جولة إفريقية لم يعلنها مسبقًا يقوم بها حاليًّا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إذ كانت وسائل الإعلام في أبوظبي قد أعلنت سابقًا أنه سيقوم بزيارة عمل رسمية إلى جمهورية إثيوبيا “فقط” يوم الإثنين الماضي.
لكنّ ابن زايد اتجه في اليوم الموعود أولًا إلى غرب القارة السمراء، فقد زار العاصمة السنغالية داكار واجتمع مع الرئيس مكي صال بحضور وزير الخارجية صديقي كابال، وعن الزيارة ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية العبارات الدبلوماسية المعتادة حيث قالت: “جرى خلال اللقاء بحث السبل الكفيلة بتعزيز العلاقات الثنائية وتطوير أوجه التعاون المشترك بين البلدين”.
أما عن الجوانب المالية فقد أوضحت المصادر الإماراتية أن الجانبين وقعا اتفاقية قرض يمول بموجبها صندوق أبوظبي للتنمية مشروع الطاقة الشمسية لتغذية المناطق الريفية في السنغال بمبلغ 13 مليون دولار، وإضافة إلى ذلك افتتح وزير الخارجية الإماراتي سفارة بلاده في العاصمة داكار.
لماذا السنغال أولًا؟
تنبع أهمية جمهورية السنغال في أنها تمثل إحدى دول الساحل الإفريقي، كما تطل على المحيط الأطلسي مباشرة.
سياسيًا، كانت داكار في بداية الأزمة الخليجية قد وقفت مع محور الإمارات ـ السعودية عندما سحبت سفيرها من الدوحة قبل أن تعيده وتستأنف علاقاتها كاملةً مع قطر في أواخر أغسطس/آب الماضي في خطوة اعتبرت ضربة للرياض وأبوظبي لا سيما أن تشاد حذت حذوها مؤخرًا.
افتتاح السفارة الإماراتية في السنغال
لذلك، قد يكون الهدف من الزيارة الإماراتية تعزيز الوجود في السنغال بعد افتتاح سفارة أبوظبي وربما يكون الغرض منها إغراء السنغال لقطع العلاقات مع قطر أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي وسحب السفير على الأقل كما حدث المرة السابقة، خصوصًا أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قام بزيارة إلى السنغال وصفها بالتاريخية، حيث استهل جولته الإفريقية الثانية من هناك أواخر العام الماضي.
وكانت داكار قد استقبلت مطلع مارس/آذار الحاليّ الرئيس التركي رجب أردوغان في زيارة خصصت لها القنوات التليفزيونية الرسمية في السنغال قسمًا كبيرًا من بثها وعلى رأسها قناة RTS الرسمية.
أديس أبابا المحطة الأبرز
استبقت الإمارات زيارة وزير خارجيتها – المعلنة – إلى العاصمة الإثيوبية بعقد اجتماع للجنة الفنية المشتركة بين البلدين في أديس أبابا يوم الإثنين الماضي، إذ ترأسها من الجانب الإماراتي محمد شرف مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية، ومن الجانب الإثيوبي السفير سليمان دديفو مدير عام دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية.
شهدت زيارة عبد الله بن زايد لإثيوبيا لقاءات واسعة استهلها بمقابلة الرئيس مولاتو تيشومي ورئيس الوزراء “المستقيل” هايلي مريام ديسالين
ولسنا في حاجة إلى أن نؤكد أهمية إثيوبيا الجيوسياسية؛ فهي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي بالإضافة إلى تأثيرها القوي على دول القارة السمراء وتبوئها مكانة رفعية في معدل النمو الاقتصادي والاستثماري خلال الفترة الأخيرة.
علاوةً على ذلك، تشهد إثيوبيا أزمة سياسية منذ منتصف فبراير/شباط الماضي عندما قام رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين بتقديم استقالته بصورةٍ مفاجئة أعقبها إعلان السلطات حالة الطوارئ بالبلاد، وسط مشاورات وأنباء عن خلافات واسعة بين مكونات ائتلاف “الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية” الحاكم، كما تنتظر المعارضة تغيرًا كاملاً في سياسات الحكومة وتطالب بتقاسم السلطة والثروات بين الطوائف كافة وإنهاء التهميش الذي تعاني منه قوميتا أورومو وأمهرا بحسب ما قال المتحدث باسم “جبهة تحرير الأورومو” المعارِضة، جمادا سوتي.
