أعاد تقرير صحيفة “ديلي تلغراف” الحديث عن أزمة مطار بيروت إلى الواجهة، فبعد توجيه الصحيفة البريطانية اتهامًا لـ”حزب الله” بتخزين أسلحة وصواريخ إيرانية داخل مطار لبنان الوحيد، أشعلت هذه الاتهامات المنصات ووسائل الإعلام التي سارعت للمطالبة ببناء مطار جديد، وردًّا على ذلك نفى وزير النقل والأشغال العامة هذه المزاعم، ودعا وسائل الإعلام إلى جولة تفقدية داخل مطار بيروت والتأكد من خلوّها من أي أسلحة.
تتزايد النقاشات والتحليلات اليوم في لبنان حول ضرورة بناء مطار ثانٍ يساهم في تخفيف ضغط الرحلات، ويعزز الاقتصاد من خلال توفير فرص عمل جديدة للبنانيين، أو أقلها بناء مطار تجاري للبضائع، لكن هذه الدعوات تصطدم بعقبات طائفية تتعلق بداية بتحديد موقع المطار الجديد إضافة إلى توزيع الوظائف والإدارة.
الأمر لا يقتصر فقط على مطار بيروت، بل يتعداه ليشمل سلسلة المرافق وشبكة النقل اللبنانية بأكملها، التي لم تشهد تطورًا منذ الحرب الأهلية، ما يزيد من تعقيدات الحياة اليومية للسكان، ومن المعروف أن بعض الجهات السياسية تعيق وتمنع تطوير شبكات النقل، حيث تطالب بحصص معينة من المشاريع، ما يعطل تنفيذ مشاريع حيوية مثل شبكة السكك الحديدية أو حافلات النقل العام، أو حتى أقل من ذلك.
مشاريع معطلة
أُهمل قطاع النقل في لبنان بشكل لا مثيل له، حيث صبَّ جزء من هذا الإهمال في مصلحة أصحاب شركات النقل الخاصة، والجزء الآخر في مصلحة الشركات المستوردة للسيارات وشركات استيراد الوقود، ما أدى إلى ازدياد عدد السيارات في لبنان بشكل كبير، حيث بلغ أخيرًا نحو 274 سيارة لكل 1000 شخص، ما تسبّب في ازدحام كبير على مداخل المدن والعاصمة بيروت، هذا مع غياب وسائل النقل الجماعي الحكومية.
شبكة النقل اليوم في لبنان متخلفة جدًّا، فهي تتكون فقط من باصات صغيرة (فان) أو سيارات أجرة (سيرفيس) وسيارات خاصة، دون وجود مترو أو سكة حديد أو حتى باصات حكومية دورية، باستثناء باص واحد داخل العاصمة بيروت، ما جعل المواطنين يعانون في التنقل بين المدن الكبرى أو التنقل من الضواحي إلى المدن والعكس.
ورغم تطور شبكة النقل في البلدان المجاورة، إلا أن لبنان يتراجع حتى مع ظهور خطط في التطور أو هبات خارجية، والتي غالبًا ما يكون مصيرها أدراج الوزارة لأسباب مجهولة.
في الوقت الراهن، اختفى وجود القطاع العام في قطاع النقل المشترك نتيجة عقود من الإهمال والسياسات الخاطئة، التي أدّت إلى ضعف دوره وهيمنة القطاع الخاص على السوق. وتكثر الحاجة اليوم إلى شبكة نقل عام تنتشر على طول الأراضي اللبنانية لتخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة مع وجود الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد.
وبينما يعتمد العالم على القطارات كوسيلة أساسية لنقل الركاب والبضائع، والتي تعتبر جزءًا من تطور البلدان ونموها، تراجع لبنان إلى الوراء في هذا المضمار، فبعد أن كان يمتلك شبكة من 403 كيلومترات، ضاعت الشبكة وكل ما تحمله من إمكانات. فقد دمرت “إسرائيل” القطارات وسكة الحديد في ثمانينيات القرن الماضي بعد قصفها، لتصبح عبارة عن معلم تراثي أثري.
