يبدو أن آخر مدير للمخابرات الحربية في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لم ينس أبدًا الدور المحوري الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الحشد لثورة يناير، فمنذ توليه الحكم رسميًا في يونيو 2014، لم تتوقف حرب نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام المستقل، فتم حجب عشرات المواقع الإخبارية وجرى اعتقال العديد من الصحفيين، ومؤخرًا أصدر النائب العام تكليفًا للمحامين العامين ورؤساء النيابة العامة بوضع مواقع التواصل الاجتماعي تحت المراقبة.
السيسي vs الإعلام.. كلاكيت ألف مرة
بعد 4 أشهر فقط من دخوله قصر الاتحادية، ظهرت بوادر تأفف السيسي من وسائل الإعلام المستقلة ومواقع التواصل الاجتماعي، ففي 5 من أغسطس 2014، عبّر السيسي عن حلمه في امتلاك إعلام موالٍ تمامًا له، وذلك خلال كلمته في احتفالية إعلان تدشين محور تنمية قناة السويس، وقال بالحرف الواحد: “الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظًا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه”.
وفي 6 من سبتمبر 2014، انتقد السيسي، خلال كلمته في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، طريقة تناول وسائل الإعلام لقضية انقطاع الكهرباء، وتحديدًا جملة “الحكومة منورة”، قائلًا: “لما ألاقي في الجرنال مكتوب الحكومة منورة، هو أنت كده يعني بتعالج الموضوع لما تكتب كده؟ مينفعش، لكن الحل في معالجة الأمور”.
وفي 21 من أكتوبر 2014، وجّه السيسي كلمة للإعلاميين، خلال حضوره مناورة ذات الصواري بالإسكندرية، قائلًا: “أنتوا الإعلاميين، على مهلكوا على المصريين، الناس قاعدة في بيوتها بتسمع منكم وبتقرأ لكم، خلوا عندهم أمل عشان إحنا ماشيين كويس، مش زي ما إحنا عايزين، لأن آمالنا كبيرة أوي، خلوا فيه سياق عام تتكلموا فيه، اللي هو الحفاظ على الدولة المصرية”.
في 24 من فبراير 2016، فقد السيسي أعصابه، خلال كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، وطلب من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره
وفي 1 من نوفمبر 2015، هاجم السيسي، خلال ندوة تثقيفية نظمتها القوات المسلحة، تصريحات الإعلامي خالد أبو بكر التي انتقد خلالها اجتماع الرئيس مع مجموعة سيمنز الألمانية في أثناء أزمة غرق شوارع الإسكندرية بمياه الأمطار، حيث قال السيسي: “أحد الإعلاميين بيقول إزاي الرئيس يقعد مع سيمنز وشايف إسكندرية بتغرق، حاجة صعبة أوي، عيب ميصحش كده، إيه الشغل ده والأمر ده لا يليق، أنتوا بتعذبوني أني جيت وقفت هنا”.
وأضاف السيسي في معرض هجومه على الإعلام: “بحس أن الناس مش عارفة وبتتكلم وتنشر جهل وعدم وعي بين الناس وقطاع الإعلام مفهموش كارثة ولا إيه؟ المرة الجاية هشتكيكم للشعب”.
وفي 24 من فبراير 2016، فقد السيسي أعصابه، خلال كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، وطلب من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره، قائلًا: “أنا عارف مصر وعلاجها، لو سمحتوا متسمعوش كلام حد غيري، أنا فاهم أنا بقول إيه، خلي بالكو، أنا لن أسمح بذلك”. وفي 13 من أبريل 2016، وخلال لقائه مع ممثلي فئات المجتمع المصري بقصر الاتحادية، اتهم السيسي مواقع التواصل الاجتماعي بتضخيم أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي تم العثور على جثته مشوهة في 3 من فبراير 2016، قائلًا: “نحن من صنعنا الأزمة في هذه القضية، بمجرد أن تم إعلان مقتل ريجيني، البعض منا اتهم الأجهزة الأمنية المصرية بالتورط في هذه الجريمة، وشبكات التواصل الاجتماعي تحدثت عن ذلك”.
هدّد السيسي كل صاحب وجهة نظر عندما قال: “لن أحاسب أحد على وجهة نظره، لكن لن أسمح أن يتم تحويلها إلى صيغة يتم طرحها على الناس”
أما في 13 من أكتوبر 2016، جدّد السيسي هجومه على مواقع التواصل ووسائل الإعلام، خلال كلمة له، وقال إنها بثت شائعات لم تكن مريحة عن علاقة مصر بالسعودية. كمت هاجم السيسي وسائل الإعلام على خلفية انتشار خبر إنشاء قاعدة روسية في سيدي براني، وقال خلال حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية: “للأسف بعض وسائل الإعلام المصرية تناقلت الخبر دون أن تسأل وأن تتحقق، هذا الخبر لا أساس له من الصحة، لا قواعد عسكرية لروسيا أو غيرها في مصر”.
