تتواصل لليوم الخامس على التوالي أعمال العنف الممنهجة ضدّ الأقلية المسلمة في سريلانكا من قبل مئات البوذيين، رغم حظر التجوال وحالة الطوارئ المفروضة في البلاد من جانب السلطات الحاكمة هناك، ما يعيد إلى الأذهان معاناة المسلمين في هذا البلد الأسيوي.
بداية الأحداث
تعود بداية هذه الأحداث إلى يوم الإثنين الماضي، حيث هاجم أفراد من السنهال المسلمين وممتلكاتهم، بعد جنازة سائق شاحنة ينتمي للطائفة البوذية من العرقية السنهالية، قتل على إثر اصطدتم سيارته بسيارة أجرة تقل 4 مسلمين في منطقة كاندي السياحية وسط الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي.
وعلى إثر هذه الجنازة، هاجم بوذيون مساجد ومتاجر مملوكة لأشخاص من الأقلية المسلمة في البلاد أثناء الليل، رغم فرض حالة الطوارئ لاستعادة الهدوء في الجزيرة التي تشهد انقساما حادا، كما أطلقت قوات الأمن السريلانكية الغاز المسيل لمدموع لتفريق مثيري أعمال شغب ببلدة كاندي وسط البلاد.
قبل ذلك، هاجم مشاغبون بوذيين مسجداً في بلدة أمبارا شرق البلاد نهاية شهر فبراير/شباط الماضي و4 متاجر للمسلمين
وأعلنت الشرطة السريلانكية، أمس الخميس، أن قنابل حارقة ألقيت على مسجد في كوروفيتا (125 كلم جنوب كاندي)، فيما يقوم مئات الجنود بدوريات في منطقة وسط البلاد حيث وقعت اعمال عنف ضد مسلمين أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص.
وقالت الشرطة إن أكثر من 200 متجر ومنزل وسيارة يملكها مسلمون تعرضت للحرق والنهب في مناطق عدة في سريلانكا، على أيدي مثيري شغب من الغالبية السنهالية البوذية، فيما يتواصل غلق المدارس في عديد المناطق من البلاد التي يقطنها المسلمين.
قبل ذلك، هاجم مشاغبون بوذيون مسجداً في بلدة أمبارا شرق البلاد نهاية شهر فبراير/شباط الماضي و4 متاجر للمسلمين، بعد اتهامهم رئيس طهاة مسلم بإضافة وسائل منع الحمل إلى الطعام المباع للسنهاليين، على الرغم من أن الحكومة رفضت تلك الاتهامات، مشيرة إلى أنه لا أساس لها من الصحة وأمرت بالقبض على أولئك الذين يثيرون الاضطرابات.
حالة طوارئ وحجب لمواقع التواصل
غداة هذه الأحداث، أعلنت رئيس سريلانكا “مايثريبالا سيريسينا“ حالة الطوارئ وفرض حظر للتجول ببعض المناطق، ليتمكن من نشر الجيش وإعطاء الشرطة المزيد من الصلاحيات، وقال وزير التخطيط المدني رؤوف حكيم في تصريحات صحفية إن “مجلس الوزراء قرر فرض تدابير مشددة منها حالة الطوارئ لـ10 أيام على مستوى البلاد”.
إلى جانب ذلك، طلبت الهيئة المنظمة للاتصالات من مزودي الانترنت حجب فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الاخرى لمنع انتشار خطاب الكراهية للمسلمين. ورصدت الشرطة رسائل معادية للمسلمين تم تشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها تسجيل نشره راهب بوذي متشدد يحرض على العنف ضد المسلمين.
اعلان حالة الطوارئ لمدة 10 أيام
وأفاد متحدث باسم الشرطة بأن قوات خاصة نشرت في منطقة كاندي خوفا من تمدد النزاع، بعدما خرق أشخاص من مثيري الشغب حظر التجول المفروض ليلا وعاثوا خرابا في المنطقة. وأعلنت الحكومة السريلانكية إنها تفرض هذه الاجراءات الاستثنائية بعدما لم تتمكن الشرطة من وقف أعمال العنف في كاندي، المنطقة الشهيرة بمزروعات الشاي والآثار البوذية.