والمضحك المبكي هو استمرار دفع الدولة لموظفي سكة الحديد رغم انتهائها منذ عقود، وكالعادة ظهرت محاولات عديدة لإعادة سكة الحديد إلى لبنان إلا أنها جميعها تكللت بالفشل. ففي عام 2002 وُضع حجر الأساس لإعادة ربط مرفأ طرابلس عبر سكة الحديد بالحدود اللبنانية السورية، على أن يُربط لاحقًا بالخط السوري وذلك لأغراض الشحن، وتم شراء الحديد الذي لا يزال موجودًا حتى اليوم في الأمانة بمرفأ طرابلس، ورغم وجود ملف “التلزيم” وكل الخرائط والدراسات اللازمة إلا أنه لم يتم تنفيذ الخط.
وآخر تحديث لملف “التلزيم” كان موجودًا ضمن الأوراق التي أُرسلت الى مؤتمر سيدر في باريس لدعم الاقتصاد اللبناني، حيث جرى رصد تمويل جديد له، لكن تضخيم الأموال اللازمة لإنشاء المشروع في كل مرة جعله غير قابل للتنفيذ، حيث كانت كلفة المشروع في البداية تقدّر بـ 20 مليون دولار وانتهى في سيدر بـ 80 مليون دولار.
المطار في قبضة الحزب
تعتبر جهات لبنانية أن “حزب الله” يسيطر على مرافق الدولة الرئيسية، وأبرزها مطار بيروت الدولي، وأثار تقرير صحيفة “ديلي تلغراف” الذي اتهم الحزب بتخزين أسلحة وصواريخ إيرانية داخل المطار، مخاوف كبيرة، واعتبره البعض تحريضًا لـ”إسرائيل” على قصف المطار، ما أثار الذعر بين اللبنانيين.
وتروي وسائل إعلام لبنانية حوادث عن سيطرة “حزب الله” على المطار، حيث تحوم الكثير من علامات الاستفهام حول مطار رفيق الحريري الدولي، كما هو الحال مع باقي المرافق الحيوية من مرافئ ومعابر حدودية.
وتشير تقارير عديدة إلى أن الحزب يعتمد على المطار بشكل كبير في كل عملياته، ونقل واستيراد ما يريد دون حسيب أو رقيب، وهو ما أكده الخبير العسكري نزار عبد القادر الذي اعتبر في حديث لموقع “الحرة” اللبناني، أنه “من المستحيل وقف سيطرة الحزب على المطار، إذ كل ما في المطار يتبع له بما فيه موظفي الدولة”.
ويتحدث بعض نواب المعارضة بأن “حزب الله” زرع كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت في محيط المطار وداخله لمراقبته، ما يمكّنه من مراقبة الشخصيات اللبنانية أو غير اللبنانية التي تصل وتغادر لبنان، وبالتالي جعل المطار ملعبه الخاص يفعل به ما يريد.
إضافة إلى أمكانية السيطرة على المطار، وهو ما تكرر سابقًا في عدة مناسبات، مثلما حدث في 7 مايو/ أيار 2008 و23 يناير/ كانون الثاني 2007، عندما سيطر الحزب على بيروت وتعمّد إغلاق المطار من قبل عناصره بطريقة فعّالة عبر وضع حواجز على الطرقات، وهذا كله زاد من المطالبات بإنشاء مطار ثانٍ في بيروت أكثر أمانًا للبنانيين وغيرهم من الزوار.
في المقابل، يرفض مدير مطار بيروت، المهندس فادي الحسن، كل التقارير التي تشير إلى سيطرة “حزب الله” على المطار، مؤكدًا أن “الأجهزة اللبنانية الرسمية موجودة وتقوم بواجباتها داخل المطار، وهي الوحيدة المولجة حماية أمن المطار والمسافرين. وتراعي الإجراءات المتّبعة كل معايير السلامة العامة في العالم”.
صراع الطوائف
أجريت عدة دراسات على مواقع متعددة في الأراضي اللبنانية بهدف إنشاء مطار ثانٍ، كما تمّت مناقشة إمكانية توسيع وتطوير مطار حامات شمال بيروت بأحدث المعدات لاستقبال الطائرات التجارية الضخمة.