وفي 26 من يوليو 2017، طالب السيسي الإعلام، خلال فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية، بخلق “فوبيا” لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية، وحماية مصر من السقوط، مؤكدًا استعداد الدولة لدعم إنتاج عمل سينمائي في مواجهة ما أسماه محاولات هدم وإضعاف الدولة.
عملت الحكومة المصرية على تحقيق أمنية السيسي في إزاحة الإعلام غير الحكومي بشتى الطرق، وفي 24 من مايو 2017، وجهت ضربة قاصمة للمواقع الإخبارية المستقلة، عندما حجبت عددًا منها، بتهمة بث أخبار تحريضية
خلال لقائه مع عدد من المراسلين الأجانب وممثلي وسائل الإعلام الغربية وعدد من رؤساء التحرير والإعلاميين المصريين بجلسة “الرئيس يلتقي الصحافة” على هامش جلسات منتدى شباب العالمي، وجّه السيسي الإعلاميين المصريين بضرورة الحفاظ على الروح المعنوية للشعب، مؤكدًا أن مصر تتعرض لحروب الجيل الرابع والخامس، وقال إن الشائعات المتداولة على بعض المواقف تقف وراءها أجهزة من الخارج.
كما أمر السيسي، في نوفمبر 2017، وخلال افتتاحه المرحلة الأولى من حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، الإعلاميين المصريين بالتحقق مما يذيعونه ويقولونه، قائلًا: “الإعلام عليه دور كبير، والإعلامي يجب أن يفهم ما تقوم به الدولة لإيصاله للمواطن البسيط بلغة يفهمها”، مضيفًا: “سبب عدم رضا المواطنين عن أي دولة هو عدم وصف سبب تخلفهم وتراجعهم بشكل حقيقي”.
وفي مطلع الشهر الحاليّ، حذّر السيسي وسائل الإعلام من الإساءة للجيش والشرطة، خلال تدشين مشروع مدينة العلمين الجديدة، قائلًا: “الإساءة للجيش والشرطة هي إساءة لكل المصريين، وبالتالي فهذا الأمر لم يعد حرية رأي، وهو يساوي عندي خيانة عظمى”. وخلال كلمته، هدّد السيسي كل صاحب وجهة نظر عندما قال: “لن أحاسب أحد على وجهة نظره، لكن لن أسمح أن يتم تحويلها إلى صيغة يتم طرحها على الناس”.
الحجب.. أخطر وسائل التنكيل
عملت الحكومة المصرية على تحقيق أمنية السيسي في إزاحة الإعلام غير الحكومي بشتى الطرق، وفي 24 من مايو 2017، وجهت ضربة قاصمة للمواقع الإخبارية المستقلة، عندما حجبت عددًا منها، بتهمة بث أخبار تحريضية، وظلت تتبع سياسة الحجب حتى وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى أكثر من 500 موقع، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
ومن أبرز هذه المواقع: قناة الجزيرة، مدى مصر، ديلي نيوز إيجبت، مصر العربية، البديل، عربي 21، المنصة، ساسة بوست، هاف بوست عربي، نون بوست، إضاءات.
كما امتد الحجب إلى البرامج الإلكترونية من مقدمي خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية “vbn” والخوادم الوكيلة “proxy server” التي تمكن المستخدمين من تجاوز الحجب.
لم يكن مجلس النواب المصري أقل حماسًا من الحكومة لتحقيق رغبة السيسي في إسكات أي أصوات أو آراء مخالفة، فعلى مدار العامين الماضيين، سعى بكل قوته إلى التضييق على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المستقلة
وفي مطلع فبراير الماضي، حجبت الحكومة المصرية مشروع “AMP” لتسريع عملية تصفح مواقع وصفحات “الوب”، ومشروعAccelerated Mobile Pages أتاحته شركة “جوجل” لأي ناشر ليحمل أي صفحات “وب” بشكل أسرع على الهواتف المحمولة، ومؤخرًا كانت تستخدمه المواقع المحجوبة لتمكين المستخدمين من الوصول إليها.
في السياق ذاته، أشارت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في أحدث تقاريرها عن قضية الحجب، الصادر في 19 من فبراير الماضي، الذي جاء تحت عنوان “غلق النوافذ”، أشارت إلى أن عدد المواقع المحجوبة رغم ارتفاعه لا يشكل الدلالة الحقيقية على ممارسات السلطة لفرض السيطرة على الأخبار المتداولة على الإنترنت في مصر بقدر ما توضح نوعية المواقع المحجوبة اتجاهات السلطة في فرض الرقابة على الإنترنت عمومًا. جدير بالذكر أن آخر المواقع التي حجبتها السلطات المصرية، موقع “هاف بوست” الرئيسي (النسخة الأمريكية)، الأربعاء الماضي 7 من مارس.
البرلمان يتعقب مواقع التواصل
لم يكن مجلس النواب المصري أقل حماسًا من الحكومة لتحقيق رغبة السيسي في إسكات أي أصوات أو آراء مخالفة، فعلى مدار العامين الماضيين، سعى بكل قوته إلى التضييق على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المستقلة، وتعالت أصوات النواب المطالبة بفرض الرقابة التشريعية عليها.
