ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يحظ أي أمير بمثل هذه المعاملة الملكية، خاصة أنه كان في استقبال محمد بن سلمان ثلاثة أجيال من العائلة المالكة. وبعد غداءٍ مع الملكة، سوف يتناول الأمير العشاء مع الأمير تشارلز ودوقة كامبريدج. ولكن الاجتماع مع تيريزا ماي وشرب الشاي معها يعد من بين البرامج الرئيسية لزيارة بن سلمان للمملكة المتحدة.
في الواقع، يتمحور هذا البرنامج حول إجراء بعض الصفقات التجارية المهمة، التي يكتنف الغموض بعض جوانبها. في الوقت الحالي، يجري الأمير البالغ من العمر 32 سنة، الذي يتولى زمام الحكم في البلاد، إصلاحات اقتصادية واجتماعية. لذلك من المتوقع أن تحصل المملكة المتحدة على حصة استثمارات واسعة من المشاريع الجديدة التي تطمح السعودية لتركيزها.
من المحتمل أن تلاقي هذه الاستثمارات ترحيبا في المملكة المتحدة خاصة في خضم هذه المحنة الحرجة التي تعيش على وقعها، على إثر انسحابها من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن شبح الحرب التجارية الدولية الذي بدأ يطاردها بعد فرض دونالد ترامب رسوما على واردات الصلب والألومنيوم.
خلال هذه الزيارة، سيجتمع الوفد السعودي مع السيدة ماي ومجلس وزرائها في 10 داونينغ ستريت، بهدف تدشين “مجلس الشراكة الإستراتيجية” بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ الذي يرنو إلى “التشجيع على إجراء إصلاحات اقتصادية في السعودية وتعزيز التعاون في قضايا مثل التعليم والثقافة والأمن”. وفي هذا السياق، أشار المتحدث باسم داونينغ ستريت إلى أن هذه المحادثات “سوف تستهل حقبة جديدة من العلاقات الثنائية التي تهدف بالأساس إلى تأسيس شراكة تحقق فوائد واسعة النطاق لكل منا”.
حسب الإحصائيات الصادرة مؤخرا، تبين أن عمليات قطع الرؤوس في المملكة العربية السعودية قد تضاعفت منذ وصول الأمير إلى السلطة
من جانب آخر، أكد الوزراء والمسؤولون في لندن أن اختيار الأمير محمد بن سلمان للمملكة المتحدة كأول وجهة لزياراته الخارجية للبلدان الغربية، ينم عن مدى تقديره للصداقة البريطانية. وبناء على ذلك، يجب على المملكة المتحدة أن تبادله نفس الشعور من خلال دعم مساعيه الإصلاحية والتحديثية، ومساعدته على تحقيق “رؤية 2030″، التي تهدف للنهوض بالشباب السعودي، وإرساء الإسلام المعتدل في البلاد، فضلا عن تجديد المشهد السعودي.
لكن، يبدو أن هذه الزيارة قد أثارت جدلا كبيرا في المملكة المتحدة لأن الكثير من البريطانيين نددوا بحملات القصف المستمر التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن، والتي أسفرت عن سقوط خسائر كبيرة في الأرواح، فضلا عن سجل المملكة الحافل بالانتهاكات في مجال حقوق الإنسان.
في هذا السياق، قال أندرو سميث عضو في جمعية “حملة ضد تجارة الأسلحة”، إنه “لم يكن ينبغي أن تتم دعوة ولي العهد إلى داوننغ ستريت وهو من يقود نظاما يحفل سجله بانتهاكات حقوق الإنسان وهو من أشرف أيضا على تدمير اليمن”. كما اتهم سميث رئيسة الوزراء البريطانية بأنها “وضعت مصلحة تجار الأسلحة فوق حقوق الشعب اليمني”.
حسب الإحصائيات الصادرة مؤخرا، تبين أن عمليات قطع الرؤوس في المملكة العربية السعودية قد تضاعفت منذ وصول الأمير إلى السلطة. كما شهدت الأشهر الثمانية التي تلت ذلك، تنفيذ حكم الإعدام في حق 133 سجينا مقابل 67 سجينا في الأشهر الثمانية التي سبقت وصوله للسلطة.
حيال هذا الشأن، أوردت مايا فوا، مديرة منظمة “ريبريف” التي تعنى بحملات التنديد ضد عقوبة الإعدام، أن “مضاعفة عدد عمليات الإعدام في عهد ولي العهد الجديد تكشف أنه تحت صورة بن سلمان العامة اللامعة، يكمن أكثر القادة وحشية في تاريخ المملكة الحديث، و يجب على تيريزا ماي أن تحث ولي العهد على تخفيف أحكام جميع المتظاهرين الأطفال الذين يواجهون عقوبة الإعدام”.
