ترجمة وتحرير: نون بوست
على خلفية زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للمملكة المتحدة، تم توقيع اتفاقية مؤقتة مع الحكومة البريطانية لشراء 48 طائرة مقاتلة بريطانية من طراز تايفون. وفي حال استكمل هذا الاتفاق، الذي وقع التوصل إليه في اليوم الأخير من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سيكون بمثابة الداعم الكبير لشركة “بي أي إي سيستمز” التي توظف حوالي 35 ألف شخص في بريطانيا. في المقابل، سيثير هذا الاتفاق غضب العديد من النشطاء المناهضين للحرب، خاصة في ظل تورط النظام السعودي في حملة القصف الدموية على اليمن، التي أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وتسببت في خلق أزمة إنسانية.
فى هذا الشأن، صرح وزير الدفاع البريطاني غافين ويليامسون عقب إعلانه عن الصفقة، مباشرة إثر لقائه مع ولي العهد، أن “هذا الاتفاق فتح فصلا جديدا على مستوى العلاقة التاريخية بين البلدين”. وتابع الوزير قائلا: “لقد اتخذنا خطوة حاسمة نحو وضع اللمسات الأخيرة على صفقة أخرى فيما يخص طائرات التايفون التي من شأنها أن تزيد الأمن في الشرق الأوسط وتعزز الصناعة البريطانية وترفع من نسبة الوظائف في قطاع الفضاء الجوي الذي لا نظير له”.
في تشرين الأول / أكتوبر الفارط، أعلنت شركة بي أي إي سيستمز عن انخفاض بحوالي 1400 وظيفة في قسم الفضاء الجوي في خمسة مواقع على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ويرجع ذلك جزئيا إلى التباطؤ في إنتاج تايفون. لذلك سيتسنى للشركة تعزيز آفاقها بشكل كبير من خلال الصفقة الجديدة التي قد تصل قيمتها إلى 10 مليار جنيه إسترليني.
في هذا السياق، صرح الرئيس التنفيذي للشركة، تشارلز وودبيرن أن “خطاب النوايا” يعد خطوة نحو عقد اتفاق نهائي لشراء الطائرات. ويأتي ذلك عقب الصفقة التي أبرمتها الشركة مع قطر في كانون الأول / ديسمبر الماضي لتزويدها بحوالي 24 طائرة. وقد قدرت قيمة هذه الصفقة بما يقارب 5 مليار جنية إسترليني . وأضاف وودبيرن، قائلا: “نحن ملتزمون بدعم المملكة التي بصدد تحديث القوات المسلحة السعودية وتطوير قدرات صناعية أساسية بالغة الأهمية لإرساء رؤية 2030”. عموما، يمكن تعريف رؤية 2030 على أنها برنامج إصلاحي يشمل جميع أنحاء البلاد، الذي كان للأمير محمد بن سلمان الفضل في الدفع به قدما. وقد لاقي بن سلمان دعما كبيرا من قبل مؤيديه الذين يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، حيث عمل على تعزيز مكانة المرأة على نحو لم يسبق له مثيل في المملكة السعودية.
“ستثير هذه الصفقة المخزية موجة من السعادة في القصر الملكي في الرياض، في حين ستعود بأرباح كبيرة على شركات الأسلحة. ولكن سيعني ذلك المزيد من الدمار بنسبة للشعب اليمني”
أحال النشطاء المناهضين للحرب إلى أن عمليات القصف المتواصلة على اليمن الذي تشنه الرياض، يعتبر دليلا على أن تعامل المملكة المتحدة لا يجب أن تتعامل مع السعودية بتاتا. في هذا الصدد، كشفت إحصائيات الحكومة البريطانية أنه منذ انطلاق القصف ضد اليمن في سنة 2015، قامت بريطانيا بترخيص بيع أسلحة تقدر بنحو 4.6 مليار جنيه إسترليني للسعودية، بما في ذلك تراخيص بيع بقيمة 2.7 مليار جنيه إسترليني لطائرات ومروحيات وطائرات من دون طيار، فضلا عن مبلغ إضافي بقيمة 1.9 مليار جنيه إسترليني لتمكين الرياض من قنابل يدوية وصواريخ ومعدات في مجال التدابير المضادة.