وشهدت زيارة عبد الله بن زايد لإثيوبيا لقاءات واسعة استهلها بمقابلة الرئيس مولاتو تيشومي ورئيس الوزراء “المستقيل” هايلي مريام ديسالين، كما التقى برئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، وبالطبع اجتمع مع نظيره الإثيوبي ورقينيه قبيو الذي كان في استقباله بالمطار.
وزير الخارجية الإماراتي مع الرئيس الإثيوبي
هل تسعى الإمارات للتدخل في إثيوبيا واختيار رئيس الحكومة الجديد؟
قبل الإجابة عن السؤال نود أن نشير إلى أن الدستور الإثيوبي يمنح معظم الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء، أما منصب رئيس الجمهورية فهو منصب فخري وشرفي لدرجة كبيرة نظرًا لأن إثيوبيا جمهورية فيدرالية برلمانية ورئيس الوزراء يمثل الدولة حسب المادة 74 من الدستور الإثيوبي لسنة 1994، ومع ذلك يتمتع رئيس الجمهورية ببعض الصلاحيات مثل المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات إلى جانب تعيين القضاة وإصدار الترقيات لهم ولقادة القوات المسلحة.
وفيما يتعلق بالسؤال تؤكد مصادر إثيوبية لنون بوست أن بلادهم محصنة ضد التدخلات الأجنبية ومحاولة فرض شخصيات من الخارج، حتى قادة المعارضة المختلفين سياسيًا مع نظام الحكم لا يقبلون بأن يكونوا حصان طروادة لقوى خارجية.
جدير بالذكر أن الائتلاف الحاكم يفترض أن يجتمع الأحد القادم لاختيار رئيس جديد له ثم يحال اسم المرشح إلى البرلمان لاختياره رئيسًا للوزراء خلفًا لديسالين إذا نال عدد الأصوات المطلوبة.
مهّد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد لزيارته لإثيوبيا بتوقيع شركة مواني دبي العالمية وكل من حكومة “أرض الصومال” وحكومة إثيوبيا في دبي اتفاقًا أصبحت بموجبه إثيوبيا شريكًا في ميناء بربرة بنسبة 19% مطلع الشهر الحاليّ
بالتالي، إذا حاولت الإمارات التدخل في تعيين رئيس الحكومة الجديد فإنها ستبوء بالفشل بكل تأكيد، وكذلك إذا سعت إلى تغيير بوصلة السياسية الخارجية لإثيوبيا، فالأخيرة تنتهج سياسة معتدلة تقوم على الاستقلالية والبعد عن الصراعات والتورط في صناعة الأزمات، إلا إذا حدث تغير جذري في بنية الحكم والإطاحة بائتلاف الجبهة الثورية، وهذا أمر مستبعد حاليًّا بعد أن استطاع الحزب الحاكم امتصاص الصدمة الأولى لاستقالة رئيس الوزراء وتبقى له كيفية حل الأزمة والتعاطي مع مطالب الأورومو والأمهرا.
الإمارات تُوتِّر علاقات إثيوبيا مع الصومال
بالإضافة إلى اجتماعات اللجان المشتركة المشار إليها، مهّد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد لزيارته بتوقيع شركة مواني دبي العالمية وكل من حكومة “أرض الصومال” وحكومة إثيوبيا في دبي اتفاقًا أصبحت بموجبه إثيوبيا شريكًا في ميناء بربرة بنسبة 19% مطلع الشهر الحاليّ.
وبموجب الاتفاقية التي عدلتها الإمارات خصيصًا لتضم إثيوبيا، تحتفظ مواني دبي بحصة 51% في المشروع وهيئة المواني في أرض الصومال بحصة 30%.
ربما لجأت الإمارات لهذه الخطوة كي تضمن وقوف إثيوبيا إلى جانبها في الاستحواذ على ميناء بربرة الواقع داخل حدود جمهورية أرض الصومال ـ المعلنة من جانب واحد ـ فقد أنهت جيبوتي خلال الأيام الماضية إدارة الإمارات لمحطة حاويات “دوراليه” في ضربة قاصمة لمساعي أبوظبي الرامية للهيمنة على المواني والممرات البحرية.
