كن كشافاً.. ولو بعد حين
لم يكن لقاء مخططاً له أبداً.. لكنه كان مقدراً عامان وبضعة أشهر مذ أصبحت جزءاً من مجموعة إرشادية – وهوالاسم الذي يطلق على المجموعات الكشفية للفتيات- في فوج كشفي مميز، ولعل أصدق ما سمعته فيها “كشاف يوم.. كشاف دوم”.
ليست الكشافة شيئاً عابراً نمر به أو مرحلة قصيرة نتجاوزها لغيرها، بل هي أثر وحياة واستمرارية.. تلك الحركة الممتدة على مدى أعوام وعقود حتى جاوزت قرناً من الزمن استطاعت وبشكل مدهش أن تجمع ما بين صفاء العمل التطوعي ورفعته، ولذة المغامرة والتجارب، وجمال الألفة والصداقة، وليس كرفاق الغابة من أصدقاء.
أذكر أنه في بداية انخراطي في المجموعة الكشفية، قال لي أحد القادة يوماً: “العمل الكشفي هو عمل بوظيفة رسمية والتزام بساعات متكاملة، تتقاضى أجرها سعادة وبسمة وتغييراً تلمسه في أفئدة الأطفال وعلى وجوههم”.. ولعل هذه العبارة تلخص الكثير.
إن الذاكرة الكشفية هي تلك التي تمتلئ بحب التعاون وتقدير الفريق، وإدراك أهمية العمل الجماعي، والتي تعلّمنا أن نجاح الفرد فيها هو نجاح لبقية زملائه
فحين تطالع العمل الكشفي عن قرب، سترى قادة وقائدات بذلوا ويبذلون جهداً عظيماً، ووقتاً ثميناً سعياً منهم لأن يكونوا جزءاً فعّالاً في إحداث تغيير حقيقي مهما كان صغيراً في جيل سيكون له كبير الأثر في مجتمعه، متخلّين بذلك طواعيةً عن كثير من أوقات الراحة التي كان من الممكن استراقها ضمن زحمة الحياة وإيقاعها المتسارع.
أما على الجانب الآخر، فإننا نشاهد أطفالاً ويافعين يتلقون بكل حماس وشغف مهارات جديدة وإضافات نوعية تربوية كانت أم كشفية، فكرية كانت أم مهاراتية.. تساعدهم في صقل شخصياتهم وتساهم بشكل واضح في صناعة مواطنين نافعين لغيرهم قادرين على خدمة مجتمعاتهم والنهوض بها.
إن الذاكرة الكشفية هي تلك التي تمتلئ بحب التعاون وتقدير الفريق، وإدراك أهمية العمل الجماعي، والتي تعلّمنا أن نجاح الفرد فيها هو نجاح لبقية زملائه.. وأن مفهوم القيادة لا يعني إطلاق الأوامر وانتظار تنفيذها، بل هي مشاركة وسعي حثيث للحفاظ على تناغم روح الفريق وتفاعله لتحقيق أفضل ما يمكن ضمن ما هو متاح.
في كل لقاء يتجدد يعاهد كل كشاف نفسه بأن يقوم بواجبه اتجاه الله ثم الوطن وأن يساعد الآخرين، رافعاً يده تالياً الوعد وأصوات الجميع تردد خلفه في موقف مهيب
في حركتنا الكشفية تجمعنا الكثير من الأهازيج المميزة والصيحات الجميلة، تجمعنا الخيمة والغابة ونار السمر، المسير الكشفي وليالي الحراسة، كل هذا يشكّل هوية فارقة للكشافة لاشك.. إلا أن نظرة أقرب تجعلنا ندرك أن ما يوحدنا على الرغم من اختلافاتنا هو أعمق بكثير، ما يوحدنا هي الفكرة، حب البذل والرغبة في العطاء.
نحن هنا كما المطر قطرات ماء خفيفة متساقطة، تتلقاها أرض عطشى بلهفة وانتظار، لتنبت خضرة وأزهاراً وثماراً بأشكال مختلفة وألوان مبهجة مشكلة لوحة متكاملة بجميع محتوياتها، هنا لن يلفظك أحد لاختلافك بل ستتلقاك أيدٍ ممدودة، ووجوه باسمة، وقلوب مفتوحة للجميع.
ففي كل لقاء يتجدد يعاهد كل كشاف نفسه بأن يقوم بواجبه اتجاه الله ثم الوطن وأن يساعد الآخرين، رافعاً يده تالياً الوعد وأصوات الجميع تردد خلفه في موقف مهيب، تأكيداً منهم على وحدة الهدف وتجديداً لمسؤولياتهم ليكونوا مصدر أملٍ يُبشر بخير قادمٍ.