في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تشهدها سوريا وذلك بعد 7 سنوات من الحرب الدائرة بين أطراف الصراع المتعددة، فإن عددًا كبيرًا من الشباب السوري، غادر بلاده بحثًا عن فرصة أفضل للعمل، بينما لم يستطع الآلاف منهم مغادرة سوريا واضطروا للبحث عن عمل في الداخل متحدين الواقع الاقتصادي الصعب والمرير.
هذا وقد بلغت نسبة البطالة قبيل الثورة السورية 8.6% حسب إحصاءات رسمية للنظام السوري صدرت عام 2010، إلا أن النسبة تجاوزت 60% بعد سنين من الحرب القائمة في البلاد ونزوح الملايين من أماكن إقامتهم وتركهم لمصالحهم وأعمالهم التي كانوا يزاولونها.
ويتحمل نظام الأسد المسؤولية عن توقف كثير من الأعمال بسبب قصفه للمصانع وتعطيلها بشكل كامل في مناطق سيطرة المعارضة، يُضاف إلى ذلك استئثاره بقطاعات الدولة ومؤسساتها المختلفة، واشتراطه على من يريد الحصول على وظيفة الوجود في مناطق سيطرته وهو شيء يكاد يكون مستحيلًا للشباب الذين هم في جلهم مطلوبون للخدمة العسكرية الاحتياطية.
كما أدت الأوضاع الاستثنائية الصعبة إلى هجرة أصحاب رؤوس الأموال ونقلهم لمشاريعهم التجارية إلى خارج سوريا تاركين وراءهم آلاف العاطلين عن العمل الذين لا يجدون فرصة عمل لندرة الطلب على اليد العاملة مع توقف المشاريع الاستثمارية الكبرى.
يرى أحمد سعد وهو طالب في كلية الشريعة منقطع عن دراسته، وهو كذلك باحث عن عمل، أن المشكلة الأساسية هي الاكتظاظ السكاني الكبير والتجمعات الكبيرة في مناطق الشمال السوري مع قلة المشاريع التجارية أو الصناعية، مما يعني قلة فرص العمل مع وجود أعداد كبيرة من الباحثين عنه، وإن وُجد عمل ففي المجال الحرفي كأعمال النجارة والحدادة وتمديدات الكهرباء والمياه، وهي أعمال لا يتقاضى فيها العامل العادي أكثر من ألفي ليرة سورية يوميًا، أي ما يعادل 100 دولار أمريكي شهريًا، وهذا المبلغ لا يكفي للمصاريف الشهرية وإيجارات السكن الذي ارتفع بدوره كثيرًا مع حركة النزوح الواسعة التي يشهدها الداخل السوري.
يُجبَر بعض الشباب الجامعي على مزاولة مهنة لا تناسب مجال دراسته ومن هؤلاء الشاب أحمد العلي الذي يعمل الآن في صيانة كهرباء السيارات رغم أنه طالب في كلية الاقتصاد
أما الشباب الجامعي أو الذين لا يرغبون في العمل كحرفيين يضيف سعد: “هؤلاء يحاولون الحصول على وظيفة ضمن جمعية خيرية أو منظمة إنسانية لغياب مؤسسات الدولة، ولكن للأسف غالب المنظمات والجمعيات هذه قائمة على أساس المحسوبيات، فمثلًا قام مدير إحدى المنظمات التي أعرفها، بتشغيل أكثر من 15 موظفًا من أقاربه وأفراد عائلته، ومنهم من لا يحمل الشهادة الإعدادية وكلهم يتقاضون رواتب شهرية تصل إلى 500 دولار أمريكي”.
نعم إن مبدأ المحسوبيات المستشري في جميع المؤسسات والهيئات التي توفر وظائف تناسب فئة الشباب المثقف والمتعلم، من أكبر العوائق أمام الباحثين عن العمل من ذوي الكفاءات الذي يمنعهم من ولوج سوق العمل.
يقول محمد حافظ وهو خريج جامعي وموظف سابق في منظمة ميرسي كوربس الأمريكية: “أنهت منظمة ميرسي عملها بسوريا بعد قرار الحكومة التركية إلغاء تصريح عمل مكتبها الرئيسي في تركيا بداية مارس/آذار من العام الماضي 2017، وبدأت رحلة البحث عن عمل جديد، وأنا صاحب خبرة جيدة في العمل اللوجستي وإدارة الموارد البشرية، وقمت بمقابلة عمل مؤخرًا في إحدى المؤسسات التابعة للحكومة المؤقتة في مدينة إعزاز بريف حلب وتفاءلت خيرًا، إلا أنه تبين لي أن مقابلة العمل كانت شكلية والتوظيف يتم حسب الواسطات والمحسوبيات لا غير”.