رغم أن إثيوبيا ليست متورطة في هذه الحملة فإن اتفاق ميناء بربرة سيجعلها عدوًا في نظر الصومال وشريكًا مع الإمارات التي تسعى بقوة لإطاحة حكم الرئيس محمد عبد الله فرماجو بشتى السبل
ومن جانبها أعلنت جمهورية الصومال عدم اعترافها بالاتفاقية الموقعة بين الأطراف الثلاث، ووجهت رسالة شديدة اللهجة إلى جامعة الدول العربية كان يفترض أن تناقش خلال القمة العربية التي تم تأجيلها إلى أبريل/نيسان.
الرسالة التي أرسلتها جمهورية الصومال إلى جامعة الدول العربية
إن الاتفاق الثلاثي الأخير من شأنه أن يعمل على توتير العلاقات الإثيوبية ـ الصومالية المتميزة وهذا سيؤثر بالتأكيد على أمن المنطقة فالحكومتان كانتا تنسقان بقوة في ملفات عدة من بينها مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة مثل حركة الشباب الصومالي، لذلك قد يكون على الحكومة الإثيوبية إعادة النظر في الاتفاق الأخير رغم حاجتها الماسة لمنفذ بحري فهي دولة حبيسة لا تطل على أي مسطحات مائية.
فالتوافق مع جارتها الصومال ربما يكون في الفترة الحاليّة أهم من اتفاق الميناء، نقول ذلك لأن مقديشو تتعرض في هذه الأثناء لهجمةٍ شرسةٍ من وسائل الإعلام الإماراتية والكتائب الإلكترونية المحسوبة على أبوظبي.
ورغم أن إثيوبيا ليست متورطة في هذه الحملة فإن اتفاق ميناء بربرة سيجعلها عدوًا في نظر الصومال وشريكًا مع الإمارات التي تسعى بقوة لإطاحة حكم الرئيس محمد عبد الله فرماجو بشتى السبل.
نستطيع أن نستخلص بسهولة أن جولة وزير الخارجية الإماراتي ـ غير المعلنة ـ كان الهدف منها بالدرجة الأولى منافسة حضور قطر وتركيا الذي تعزز في الآونة الأخيرة
افتتاح سفارة جديدة في رواندا وزيارة لمالي
بعد إثيوبيا التي خرج منها عبد الله بن زايد بتفاهمات ووعود مع نظيره الإثيوبي على تكثيف الاستثمارات الإماراتية ورفع وتيرة التبادل التجاري، اتجه إلى مالي حيث التقى بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا في العاصمة باماكو وخرجت زيارة بن زايد بعدد من الاتفاقيات بخصوص تشجيع الاستثمار ودعم إماراتي من مؤسسة الهلال الأحمر لإنشاء قرى نموذجية ومشروعات صحية.
ومن باماكو اتجه وزير خارجية الإمارات إلى رواندا حيث افتتح سفارة بلاده في العاصمة كيغالي.
افتتاح السفارة الإماراتية في رواندا
وبالطبع التقى ابن زايد في زيارته الرئيس الرواندي بول كاغامي، ونستطيع أن نستخلص بسهولة أن جولة وزير الخارجية الإماراتي – غير المعلنة -كان الهدف منها بالدرجة الأولى منافسة حضور قطر وتركيا الذي تعزز في الآونة الأخيرة بجولاتٍ قام بها كل من الشيخ تميم بن حمد ورجب طيب أردوغان، وربما هدفت الزيارات إلى محاولة إقناع الدول الإفريقية بالانضمام إلى المعسكر الإماراتي ـ السعودي في الأزمة الخليجية التي ألقت بظلالها بكل وضوح على القارة السمراء.
فقد سبقت السعودية حليفتها الإمارات وأعلنت تعيين وزير خاص للشؤون الإفريقية في ظل السباق المحموم على كسب ود دول المنطقة، لذلك لن نستغرب إذا قام الوزير السعودي المعين حديثًا بجولةٍ إفريقية قريبة!