كان التعويم الأسطوري لشركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو، بمثابة الجائزة الكبرى بالنسبة للندن
على خلفية ذلك، صرحت ماي بأن داونينغ ستريت ستتطرق إلى مخاوف الإنسانية فيما يتعلق باليمن والأمير محمد، كما أنها ستطالب بتخفيف الحصار الذي فرضه التحالف السعودي على اليمن، والذي جعل من دخول المساعدات الدولية أمرا شديد الصعوبة.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن خيارات السيدة ماي محدودة لأن المملكة المتحدة لا تملك القدرة على إقناع أو إلقاء المحاضرات على السعوديين، لذلك يعتقد الوزراء أن نتائج هذا اللقاء ستكون عكسية. وتبقى الحقيقة البسيطة أن رئيسة الوزراء سوف تحتاج إلى أن تخفف من الطلبات المرتبطة بالمساعدات الإنسانية بسبب الحاجة إلى التجارة السعودية.
لقد كان التعويم الأسطوري لشركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو، بمثابة الجائزة الكبرى بالنسبة للندن، خاصة أن هذه الشركة الأكبر عالميا تقدر قيمتها السوقية بنحو تريليونيْ دولار، أي ما يعادل 1.44 تريليون جنيه إسترليني. وهناك تقارير تفيد بأن السعوديين قد يضطرون إلى وضع حد لهذه الشركة، لكنهم في المقابل قاموا بطرح أسهمها للبيع كحصص خاصة للحكومات الأجنبية، بما في ذلك الصين.
من جهته، نفى الأمير محمد بن سلمان ذلك مؤكدا أن الطرح العام، الذي يعتبره أمرا مهما بالنسبة لخططه الاقتصادية، يسير على الطريق الصحيح. وفي القوت الحالي، تتسابق بورصة الأوراق المالية في لندن، ونيويورك، وهونغ كونغ، لتعمل على هذه القائمة المربحة من الأسهم بشكل كبير. وفي حين يفضل بعض كبار المسؤولين السعوديين العمل مع بورصة نيويورك، يقال إن الشركة نفسها تحبذ بورصة لندن.
في سبيل الظفر بهذه الصفقة المربحة، عملت الحكومة البريطانية على هذه الحملة بجد من أجل لندن، بما في ذلك تقديم قرض بقيمة ملياريْ دولار للشركة بمساعدة “يو كاي إي إف”، وهي وكالة التصدير الائتماني في المملكة المتحدة. وقد اقترحت الهيئة التنظيمية في لندن إحداث تغييرات تخص قاعدة التعويم، فيما أكدت داونينغ ستريت أن لندن تمتلك أدلة قوية عن التعويم.
بالنسبة للعلاقات الثنائية بين المملكتين، فإنه بالنسبة لولي العهد السعودي لا يوجد أفضل من توجيه طرح أسهم أرامكو في بورصة لندن
في المقابل، ظل دونالد ترامب يحوم حول أرامكو، وحاول رفع تعويم أرامكو في أول زيارة دولية له للرياض. كما أعلن خلال هذه الزيارة عن مبيعات الأسلحة إلى المملكة التي قدرت بنحو 110 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، دعا ترامب السعوديين إلى إدراج شركة أرامكو في بورصة نيويورك. وفي إحدى التغريدات، قال ترامب “نقدر كثيرا طرح المملكة العربية السعودية للعرض العام الأولي لشركة أرامكو في بورصة نيويورك، فهذا يعتبر أمرا هاما بالنسبة للولايات المتحدة! “.
بناء على ذلك، إن ادعاء مساندي البريكسيت بأن ترامب سيكون منقذ التجارة بعد مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي يحمل في طياته الكثير من المغالطات. ومن جهتها، رفضت الإدارة الأمريكية طلب تيريزا ماي المتعلق بعدول الرئيس عن قرار فرض رسومات إضافية على الحديد، التي من شأنها أن تضر بشدة باقتصاد المملكة.
بعد زيارته إلى لندن، من المنتظر أن يقصد الأمير محمد بن سلمان نيويورك. ولكن بالنسبة للعلاقات الثنائية بين المملكتين، فإنه بالنسبة لولي العهد السعودي لا يوجد أفضل من توجيه طرح أسهم أرامكو في بورصة لندن؛ لتعزيز “العلاقة الخاصة” الجديدة بين السعودية والمملكة المتحدة؟
المصدر: الإندبندنت