لا تكف وسائل الإعلام عن نقل صور الموت والهدم في قطاع غزة، فهذه الأخبار لا يمكنها أن تنكر الواقع المرير الذي يعيشه أهالي هذه المدينة منذ سنوات طويلة لا تنتهي، فلم تترك جرائم الاحتلال والحروب المتتالية والحصار وإغلاق المعبر المستمر والانقسام المهلك فرصة لهذا المكان لينتعش أو يرينا الجانب المشرق منه ويعرفنا على تاريخه العريق الذي تسابقت العديد من الحضارات القديمة كالفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين والعثمانيين، في إثرائها تاريخيًا وتراثيًا.
حيث توجد فيها بعض أهم المعالم التاريخية التي وثقت أسماء شخصيات بارزة في تلك الحقبة، كما اختلف اسمها باختلاف الأمم التي صارعت على حكمها، فمثلًا أطلق الفراعنة عليها اسم “غزاتو”، أما الكنعانيون اختاروا اسم “هزاتي”، والآشوريون واليونانيون أسموها “عزاتي” و”فازا”، والصليبيون أسموها “غادرز”، وغيرها الكثير من الأسماء.
لا تبشر المستجدات الحاليّة بأي بصيص أمل قد يشفي أهالي غزة مما فقدوه أو يوعدهم بمستقبل أفضل، لكن بعيدًا عن السياسة والحقائق البشعة سوف نعرض أهم الأماكن السياحية والتاريخية التي يمكن زيارتها في غزة لو لم تكن تحت الحصار.
المسجد العمري الكبير
يقع الجامع الكبير في حي الدرج في البلدة القديمة وتبلغ مساحته نحو 44.132 قدم مربعة، فهو يتسع لنحو ثلاثة آلاف مصل، ويضم في طابقه الأول قاعة رئيسية للصلاة ومصلى للنساء، أما طابقه العلوي ففيه مدرسة لتعليم القرآن الكريم، بينما يحتوي الطابق السفلي على قاعة استقبال، وقاعة أثرية يتعدى عمرها ألفي عام مجهزة لتكون متحفًا إسلاميًا، بالإضافة لاحتوائه على ثالث أكبر مكتبة إسلامية في فلسطين، فالمكتبة فيها 132 مخطوطة، تعود أقدمها لسنة 920 هجريًا، بالإضافة إلى مجموعة من الدواوين النادرة مثل ديوان الغزي ابن قزاعة.
حمام السمرة
يرتاد هذا الحمام كل من الرجال والنساء لكن بشكل منفصل ودوري، فالفترة الصباحية والمسائية مخصصة للرجال، وفترة الظهيرة للنساء، ويزوره الناس عادةً للتخلص من متاعب وضغوط الحياة اليومية، أو احتفالًا في المناسبات الاجتماعية مثل الزواج.
ويتكون الحمام من سرداب طويل يهبط بك من الخارج إلى أرضية الحمام التي تقابلها ساحة مفتوحة مزينة بقبة فيها فراغات وفتحات مستديرة مزينة بالزجاج الملون الذي يسمح للضوء بالنفاد، ينتقل منها الشخص إلى الغرفة الدافئة التي تهيئه للدخول إلى المغطس الساخن، وهو عبارة عن حوض صغير من الماء الساخن، تتراوح درجة حرارته بين 40 و50 درجة مئوية.
فهذا الحمام يضمن حصول الزائر على أوقات لطيفة من الاسترخاء والاستجمام، علاوة على الاستفادة من فوائده الطبية مثل تنشيط الدورة الدموية وعلاج التقلصات العضلية وتنظيف الجسد من الشوائب داخل أقدم الحمامات في المدينة.
سوق القيسارية
يعرف أن السوق مر بمراحل وتحولات تاريخية مختلفة، ففي البداية كان إسطبلاً لخيول الجنود، ومن ثم تحول إلى مركز لبيع ودمغ الجلود وبيع وحياكة الأحذية، إلى أن أصبح مركزًا لتداول وبيع وشراء الذهب وموقع لصرف العملات، بعد هجرة الفلسطينيين من قراهم وبلادهم بعد النكبة، حتى تضاعف عدد محال بيع الذهب وازدادت قيمة السوق التراثية مع تدفق حركة البضائع والناس إليه، لكن الوضع الاقتصادي الأخير أثر سلبيًا على نشاطه التجاري، لكن لا تزال ممراته الضيقة وأجوائه الحيوية فرصة للتعرف على الحياة الشعبية لهذا البلد.