أما عبد الرحيم قاسم وهو شاب من بلدة سرمدا بريف إدلب وهو طالب في كلية الحقوق فيحدثنا عن تجربته: “أبحث منذ عدة أشهر عن عمل يناسبني وقد قصدت عدة منظمات إنسانية لكن اكتشفت أنه لا يمكن الحصول على عمل إلا إذا كان لدي واسطة، كأن ألجأ إلى قائد فصيل أو قاضي أو أن أكون من المقربين من مدير المنظمة، وفي ظل غياب الواسطة فإنه يكاد يكون مستحيلًا الحصول على وظيفة ولو كان لدى المرء شهادات عليا وخبرات عملية واسعة، كما تقصدت كثيرًا من مجموعات التوظيف على الإنترنت وأرسلت سيرتي الذاتية لكثير من إعلانات التوظيف ولكن دون جدوى فلم أتلقَ أي رد”.
تحاول بعض المنظمات الإنسانية توفير فرص عمل في المجال الخدمي والتعليمي من خلال مشروع “المال مقابل العمل” الذي يتم بالتعاون مع المجالس المحلية
ويُجبَر بعض الشباب الجامعي على مزاولة مهنة لا تناسب مجال دراسته ومن هؤلاء الشاب أحمد العلي الذي يعمل الآن في صيانة كهرباء السيارات رغم أنه طالب في كلية الاقتصاد، يقول أحمد: “وصلت إلى السنة الرابعة في دراستي الجامعية ولكن مع بداية الثورة السورية ومشاركتنا في الحراك الثوري لم يعد بإمكاني متابعة التعليم، فعملت مع والدي في صيانة كهرباء السيارات وبعد سنوات من العمل تزوجت وصار لدي أولاد، ففتحت محلًا للصيانة خاصًا بي كي أستطيع إعالة أسرتي وتأمين ما يلزمهم من احتياجات يومية.
وأتمنى أن أُكمل دراستي فقد أحببت دراسة علوم الاقتصاد وإدارة الأعمال ولعل الظروف في المستقبل تسمح لي بمتابعة التعليم والحصول على الشهادة الجامعية”.
وتحاول بعض المنظمات الإنسانية توفير فرص عمل في المجال الخدمي والتعليمي من خلال مشروع “المال مقابل العمل” الذي يتم بالتعاون مع المجالس المحلية، وفي هذا السياق يُحدثنا أحمد خطيب منسق سابق في قسم المال مقابل العمل في منظمة بيبل إن نيد: “تحاول بعض المنظمات تأمين فرص عمل مقابل أجر شهري، وهو ما عملنا عليه في منظمة بيبل إن نيد ضمن مشروع المال مقابل العمل، إلا أن هذا المشروع يؤمن فرصة عمل لمدة مؤقتة؛ حيث يتم التعاقد مع العامل لمدة 3 أشهر قابلة للتجديد، وبسبب إشكاليات حصلت في المنظمة تم إيقاف المشروع فجأة ليجد 1150 موظفًا وموظفة نفسهم عاطلون عن العمل في ريفي حلب وإدلب”.
فما الحل الجذري لمشكلة البطالة في سوريا، مع فشل المنظمات الإنسانية في تقديم حلول ناجعة لهذه المشكلة وغياب مؤسسات الدولة القادرة على تأمين فرص عمل لشريحة كبيرة من المجتمع السوري؟
لا شك أن الحل يتمثل في إعادة الاستقرار إلى سوريا على جميع المستويات والصعد وإيجاد أجواء آمنة للاستثمار وتشجيع التجار وأصحاب الأموال للعودة إلى بلدهم وافتتاح مشاريع تجارية وتنموية قادرة على استيعاب العدد الهائل من العاطلين عن العمل، كما لا بد من إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوفير وظائف لأصحاب الشهادات بعيدًا عن المحسوبيات، وإعطاء الأولوية لذوي الكفاءات الذين سيساهمون في بناء مجتمعهم ونهضته على جميع المستويات.