تحوّلت دول القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة إلى ساحة صراع دبلوماسي وإقتصادي وعسكري، بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى، كُلّ يسعى إلى بسط نفوذه في هذه القارة السمراء التي تتشكّل من 54 دولة، لما تحتويه من إمكانيات بشرية ومدخرات طبيعية هائلة.
جولة موسّعة
أول أمس الأربعاء، بدأ وزير الخارجية الأمريكي جولة إفريقية موسعة تستمر أسبوعًا، استهلها بأثيوبيا على أن تشمل الزيارة 4 بلدان أخرى هي تشاد وجيبوتي وكينيا ونيجيريا، بعد أكثر من شهرين على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثير للجدل في اجتماع مع أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذي وصف فيه البلدان الإفريقية ودولا أخرى بـ”الحثالة”.
ويسعى المسؤول الأمريكي من خلال هذه الزيارة إلى إصلاح العلاقات الأمريكية الإفريقية، ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن تيلرسون سيبحث مع المسؤولين في الدول الخمس سبل تطوير العلاقات مع الحكومات والشعوب بإفريقيا كما يناقش العديد من الموضوعات الأخرى مثل مكافحة الإرهاب وتنمية السلام والأمن وحسن الإدارة وتنمية التجارة المتبادلة.
سيقوم تيلرسون بأول زيارة لوزير خارجية أمريكي إلى تشاد هذه المستعمرة الفرنسية السابقة
تعد هذه أول جولة يقوم بها في إفريقيا منذ توليه مهام منصبه في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتأتي الزيارة في محاولة لتبديد مخاوف القارة التي تشعر بخيبة أمل مما تعتبره إهمالا لها من قبل الرئيس الأمريكي.
وخلال جولته التي تستمر حتى 13 آذار/مارس، سيزور تيلرسون إثيوبيا التي تشهد أزمة سياسية منذ الاستقالة المفاجئة لرئيس حكومتها هايلي ميريام ديسيلين، وسيلتقي في عاصمتها أديس أبابا قادة مفوضية الاتحاد الإفريقي، وجيبوتي مقر القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة في القرن الإفريقي.
كما تشمل جولته بعد ذلك كينيا التي خرجت للتو من محطة انتخابية مضطربة، وتشاد حيث سيقوم بأول زيارة لوزير خارجية أمريكي إلى هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، وسيختتم جولته الإفريقية هذه في نيجيريا الغنية بالنفط.
هل يتم تدارك ما لم يدرك من قبل؟
لئن تحسّنت العلاقات الأمريكية الإفريقية قليلا في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما المولود لأب كيني، والذي زار القارة بعد ستة أشهر من توليه منصب الرئاسة، حاملا رسالة قوية إلى الأفارقة تدعوهم إلى تولي أمر مصيرهم بأنفسهم، فقد عرفت هذه العلاقات تراجعا ملحوظا مع تولي الرئيس الحالي دونالد ترامب سدّة الحكم في 20 يناير 2017.
تراجع الاهتمام الأمريكي بإفريقيا في عهد ترامب
من تجليات عدم اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة بالقارة الإفريقية، توجه الأمريكان إلى تقليص حجم المساعدات المقدمة للبلدان الافريقية، وتبرّر إدارة الرئيس ترامب ذلك بسعيها إلى لاعتماد مبدأ تعزيز التجارة والاستثمارات في إفريقيا بدلاً من سياسة المساعدات والمعونات التي اعتمدت في السابق.
وقد كانت المساعدات الأمريكية لإفريقيا محور خلاف بين الرئيس دونالد ترامب وعدد من المسؤولين بالولايات المتحدة، بعد مقترح الإدارة بتقليص هذه المساعدات حيث حذر بعض المسؤولين من أن ذلك يشكل خطرا على المصالح الحيوية الأمريكية في إفريقيا، ويفسح المجال أمام لاعبين آخرين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الإفريقية.
تحدّي الصين
قبل بدأ الزيارة، أعلن تيلرسون عن مساعدة إنسانية أمريكية تزيد على 530 مليون دولار لمكافحة الجوع وغياب الأمن الغذائي في القرن الأفريقي وكل حوض بحيرة تشاد، وقال إن “إفريقيا هي المستقبل”، مؤكدا على معرفته الجيدة بالقارة بصفته رئيسا سابقا لمجلس إدارة مجموعة “إكسون-مويبل” النفطية.
وقارن تيلرسون بين جهود الولايات المتحدة تجاه القارة وتلك التي تقوم بها الصين، موضحا أن المساعي الأمريكية تهدف إلى الترويج “للنمو المستدام” بينما وصف الاستثمارات الصينية في القارة بأنها “تشجع على الاعتماد على الغير”.