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة “ديلي ميرور” السيرلانكية، أنه جرى توقيف 81 شخصا، بسبب الاعتداءات على المسلمين التي اندلعت في منطقة كاندي، الإثنين الماضي، وخلفت قتيلين. وقالت الصحيفة، إن 10 من الموقوفين قاموا بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تورط 71 منهم بأحداث عنف.
تنديد رسمي
في غضون ذلك، قال الرئيس مايتريبالا سيريسينا إن الاجراءات “ستؤدي الى تدارك الوضع الامني غير المرضي السائد في بعض اقسام البلاد“. وأضاف “تم تعزيز الشرطة والقوات المسلحة بشكل مناسب للتعامل مع العناصر الاجرامية في المجتمع واعادة الوضع الى طبيعته بشكل عاجل“.
فيما قال رئيس الوزراء رانيل ويكريمسينغ أمام برلمان بلاده إن “الحكومة تتخذ كل الاجراءات الممكنة لحماية الشعب وخصوصا المسلمين“. وأضاف أنه تم فتح تحقيق في الثغرات الأمنية من قبل الشرطة والتي أتاحت لمجموعة رجال من الإثنية السنهالية بإحراق مساجد وكذلك منازل ومتاجر تعود لمسلمين.
واجهت سريلانكا منذ فترة طويلة انقسامًا عرقيًا مريرًا بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية
هذه المرة الأولى التي تفرض فيها السلطات حال طوارئ في البلاد منذ عام 2009، بعد انتهاء حرب أهلية دامت نحو 25 سنة، وأدت إلى مقتل قرابة 100 ألف شخص، بعد مطالبة حركة انفصالية للتاميل باستقلال ذاتي.
وواجهت سريلانكا منذ فترة طويلة انقسامًا عرقيًا مريرًا بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية، مما أعطى الفرصة لاندلاع حرب أهلية استمرت عقودًا، خاصة بعد محاولات التاميليين إقامة وطن خاصًا بهم، إلا أن السنوات التي تلت انتهاء الحرب في عام 2009، نمت الانقسامات الدينية، مع ظهور الجماعات البوذية المتشددة التي تثير الغضب ضد الأقلية من المسلمين.
ليست المرّة الأخرى
هذه الهجمات التي ينفذها البوذيون ضدّ المسلمين ليست الأولى من نوعها، فغالبا ما يقوم بوذيون بأعمال عنف ضد المسلمين وممتلكاتهم ومساجدهم في مناطق عدّة من البلاد، وتتهم جماعات بوذية متطرّفة المسلمين بإرغام المواطنين على اعتناق الإسلام، وتخريب مواقع أثرية بوذية.
كما يحتج بوذيون قوميون على وجود طالبي لجوء من مسلمي أقلية الروهينغا في ميانمار. وكان عنف اندلع فينزفمبر/ تشرين الثاني الماضي جنوب البلاد، أسفر عن مقتل شخص وتضرّر منازل وسيارات، فيما أدت اضطرابات بين بوذيين ومسلمين في يونيو/حزيران سنة 2014، إلى سقوط 4 قتلى وجرحى.
حرق مسجد من قبل البوذيين
السنهاليون مجموعة عرقية غالبيتها من البوذيين وتشكل نحو ثلاثة أرباع سكان سريلانكا البالغ عددهم 21 مليون نسمة، فيما يمثل المسلمون 10 % فقط من عدد السكان، فيما يبلغ عدد التاميل العرقية ومعظمهم من الهندوس نحو 13%.
ويلقي المسلمون باللائمة في الهجمات على منظمة “بودو بالا سينا” البوذية التي تقول إن انتشار الإسلام تهديد للبوذية كديانة مهيمنة، وتنفي ضلوعها في الهجمات، ويقول محللون إن بعض المنظمات البوذية المتشددة تنشر خطاب الكراهية ضد المسلمين، وتشجع السكان على مقاطعة متاجر المسلمين.