رغم احتفال جماعة الإخوان المسلمين، بعامها التسعين قبل أيام قليلة، إلا أنها ما زالت غير قادرة، على إدارة ملف الإعلام داخلها بشكل فاعل؛ ولم تجد المنابر والمنصات الإعلامية للإخوان، خصوصا على مدار الأعوام الخمسة الماضية، أفضل من سياسة الأذرع الدعائية، ثم تفرغت أخيرا للنفخ في الصراع بين أجنحة الجماعة، التي تحاول كل منها الإجهاز على الأخرى، بشتى الطرق، منذ أكثر من ثلاثة سنوات، ليصبح الإعلام الإخواني، مثل الدُب الذي قتل صاحبه، خلال محاولة غشيمة لحمايته.
رسائل.. لمن وكيف ؟
أكثر ما يمكن ملاحظته مؤخرًا في الإعلام الإخواني، تفرغ الوسائل المحسوبة على الجبهتين المتصارعتين داخل الجماعة، لتوجيه ضربات قاتلة – ولو من تحت الحزام – لبعضهما البعض، وربما لأول مرة في تاريخ الجماعة، نرى المنشقين عنها، يُسمح لهم بمهاجمتها بمنتهى الأريحية، ومن على منابر محسوبة عليها، وتفنيد سوءات قيادتها، والتشكيك في مدى قدرتهم على الاستمرار بمراكزهم، حتى لو كانوا كذلك بالفعل.
د. إبراهيم الزعفراني: القيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين لا تملك فكرًا ولا تستعين بمن يفكر
قبل ساعات، كانت قناة مكملين تنصب الشرك، لمحمود حسين، الأمين العام للإخوان، ــ جبهة القيادات التاريخية ــ بسبب حواره على قناة الجزيرة، والذي أبدى فيه تصلبا في أزمة الجماعة الداخلية، وعدم الاعتراف بالإجراءات الانتخابية الشورية القاعدية، التي أقدمت عليها الجبهة الأخرى، وأفرزت مجلس شورى، ومكتب عام، وهو ما دفع الجبهة الشبابية، أو الكيان الموازي، لإطلاق بيان ناري، اعتبر حسين وجبهته “انقلابيون” يتجاوزون المؤسسية، ويمارسون علميات تزوير للحقائق.
بيان من المكتب العام حول ما أدلى به الأمين العام الأسبق للجماعة من تصريحات صحفية بها العديد من المغالطات
«مكملين» أبرزت الصراع الدائر، ووجهت دفته لصالح الشباب، كما سمحت للمعارضيين الكبار، من أمثال الدكتور ابراهيم الزعفراني، القيادي السابق بالجماعة، وفتحت له الهواء دون قيود، للطعن في أهلية القيادات التاريخية بعنف شديد، ونقد استمرارهم في الحكم، لتكمل القناة مسارها الرامي إلى استكمال مسلسل إسقاط الكهنوت عن عواجيز الإخوان، الذي حمّت وتيرته بشدة خلال الأسابيع الماضية.
على الناحية الأخرى، تقف قناة وطن، المنبر الرسمي لجبهة القيادات التاريخية، بلا حول ولا قوة؛ القناة منذ بدايتها، وهي تعيش في واد آخر، بداية من إصرارها الغريب على انتحال صفة قناة عامة، مع أنها ناطقة بلسان ومشروع وتوجهات الإخوان، والتخفي تحت لافتات مختلفة من مصر 25، إلى مصر الآن، نهاية بقناة وطن، وهو الأمر الذي تناوله الكاتب الصحفي سليم عزوز المقرب من الجماعة، بشكل ساخر.
شبّه «عزوز» إصرار الإخوان على إخفاء هوية إعلامها الرسمي، بمطار إمبابة السري في مصر، وهي منطقة شهيرة في محافظة الجيزة المصرية، وكان الجميع يعرفون موقعه، بالاسم ذاته، في الوقت الذي كانت تتعامل معه الحكومة، على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، باعتباره مطارًا سريًا، إلى أن تم إلغاؤه قبل سنوات قليلة، بعد أن تحول اسمه إلى نكتة ساخرة على ألسنة المصريين، وكما كانت الحكومة آخر من يعلم، بأن الدنيا كلها تعرف موقع مطار إمبابة السري، فإن القائمين على شؤون الجماعة، وحدهم هم من لا يعرفون أن الجنين في بطن أمه، يعرف أن «وطن» هي قناة الإخوان المسلمين، بحسب تعبيرات سليم عزوز.
بعد ثورة 25 يناير، انعكست الأحداث السياسية المختلفة شكلا وموضوعا، على قدرة الإخوان في تطويع الأدوات الإعلامية لصالحها
على النقيض من مكملين ووطن، تقف قناة الشرق، في مضيق مشوه المعالم؛ فالقناة الممولة من جهات داعمة للإخوان، لا تسعى في سياستها التحريرية إلى عودة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ولكنها تعمل منذ انطلاقها، وبعد موجاتها التحديثية الأخيرة، على توحيد المعارضة في الخارج، على أرضية العداء للنظام المصري، والغريب أنها تعتمد أيضا سياسات دعائية، لا وجود للعقلانية فيها، وهو ما أثر عليها، حتى في أزماتها الداخلية.
