لقيني صديقي بعد غياب طويل، وأطربني بنجاحاته المشرّفة، وقال لي بعد زفرة أيقظت الشمس من سباتها: “واصل كفاحك يا صديقي! أنت فقط من ربت على كتفي قديمًا، والمرء ينحت طريقه بين الصخور، إياك أن تُخدع بوعدٍ من مسؤول! الوعود العذبة لا تنتهي، وتتوالى كالموج يصافح الشاطئ ثم يتولى عنه سريعًا”.
واصل صديقي حديثه بنبرة حزينة وقد أطرق طويلًا: “لقد قابلت العديد ممن ناموا على جسر الوعود؛ فتآكلت أعمارهم وتهاوت عزائمهم قبل أن تُنجز لهم الوعود المعسولة، لك أن تتصور رجلًا في طوقه أن يبني قصرًا منيفًا، ثم يأتيه من يعده بالمساعدة بأحدث الوسائل التكنولوجية والعلمية؛ فيركن الأول للمساعدة وينزف عمره تحت أقدام عقارب الساعة، ثم يلحق بقطار الراحلين دون أن يضع لبنةً واحدة في قصره المنشود”! ثم صوّب نظره نحوي مبتسمًا وهو يستطرد: أتدري ما الشيء المشترك بيننا؟ وقبل أن أجيبه تعالت ضحكاته وهو يردد: لسنا ممن يتكلون على الوعود! هذه السمة المشتركة بيننا، ولذلك نسمع الوعود وكأنها لم تكن.
سألت صديقي: وهل تظن أننا على صواب؟ اندفعت كلمة قطعًا من أعماقه، ثم صمت قليلًا ومرر يده على شعره وأغرورقت عيناه بالدموع، واختلطت كلماته بالبكاء: لقد ضاع عمري وأنا أنتظر أن يساعدني أحدهم، وكلما التقينا نفث في قلبي شيئًا من الأمل، ووعدني وعد المستوثق المطمئن، ثم يذوب كملح الأرض، قطعت أشواطًا من عمري في المنى والوهم، حتى كرهت الانتظار وسئمت الوعود؛ فأخذت على نفسي عهدًا أن أبدأ طريقي معتمدًا على نفسي، في الفترة التي غبت فيها أنجزت الكثير، وحققت بعضًا من أحلامي، ومع ذلك يا صديقي يعتصر قلبي كمدًا لما ضاع من عمري في الانتظار.
الواقع أن الناس ليست مجبرة على مساعدتنا، فمن يبني قصورًا من الرمال هو فقط من يخسر؛ فلا تعتمد على الناس لأن المشاغل الحياتية لا تنقطع، وابحث عن فرصتك بنفسك
إن كبسولة وهمٍ تلقيها غير آبه في جوف أحدهم، وجرعة أملٍ زائف تغازل بها بعضهم، ومجاملة رخيصة ترمي بها من يتلمس الطريق، لا تختلف عن صخرة تجثم على صدره، المؤمنون عند وعودهم؛ فالوعد سحابٌ ولا خير في سحابٍ لا يُمطر، كم ضاعت من أعمار تنتظر تحقيق الوعود! وكم استنزفت من أعمار وهي تترقب المساعدة.
وبينما أدور في فلك التأمل، إذا بصديقي يشدُّ على يدي ويقول: بالأمس القريب قابلت أحد هؤلاء الذين أمطروني بوعودهم، ثم قال لي بالحرف: موضوعك على بالي! فقلت له: جزاك الله عني خيرًا! قضى حاجتي من هو أكرم منك، فسألني وقد أظلم وجهه: لِما تسرعت؟ ومن يكون هذا؟ فقلت: الله! فقال لي: كنت على يقين بأنك ستنجح في مشوارك، ثم ابتسم ابتسامة فاترة لا حياة فيها وهو يقول: ما رأيك لو نأخذ صورة سيلفي! بعدها بساعات نشر الصورة على مواقع التواصل وكتب تحتها: “سيلفي الفتى الألمعي”.
الواقع أن الناس ليست مجبرة على مساعدتنا، فمن يبني قصورًا من الرمال هو فقط من يخسر؛ فلا تعتمد على الناس لأن المشاغل الحياتية لا تنقطع، وابحث عن فرصتك بنفسك، وقال أجدادنا “احضر أردبك يزيد”، وقالوا: “اللي ولِّد معزته جابت اتنين”، ليس من العدل أن نحاسب الناس على ما ضيعناه من أعمارنا، فإن الفرصة لن تطرق بابنا مطلقًا ونحن نيام، وعلينا أن نتحين الفرص وأن نقتنصها، ليس صحيحًا أن كل من نجح قد دفعه بعضهم للأمام، فالكثرة الكاثرة من الناجحين شقوا طريقهم بمفردهم وعرفهم الناس بالعصاميين.
أن يساعدك مسؤول في موقع أو موقف فهذا بتوفيق الله، ولكن قبل أن يوجد المصعد الكهربائي؛ فإن السلم موجود وإن كان ارتقاء السلم مضنيًا؛ فالنتيجة تستأهل العناء أيها الفتى الألمعي.