوحيد الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه مجزرة حقيقية، كان قد ارتكبه إيطالي ضد الأجانب.