ولم تستطع إدارتها والتابعين لها من طاقم «الشرق»، التفريق بين من يعمل معهم، ومن يعملون هم ضده، مما جعلهم يتوحشون على المعارضين لأيمن نور، وتبارت أذرع رئيس مجلس الإدارة، في توجيه اتهامات قاسية لزملائهم، بتدبير انقلاب على المرشح الرئاسي الأسبق، والعمالة لجهاز المخابرات المصري ضده، وكل ذلك بسبب جهرهم بمطالب مادية، لمواجهة ضغوط الحياة في إسطنبول التركية؛ وبالفعل نفذت القناة عملية تأديب للمعارضين، وأوقفت عدة برامج لمن تزعموا الثورة ضد نور، وأبرزهم المذيع عبد الله الماحي، وطلبة رضوان، وآخرون ينتظرون في الطابور، فقط الوقت والوسيلة.
عمرو عبد الهادي يكشف تفاصيل خطيرة جدا في أزمة قناة الشرق ودور أيمن نور
تاريخ لا يعبر عن الحاضر
النظر في تاريخ الإخوان الإعلامي، يدهشك من التباين بين الماضي والحاضر؛ فالجماعة أول من أبصر دور الإعلام، وجعله أحد أهم الركائز التي تقوم عليها البنية التنظيمية للإخوان منذ نشأتها وحتى الآن؛ فالجماعة استطاعت تطويع الوسائل الإعلامية بأكملها لصالحها، طبقًا لكل حقبة تاريخية، بداية من الوسائل التقليدية لنشر رسالتها الدعوية، وأهدافها في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي توقفت بعد الصدام الشهير مع السلطة، بقيادة جمال عبد الناصر، مرورا بعودتها للسياسة من الباب الخلفي، أيام السادات، عبر تصالح غير معلن مع السلطة، وحتى اقتصار العمل الإعلامي للجماعة على صحف الجامعات المصرية في إطار الحركة الطلابية للجماعة، لتعويض استمرار منعها من امتلاك أي وسيلة إعلامية، خلال بداية المرحلة الثانية لإعادتها للحياة في حقبتي السبعينيات والثمانينيات.
كانت الإخوان انشأت نظام خاص لاستقطاب بعض الكتاب والصحفيين، بشكل غير مباشر، -مثلما يحدث الآن- ولكن شتان بين الماضي والحاضر، كما استطاعت استخدام التكنولوجيا بحرفية شديدة، في إعادة هيكلة البنية التنظيمية لها، سواء من حيث نشر الدعوة وأفكار التنظيم، أو الاستقطاب السياسي والأيدلوجي، بجانب تكييفها للاستخدام في عملية الحشد والتعبئة في المظاهرات، والانتخابات المختلفة وخصوصا «النقابية ـ البرلمانية» خلال فترة تولي مبارك للسلطة في مصر.
لم تشهد الإخوان على منابرها الإعلامية، منذ عزل مرسي، إلا سياسات تحريضية ضد كل من أبعدها عن السلطة، وتارة أخرى تتراجع وتدعو للاصطفاف
بعد ثورة 25 يناير، انعكست الأحداث السياسية المختلفة شكلا وموضوعا، على قدرة الإخوان في تطويع الأدوات الإعلامية لصالحها، كما كان الحال قبل الثورة، خصوصا في ظل إدارة أقل كفاءة وإدارك بمتغيرات الواقع وسبل التعامل معه، وهو ما جعل ملف الإعلام عبئا ثقيلا عليها، ولم تستطع تطويعه لصالحها كما كانت دائما سباقة في استخدام كافة الأدوات الإعلامية المتوفرة في كل حقبة زمنية، مقارنة بباقي القوى والأحزاب السياسية المنافسة لها.
يمكن القول أن انعدام الخبرات الإعلامية، والكوادر المؤهلة داخل الإخوان، للحديث مع عموم المصريين، وليس الصف الإخواني وحده، وهي عقدة تاريخية، أوقع المنابر الإعلامية للجماعة، في أسر الخطاب الأيديولوجي الإسلامي، والإخواني بشكل خاص، مما جعلها أقرب لنشرات تنظيمية، تستهدف وتخاطب أعضاء وجمهور الجماعة وحدهم، رغم توجيها لكامل المصريين، حسب قولهم، مما أفقدها جدواها وفاعليتها الإعلامية والسياسية، إلا أن تسرب السلطة من أيدي الإخوان بشكل سريالي في أعقاب أحداث ٣٠ يونيو من عام ٢٠١٣، جعل المنابر الإعلامية للجماعة، تزد من كتل الفشل بيوتا اخرى.
لم تشهد الإخوان على منابرها الإعلامية، منذ عزل مرسي، إلا سياسات تحريضية ضد كل من أبعدها عن السلطة، وتارة أخرى تتراجع وتدعو للاصطفاف، وهو ما جعلها، ومن تتحالف معهم في مرمي الحبس، والتشريد، والتفكك، والقصف الإعلامي، وكل ذلك بسبب تعالي الجماعة وإعلامها من خلفها، على الاعتراف بالواقع، وكيفية الاستفادة من تاريخها التصادمي مع السلطة، الذي هو منبع ومنهل للتجربة الإخوانية، بما فيها من حكايات غريبة، وموجعة، وعادية، ومتكررة.