في إطار الصفقة الجديدة، ستتمكن القوات السعودية من نشر هذه المقاتلات، التي تعتبر من أكثر الطائرات المقاتلة متعددة المهام الموجودة حاليا تطورا نظرا للخصائص التي تتمتع بها، حيث تقدر سرعتها بحوالي 1500 ميل في الساعة وتحمل مجموعة هائلة من الأسلحة مخصصة للقتال البري والجوي على حد السواء.
في سياق ذي صلة، أفاد أندرو سميث، المنتمي “لحملة ضد تجارة الأسلحة”، أنه “في حال وقع اتفاق نهائي، ستثير هذه الصفقة المخزية موجة من السعادة في القصر الملكي في الرياض، في حين ستعود بأرباح كبيرة على شركات الأسلحة. ولكن سيعني ذلك المزيد من الدمار بنسبة للشعب اليمني”. وأضاف سميث أنه “وعلى امتداد عقود من الزمن وحتى الآن، كانت العلاقة بين الحكومات البريطانية المتعاقبة والمملكة العربية السعودية ضارة ومصدرا للدمار. وقد أثبتت تيريزا ماي من خلال ترحيبها الكبير واحتفائها بزيارة العاهل السعودي، إلى أي مدى يمكنها أن تنحدر للحفاظ على هذه العلاقة”.
أكدت منظمة الأمم المتحدة ومصادر أخرى مقتل ما بين 9 آلاف و14 ألف شخص في اليمن، في الفترة الممتدة بين شهر آذار/مارس من سنة 2015 وكانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017. كما يعتقد أن أكثر من خمسة آلاف من ضمن هؤلاء القتلى هم من المدنيين. وقبل الإعلان عن هذه الصفقة، ألقى زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربين خطاباً في اسكتلندا، قال فيه: “لقد طالبنا حكومة تيريزا ماي بأن تستغل فرصة زيارة ولي العهد محمد بن سلمان هذا الأسبوع لبريطانيا لوضع حد لعمليات بيع الأسلحة البريطانية للمملكة العربية السعودية، خاصة في ظل تواصل قصفها المدمر لليمن، فضلا عن مطالبة بن سلمان بتنفيذ وقف إطلاق نار فوري”.
يسعى سوق لندن للأوراق المالية إلى إدراج أرامكو السعودية ضمن بورصة لندن، فيما وصفه العديد بأكبر عملية تعويم في التاريخ
وأردف كوربين أن “الكارثة الإنسانية التي تعيشها اليمن تعد نتيجة مباشرة للقصف والحصار الذي تقوده السعودية. وفي حين يواجع الملايين المجاعة، يعاني مئات الآلاف من الأطفال من الكوليرا، في الوقت الذي لقي فيه آلاف المدنيين حتفهم”. وتعتبر المملكة العربية السعودية الطرف الرئيسي في ائتلاف يدعم الحكومة اليمنية في حربها التي شنتها ضد الحوثيين والتي لا تزال مستعرة منذ سنة 2015. وقبيل زيارته للمملكة المتحدة، أشار ولي العهد السعودي إلى مدى أهمية العلاقة بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال الأمن، قائلاً إن كلا البلدين سيحظيان “بقدر أكبر من الأمن في حال وجود علاقة وطيدة مع المملكة العربية السعودية”.
في حين أكد المتحدث الرسمي باسم تيريزا ماي أنها: “قد أعربت عن قلقنا العميق بشأن الوضع الإنساني في اليمن”، حرصت رئيسة الوزراء على تعزيز العلاقات التجارية مع الرياض، من خلال الموافقة بشأن بلوغ سقف 65 مليار جنيه استرليني من التبادل التجاري والاستثماري في السنوات القادمة. وقد وصفت رئيسة الوزراء هذا الأمر على أنه “تصويت بالثقة” لصالح بريطانيا في وقت تستعد فيه لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
من جانبه، يسعى سوق لندن للأوراق المالية إلى إدراج أرامكو السعودية ضمن بورصة لندن، فيما وصفه العديد بأكبر عملية تعويم في التاريخ. وقد دعي ولي العهد ليلة الخميس إلى مأدبة عشاء خاصة مع رئيسة الوزراء في قصر تشيكز، علما وأنه قد التقى خلال زيارته بأمير ويلز ودوق كامبريدج.
المصدر: الإندبندنت