سأتناول في هذا المقال فِكرة فصل الدين عن السياسة التي ذاع صيتها في الفترة الأخيرة خاصة في دول الربيع العربي كمصر وتونس وليبيا , حيث ظهرت أصوات تنادي بفكره فصل الدين عن السياسة والعمل علي وضع قوانين تمنع قيام الأحزاب السياسية علي أساس ديني كنوع من التطور السياسي نحو الديموقراطية.
سأحاول في هذا المقال مناقشة هذه الفكرة بمنظور سياسي بحت مع عرض لبعض الحقائق وإسقاطها علي الواقع العربي الحالي , سنناقش مدي إتفاق هذا المبدأ أي -فصل الدين عن السياسة ومنع إقامة الأحزاب علي أساس ديني – مع فكرة الديموقراطيه من الأساس , مع إلقاء الضوء علي بعض النظم السياسية الديموقراطيه في العالم في اوروبا وبعض الدول الأفريقيه التي تُطبق الديموقراطية.
هناك عدة أسئلة نريد أن نجد لها إجابة منطقية ..
أولا : هل فكرة منع تأسيس حزب سياسي بناءاً علي مرجعيته تتفق مع مبدأي الحرية والديموقراطية أم لا ؟!
أري ان هذا لا يتفق مع مبدأ الديموقراطية , فالديموقراطية أساساً قائمة علي صراع الأفكار والأيدلوجيات المختلفة علي السلطة لتتمكن من تنفيذ أيدلوجيتها طالما هذه الأفكار لها صدي في المجتمع وتمثل جزءاً أو فصيلاُ منه ففي النهاية الإختيار يتم حسمه عن طريق الشعب بالآليات الديموقراطية المعروفة , أي يختار كل شخص ما يناسبه من أيدلوجيات وما يراه قادراً علي تحقيق رفاهيته.
ثانيا هل تفصل كل دول اوروبا وغيرها من الدول الديموقراطية بين الدين والسياسة وهل تمنع قيام أحزاب علي أساس ديني ؟!
الإجابه هنا قد تكون مثيرة , فهناك الكثير من الأحزاب القائمة علي أساس ديني بحت وإليكم بعض الأمثلة , الحزب الديموقراطي المسيحي في كلاً من بلجيكا والدنمارك وكرواتيا وفرنسا وروسيا وهذه الحزب اليميني له مؤيديه في تلك الدول.
وربما الحال في ألمانيا اكثر إثارة , فهناك أكثر من حزب قائم علي أساس ديني كحزب الوسط المسيحي ,وحزب الإتحاد الإجتماعي المسيحي صاحب النفوذ الكبير في ولايه بافاريا , وحزب الإتحاد الديموقراطي وهو يشارك في الإتلاف الحاكم في المانيا منذ عام 2009 برئاسه المستشاره الألمانيه أنجيلا ميركل وهو الحزب الأكبر في ألمانيا الآن وأيدلوجيته “ديموقراطي مسيحي قومي يميني محافظ”.
بجانب الأحزاب القائمة علي أساس ديني في ألمانيا توجد بعض الأحزاب التي تدعم الحركات النازية كالحزب الوطني الإشتراكي , حيث أن الفكر النازي قائم علي القومية والتحريض ضد المهاجرين سواء أفارقة أو أسيويين , وأمتدت الأحزاب القائمة علي هذا الفكر إلي دول اوروبا الغربيه حيث وصلت إلي النمسا وفنلندا والسويد والنرويج والدنمارك وهناك بعض الدساتير في بعض الدول الإسكندنافية تشترط أن يكون الرئيس أو رئيس الوزراء من ديانة محددة وربما طائفه محددة أيضا !
حتي في بعض الدول الأفريقية التي تطبق الديموقراطية كجنوب افريقيا توجد أحزاب قائمة علي أساس ديني كالحزب الديموقراطي المسيحي الأفريقي.
ثالثا: بعد هذه الحقائق لماذا يٌصر بعض السياسيين العرب أصحاب التوجه العلماني او الإشتراكي علي تبني فكرة لا توجد أصلاً في دول أوروبا التي نشأ فيها الفكر العلماني والإشتراكي من الأساس ؟!
الإجابه في وجهه نظري أنهم يحاولون إبعاد القوي السياسية ذات التوجه الإسلامي بأي طريقة حتي وإن كانت منافيه لمبدأ الديموقراطية لعدم قُدرتهم علي مُنافسه تلك القُوي في الإستحقاقات الإنتخابية لعده أسباب , ربما لطبيعة الشعوب العريبة وثقافتها أو لأن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي صاحبة إرتِباط بالشارع وأكثر تنظيماً من غيرها.
الغريب في الأمر أن الكيان الصهيوني , الذي يُوصف بأنه الكيان الوحيد الديموقراطي في الشرق الأوسط , توجد في قوانينه الدستوريه نصوص مثيرة للدهشة .. مثل ينص يفيد أن إسرائيل ” دولة يهودية ديموقراطية” وهناك العديد من التشريعات التي تم سنها بناءاً علي نصوص في التوارة ولا يسمح بمخالفتها !
من المثير للدهشه أن يسمح في الدول العربية بإنشاء الأحزاب أياً كانت أيدلوجيتها ولكن لا يُسمح بإنشائها إذا كانت تستمد أيدلوجيتها من الشريعه الإسلامية !! رغم أن الحضارة الإسلامية هي المكون الرئيسي للحضارة العربية التي ينتمي إليها كل سكان الدول لعربية.
حيث يسمح بالأحزاب القومية كأحزاب البعث في سوريا ومصر والأحزاب الناصرية في مصر والأحزاب الليبرالية والعلمانية والإشتراكية في الحين الذي يثير وجود عِدة أحزاب ذات أيدلوجية إسلامية الكثير من الإعتراضات.
كيف يُطالبون بإستبعاد أيدلوجيات معينة من المشهد السياسي لتحقيق مكاسب سياسية من خلال ذلك ثم يُظهرون أنفسهم كمُدافعين عن الديموقراطية والحرية ؟! أليس حرية الفكر وتبني الأيدلوجيات هي لـُب الديموقراطية ؟!