تعتبر الصين الشريك التجاري الأول للدول الإفريقية خلال السنوات الأخيرة بفضل اعتمادها سياسة المصالح المتبادلة
ويتزايد قلق الأمريكيين خاصة وأن الصين تتبادل مع الدول الإفريقية المواد الأولية مقابل السلع وهذا يتلاءم مع الواقع الإفريقي. وتلعب الصين أيضًا دورًا كبيرًا بالنسبة للأفارقة في الأمم المتحدة، وهي العضو الدائم العضوية في مجلس الأمن وتملك حق الفيتو مما يساعدها على الدفاع عن حلفائها من الدول الإفريقية. وكانت الصين أعلنت مؤخرا تخصيص 124 مليار دولار لخطة طريق الحرير لتعزيز الروابط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا ومناطق أخرى. وتابع تيلرسون: “الاستثمارات الصينية لديها إمكانات معالجة الفجوة في البنية التحتية بإفريقيا لكن نهجها أدى إلى زيادة الديون وإلى قلة الوظائف، إن وجدت، في معظم البلدان”.
وتابع تيلرسون: “عندما نجمع ذلك إلى الضغوط السياسية والمالية فإن هذا يعرض للخطر الموارد الطبيعية الإفريقية واستقرارها الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل”. وفي خطابه، تحدث تيلرسون عن النمو السكاني في إفريقيا وقدراتها الاقتصادية، وكذلك عن الفقر والبطالة الكبيرة، محذرا من أنه “بلا وظائف وبلا أمل في المستقبل، سيشكل هؤلاء الشباب جيلا جديدا يقع فريسة للإرهابيين ويؤثر على الاستقرار والحكومات الديمقراطية”.
تخشى أمريكا من استحواذ الصين على مدخرات القارة الإفريقية
وقد أكد تليرسون أنه يريد لذلك “تعميق الشراكات مع إفريقيا لجعل الدول الأفريقية أكثر قدرة على المقاومة وعلى تحقيق الاكتفاء الذاتي”. مضيفًا أن “الولايات المتحدة تريد تشجيع نمو دائم يعزز المؤسسات ودولة القانون ويسمح للدول الإفريقية بالاكتفاء الذاتي”. مشيرًا إلى أن “هذا يأتي بعكس المقاربة الصينية التي تشجع التبعية عبر عقود غامضة وقروض توقع الدول في المديونية”.
وتعتبر الصين الشريك التجاري الأول للدول الإفريقية خلال السنوات الأخيرة بفضل اعتمادها سياسة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وعلى عكس الولايات المتحدة في التعامل مع دول إفريقيا تبنت الصين سياسة القروض الميسرة والمساعدات غير المشروطة بحقوق الانسان أو الحريات وغيرها من الشروط التي تضعها الدول الغربية عادة في هذا الصدد وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا عام 2017 أكثر من 85 مليار دولار.
أهداف أمريكية
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في القارة الإفريقية، منها محاولة السيطرة على الموارد الهيدروكربونية والمعدنية والباطنية الموجودة في إفريقيا باعتبارها تمثل المستقبل في تصورها فمختلف الدراسات تثبت أن إفريقيا في القرن القادم لن تصبح إفريقيا التخلف في ظل وجود عدة دول تحقق نسب عالية من النمو كأثيوبيا.
ويعكس التوجه الجديد للولايات المتحدة بالنسبة للعلاقات التجارية مع إفريقيا، نظرتها إلى القارة باعتبارها سوقا ضخمة للمنتجات والبضائع الأمريكية حيث يتوقع أن تمثل إفريقيا بحلول العام 2030 حوالي ربع القوى العاملة والمستهلكين في العالم، ويبلغ عدد سكانها حاليا أكثر من 1.7 مليار نسمة، وبحلول العام 2050 من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة إلى أكثر من 2.5 مليار شخص وتقل أعمار 70% من هؤلاء السكان عن 30 عامًا.
تسعى الإدارة الأمريكية إلى تثبيت التوجه الأمريكي لاسيما في حوض النيل والقرن الإفريقي
وقد ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى إفريقيا جنوب الصحراء من 17 مليار دولار في العام 2010 إلى أكثر من 25 مليار دولار في العام 2014 فيما بلغت الاستثمارات الأمريكية في أفريقيا عام 2016 قرابة 57.5 مليار دولار.
وإلى جانب المصالح الإقتصادية فإن القارة الإفريقية تمثل أهمية أمنية وسياسية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة لا سيما في ظل تنامي خطر التنظيمات والجماعات المسلّحة وفي ضوء التنافس المحموم بين القوى الدولية الكبرى على النفوذ والثروات في إفريقيا.
فضلاً عن ذلك تسعى الإدارة الأمريكية إلى تثبيت التوجه الأمريكي لا سيما في حوض النيل والقرن الإفريقي لتضييق النطاق على السودان ومصر وحماية الأمن الإسرائيلي، ونشر القيم والأفكار الغربية ومواجهة مد الأفكار والدعايات الشيوعية والصينية.