قصر الباشا
قديمًا، كان القصر يضم مباني أخرى مثل مبنى الحريم أو الحرملك ومسجد خاص بالقصر، إضافة إلى حجرة ضيقة تحت الأرض، كانت تستخدم كسجن للنساء في العهد اليوناني، ومن خلال نفس البوابة درج إلى أسفل القبو يوجد سجن للرجال، وفي كلا المكانين شبابيك بنيت بغرض إدخال ضوء الشمس إلى الحجر.
أكثر ما يتميز به القصر هو واجهاته المليئة بالزخارف والأسود المتقابلة على البوابة وهي الشعار الخاص بالدولة المملوكية وبالأخص بالظاهر بيبرس التي كانت تسمى بـ”رنك بيبرس” آنذاك.
ويتكون الطابق الأول، من ثلاث غرف خصصت لاستقبال زائري الحاكم، وعند الانتقال إلى الطابق الثاني المكون من غرفتين عبر درج خارجي نجد الغرفة الكبرى وهي ديوان الحكم، حيث يجلس الأمير ومن حوله حاشيته ورعاياه، ومنها درج إلى أعلى سطح المبني يطل على مدينة غزة بالكامل عبر درج رخامي ومن فوقه قبة مخروطية جميلة، أما الغرفة الأخرى فقد كانت تخصص لاستراحته.
أما في الجهة الجنوبية المقابلة للمبني الرئيسي فيقع المبنى الثاني بالقصر الذي كان مخصصًا للحرس والعسكر، ويتكون من غرفتين وسطح، يسمح بالإطلال على المكان المجاور للمراقبة، وبه غرفة أخرى خصصت كسجن أيضًا، وتدل الدراسات التي أجريت أن هناك قبوًا أسفل هذا المبني اندثر مع الزمن وغطي بالأتربة والطريق، ويحتاج إلى إعادة ترميم لأنه بالتأكيد يحتوي على الكنوز الأثرية التي يمكنها أن تضيف قيمة تاريخية جديدة على هذا المكان.
أما قاعة يافا، فتحتوي على الآثار الرومانية التي شكلت الفخاريات الجزء الأكبر منها، وبجوارها تقع قاعة القدس التي احتوت على الآثار في العصور الإسلامية على اختلاف الممالك والولايات الحاكمة، وفي الطابق العلوي، تقع قاعة عكا التي تعتبر بانوراما المتحف حيث تتنوع معروضاتها بدءًا من العصر الحجري إلى البرونزي فالكنعاني ثم الحديدي.
وأخيرًا قاعة الرملة التي تعتبر قاعة المرأة لمحتوياتها التي تحكي قصة جمال المرأة على مر العصور، حيث يعرض فيها أدوات الزينة والحلي مصنوعة من البرونز والعاج، وقوارير زجاجية كانت تستخدم للعطور وتماثيل مصنوعة من الرصاص لأسود كانت تزين أبواب منازل الوجهاء والقادة.
كنيسة برفيريوس
تنتمي إلى الكنيسة الرومانية الأرثوذوكسية، ولا يفصلها عن مسجد كاتب ولاية إلا جدار قديم وتمتد على مساحة تصل إلى 200 متر مربع، تحدها من الجهة الشمالية مقبرة تعود إلى عام 1790، ويدفن فيها المسيحيين أمواتهم، أنشأت هذه الكنيسة من عام 402 ميلادي وحتى 407، إذ استغرقت عملية بنائها نحو خمس سنوات.
عند زيارة هذه الكنيسة، يمكن الاستمتاع بمشهد تقارب الصليب والهلال، والشعور بمدى تسامح سكان هذه المدينة الذين لا يفرقون بين المسلم والمسيحي.
أما بالنسبة إلى الجانب الأكثر حداثة في القطاع، فيوجد نحو 430 مطعمًا حاصلاً على شهادة مزاولة مهنة، والمسجلون لدى هيئة الفنادق والمطاعم نحو 120 مطعمًا، حيث تستحوذ مدينة غزة على العدد الأكبر منها، بالإضافة إلى 17 فندقًا لا تشغل سوى 2% من غرفه بسبب اشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع، لكن لا شك أن هذه الأماكن ما زالت توفر أجواءً مريحة وجميلة لأهلها، خاصة بسبب مواقعها القريبة من الساحل والميناء الذي يعتبر أهم متنفس للسكان.