في ثمانينيات القرن الماضي، طُرح مشروع لإنشاء مطار دولي في خليج جونيه (محافظة جبل لبنان)، بعد ردم عدة كيلومترات منه بأتربة وصخور من الجبال الملاصقة له، وأكدت مصادر مواكبة لمؤتمر باريس-3 أن دولًا مثل فرنسا وألمانيا واليابان اقترحت إمكانية تمويل إنشاء مطار جديد بعد تحديد السلطات اللبنانية الموقع المناسب، إلا أن هذا الأمر لم يُبتّ في لبنان نتيجة تعقيدات سياسية وطائفية عديدة.
وتتصارع الأقطاب اللبنانية حول إنشاء مطار جديد، وهذا الصراع لا يمكن حله إلا بتلاشي الأحزاب المتصارعة، فالقطب الأول المتمثل بالقطب المسيحي اليميني الذي يسيطر عليه الفكر الفيدرالي، تكمن أحلامه في إنشاء مطار داخل مناطق سيطرته، أما القطب الثاني وهو القطب الشيعي، والذي يسيطر حاليًا على مرافق الدولة، فلا يسمح بالسيطرة المسيحية اليمينية المتطرفة على مرافق الدولة أو على المطار.
ويمثل هذا الصراع حال لبنان المتآكل الذي يتأرجح بين سيطرة اليمين المسيحي المتطرف من جهة، والقطب الشيعي المتمثل بـ”حزب الله” وحركة أمل من جهة أخرى على البلد، ولكل منهما حصصه وأماكن سيطرته، مع تراجع الدور السنّي وضعفه مع غياب مرجعية سنّية أو زعيم سنّي.
وفي تفاصيل هذا الصراع، يرى القطب المتمثل بـ”حزب الله” أن البعض يريد استغلال وجود المطار قرب الضاحية الجنوبية لبيروت (منطقة نفوذه)، وكذلك الاتهامات التي تطال الحزب بالتدخل لطرح إنشاء مطار جديد، ليست لمخاوف أمنية إنما لأحلام طائفية وتقسيمية.
ويتهم “حزب الله” حزب القوات اللبنانية بالترويج لهذا الطرح لتبرير إنشاء مطار ومرفأ في مناطق نفوذه، معتبرًا أن حزب القوات كان في صلب استراتيجيته خلال الحرب الأهلية اللبنانية إنشاء مطار جديد في منطقة جبيل، وسوّق له آنذاك تحت عنوان “حالات حتمًا”.
وتشير دراسة مقدَّمة لمجلس الوزراء اللبناني إلى أهمية إنشاء مطار جديد في منطقة القليعات شمال لبنان، حيث إن كلفة امتلاك الأراضي المحاذية لمطار القليعات منخفضة ولا تتعدى الـ 400 مليون دولار، كما أن طوبوغرافية المنطقة هي الأنسب على الأراضي اللبنانية لإنشاء مطار، نظرًا إلى عدم وجود مرتفعات ملحوظة تعيق حركة الإقلاع والهبوط.
لكن مطار القليعات ومطار حامات يقعان في مناطق سيطرة حزب القوات اللبناني، والمعروف بمواقفه التي تحارب اللاجئين وترفضهم رفضًا قاطعًا لا سيما السوري والفلسطيني، ولا تمانع سلامًا مع “إسرائيل”.
ويرى اليمين المسيحي المتطرف أن المطار فقط للطائفة الشيعية، وهم أصحاب فكر تقسيمي بحت، إذ إن أحادية المطار هي جزء لا يتجزأ من مشروع الهيمنة الطائفية على البلد، فكما يسيطر الحزب وطائفته على مطار بيروت يجب أن تمتلك الطوائف الأخرى مطاراتها الخاصة من وجهة نظرهم.
وهكذا يضيع حلم إنشاء مطار لبناني تحت أطماع التقسيم الطائفي والمحاصصة التي تقوم عليها جميع مكونات لبنان، حيث تعيق هذه الاعتبارات الطائفية والسياسية تحقيق مشاريع حيوية مثل إنشاء مطار جديد يساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية وتحسين البنية التحتية في البلاد.