وتوعد رئيس البرلمان علي عبد العال رواد مواقع التواصل بتنظيم عمل هذه المواقع، محذرًا بعض النواب من كتابة “بذاءات” على صفحاتهم، على حد وصفه. فيما تسابق نواب البرلمان على تقديم مقترحات تشريعية تحجم مواقع التواصل، حيث قدّم محمد عمارة عضو الهيئة العليا في حزب مستقبل وطن، مشروع قانون تقنين وضع “فيس بوك” ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تقدم النائب تادرس قلدس بمشروع قانون “مكافحة الإرهاب الإلكتروني” من أجل تقنين محتوى مواقع التواصل.
وسبق أن قدّم النائب رياض عبد الستار مشروع قانون يهدف لوضع ضوابط استعمال وسائل التواصل، كذلك اقترح النائب محمد الكومي عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، مشروع قانون لإنشاء “فيس بوك” مصري يدخل فيه المواطن ببطاقات الرقم القومي، للحد من إنشاء حسابات وهمية زعم أنها تضلل الرأي العام وتضر بالأمن القومي.
في إطار التضييق المنهجي من البرلمان على وسائل الإعلام، وافقت مؤخرًا لجنة الاتصالات بالبرلمان المصري، بعد مطالبة وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار نواب لجنة الدفاع بسن تشريع لضبط مواقع التواصل
أيضًا تقدم النائب تامر الشهاوي عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، بمشروع قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية ووافقت عليه لجنة الاتصالات بمجلس النواب، وسبق أن تقدم النائب أحمد رفعت عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بمشروع قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية الذي يهدف لمواجهة جرائم السب والقذف وأعمال الابتزاز من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
أما النائب مرتضى منصور المشهور بكرهه لثورة يناير ودائم الانتقاد لرواد مواقع التواصل، فقد طالب، أكتوبر الماضي، بإغلاق مواقع التواصل نهائيًا.
وفي إطار التضييق المنهجي من البرلمان على وسائل الإعلام، وافقت مؤخرًا لجنة الاتصالات بالبرلمان المصري، بعد مطالبة وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار نواب لجنة الدفاع بسن تشريع لضبط مواقع التواصل، وافقت على مشروع قانون تقدمت به الحكومة يقنن إجراءات حجب المواقع الإلكترونية.
منح التشريع المقترح النيابة العامة الحق في أن تأمر بحجب المواقع الإلكترونية “متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل مصر، أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية، أو ما في حكمها، قد تُشكل تهديدًا للأمن القومي المصري، أو تُعرض أمن البلاد أو اقتصادها للخطر“.
أزمة زبيدة تؤجج الصراع
في نهاية فبراير الماضي، شهدت الساحة المصرية صراعًا ساخنًا بين الحكومة المصرية وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” على خلفية تقرير بثته المحطة عن الاختفاء القسري في مصر، ظهرت خلاله والدة فتاة تُدعى “زبيدة” وأكدت تعرض ابنتها للاختطاف والتعذيب والاختفاء القسري.
لاحقاً، ظهرت زبيدة بنفسها مع الإعلامي عمرو أديب، ونفت تعرضها للاختطاف، فيما ألقت السلطات المصرية القبض على والدة زبيدة، بعد تصريحاتها التي أكدت فيها تعرض ابنتها للضغط للظهور الإعلامي ونفي التعذيب الذي تعرضت له.
في أثناء أزمة زبيدة، دخل النائب العام المستشار نبيل صادق، على الخط، وأصدر قرارًا بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، بحسب البيان الصادر عن النيابة العامة
لم تنته الأزمة عند هذا الحد، بل أصدر حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، قرارًا بتعليق أي تعاون إعلامي مع هيئة بي بي سي، وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لمؤسسة الرئاسة المصرية، بيانًا، دعت فيه المسؤولين المصريين وقطاعات النخبة بمقاطعة “بي بي سي” وعدم التعامل مع محرريها ومراسليها لحين اعتذارها رسميًا عن الواقعة، كما سلّمت السلطات المصرية المحطة احتجاجًا رسميًا وطالبتها بالاعتذار. من جانبها، أكدت هيئة “بي بي سي”، على لسان متحدث باسمها، أنها تثق في نزاهة الفريق الصحفي الذي أعد التقرير المثير للجدل.
النائب العام يدخل على الخط
في 28 من فبراير الماضي، وفي أثناء أزمة زبيدة، دخل النائب العام المستشار نبيل صادق، على الخط، وأصدر قرارًا بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، بحسب البيان الصادر عن النيابة العامة.
بحسب البيان، “النائب العام أصدر قرارًا بتكليف المحامين العامين ورؤساء النيابة العامة كل في دائرة اختصاصه بالاستمرار في متابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها ويصدر عنها عمدًا من أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع أو يترتب عليها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية”.
واستخدم البيان ألفاظًا غامضة ومشوشة، حيث أشار إلى أن الأمر الذي أصدره النائب العام أتى في ضوء “ما تلاحظ مؤخرًا من محاولة قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن ببث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي”.