لم تشفع لهم أوضاع بلدهم المأساوية في النجاة من مقصلة التعديلات الجديدة التي أدخلتها السعودية على قانون العمل، إذ بات اليمنيون العاملون في المملكة “كبش الفداء” الأول لتلك الإجراءات التي تهدف من خلالها السلطات السعودية ملء خزائنها وسد العجز في ميزانيتها المستمر للعام الرابع على التوالي، دون النظر إلى ما يمكن أن يترتب على مثل هذه السياسات من الإطاحة بمئات الآلاف من العمالة الوافدة وغلق منافذ الرزق أمام الملايين من الأسر.
عشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين العاملين في الأراضي السعودية، تم ترحيلهم قسرًا منذ بدء تطبيق قوانين العمل الجديدة في المملكة، ليتصدر اليمنيون قائمة الجنسيات الأكثر تأثرًا بهذه الإجراءات في الوقت الذي تتهم فيه السعودية بأنها صاحبة الحصة الأكبر من دوافع نزوح اليمنيين عن بلادهم خلال السنوات الأخيرة منذ إعلانها الحرب ضد الحوثيين في اليمن قبل ثلاثة أعوام.
مغادرة 40 ألف يمني
ما يزيد على 40 ألف مغترب يمني غادورا السعودية خلال أقل من 3 أشهر عائدين إلى اليمن منذ تطبيق التعديلات الجديدة التي صاحبها فرض رسوم غير مسبوقة على العمالة الوافدة في المملكة، وذلك بحسب مصدر بالحكومة اليمنية لم يفصح عن اسمه خشية تعرضه للإقالة أو المضايقة من دول التحالف العربي كما حصل للعديد من الوزراء في الحكومة اليمنية، في تصريحاته لموقع “المصدر أونلاين” اليمني المستقل.
المسؤول الحكومي ذكر أن “عدد المغتربين اليمنيين الذين تم ترحيلهم أو سجلوا خروج نهائي عبر منفذ الوديعة وحده بلغ 36 ألف مغترب خلال الفترة من بداية ديسمبر/كانون الأول إلى 20 من فبراير/شباط الماضي”، موضحًا أن تلك الإحصائية لا تشمل عدد المغتربين العاديين الذين يغادرون عبر مطارات السعودية إلى مطار عدن، أو ممن ينتقلون إلى بلدان أخرى بحثًا عن فرص عمل واغتراب جديدة.
رغم التقارب الواضح بين الحكومتين السعودية واليمنية، فإن الأخيرة فشلت في إقناع السلطات بالمملكة بضرورة استثناء اليمنيين من موجات الترحيل القسري جراء تطبيق التعديلات الأخيرة
وأضاف أنه تم تسجيل نحو 32 ألف يمني ممن تم ترحيلهم من المغتربين اليمنيين عبر منفذ الوديعة البري بين السعودية واليمن، على أساس أنهم من (مجهولي الهوية)، ورُحّلوا من السلطات السعودية بتلك الذرائع، بينما سجل أكثر من 4 آلاف آخرين خروج نهائي من السعودية بسبب القوانين الجديدة التي تم تطبيقها هناك، وتضمنت سعودة وتأنيث عدد من الأنشطة والمهن التي كان بالأساس يعمل بها اليمنيون.
العديد من المصادر الاقتصادية قدرت اليمنيين المرشحين لفقدان وظائفهم في المملكة بمئات الآلاف، وأن الكثير منهم مهددون بالترحيل في أي لحظة، خاصة بعد تطبيق السعودية بشكل كامل على الأنشطة التجارية التي غالبًا ما تشمل المجالات التي يعمل بها اليمنيون.
القوانين الجديدة شبح يهدد ملايين الوافدين بالمملكة
بين الترحيل والبقاء
“لم تترك لنا الجارة الكبرى أي خيارات جانبية أو حلول أخرى تمكنا من العيش والبقاء في المملكة، لقد وضعت كثير من المقيمين أمام وضع حرج، ومرهق لكثير من أسر وأفراد المغتربين”، بهذه الكلمات علق محمد أبو شهاب من أبناء محافظة إب اليمنية وأحد المغتربين في المملكة منذ عامين على القوانين الجديدة.
وأضاف أن “متوسط الدخل العام للمغتربين وخاصة اليمنيين لا يتعدي 2000 على 2500 ريال السعودي وفي حال تم توزيع هذا المبلغ على احتياجاتنا اليومية وتسديد الرسوم المفروضة فإنه بلا شك سيدفع بكثير من الأسر للمغادرة إلى أرض الوطن أو البحث عن دولة أخرى تكون فيها مقومات الحياة الأساسية متوفرة”، وتابع “ثمة ضرائب ورسوم أخرى إلى جانب الرسوم الأخيرة، تتمثل في رسوم تجديد الإقامة، ورسوم التأمين الطبي، وكذلك الرسوم الدراسية للأولاد، إضافة إلى رسوم المواصلات، إلخ، كل هذا يتم سحبة من مرتب المقيم وفي حال قمنا بحسابها فسينتهي المطاف بلا شك إلى التفكير طريق العودة إلى الوطن”، بحسب تصريحاته لموقع “اليمني الجديد“.
أما عن مسألة العودة إلى اليمن مرة أخرى، فأشار محمد العقاب، مغترب يمني في المملكة، أنه “لا توجد مشكلة بالعودة إلى الوطن، لكن الإشكالية تكمن في أن الدوافع والأسباب وما يسمى بعوامل الطرد التي كانت وراء هجرة ملايين اليمنيين لم تزل حتى الآن”، لافتًا إلى أن الخيارات أمام المغتربين اليمنيين ضيقة جدًا ومحدودة، وتنحصر بين العودة إلى الوطن المثخن بالحرب والأزمات المختلفة، أو البحث عن دولة أخرى وبداية رحلة جديدة في مشوار الاغتراب، أو البقاء في السعودية وتحمل التكاليف الباهظة للإقامة فيها.
40 ألف مغترب يمني غادروا السعودية خلال أقل من 3 أشهر عائدين إلى اليمن منذ تطبيق التعديلات الجديدة التي صاحبها فرض رسوم غير مسبوقة على العمالة الوافدة في المملكة
فشل المفاوضات مع الرياض
رغم التقارب الواضح بين الحكومتين السعودية واليمنية، فإن الأخيرة فشلت في إقناع السلطات بالمملكة بضرورة استثناء اليمنيين من موجات الترحيل القسري جراء تطبيق التعديلات الأخيرة، وذلك مراعاة لظروف اليمن الذي حولته الحرب التي تقود السعودية أحد طرفيها إلى أطلال وأنقاض دولة، فضلاً عن الكوارث الإنسانية والحياتية التي خلفها الدمار طيلة السنوات الماضية.
وكانت الحكومة اليمنية شكلت لجنة عليا برئاسة وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي، لمتابعة قضية عمالة مواطنيها لدى السعودية بعد إقرار التعديلات الجديدة، غير أن كل جهودها ومحاولاتها باءت بالفشل، علمًا بأن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي – المقرب من الرياض – تدخل بنفسه أكثر من مرة لإنجاح هذه الجهود إلا أنه لم ينجح في ذلك.
هادي وجه خلال اليومين الماضيين بإعفاء المغتربين اليمنيين العائدين إلى أرض الوطن بصورة نهائية من الرسوم الجمركية والضريبية على منقولاتهم وممتلكاتهم الشخصية كافة، وهو ما أثار موجة استياء عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر نشطاء هذا التوجيه هروبًا من الحكومة اليمنية من مهمة السعي لتسوية وضع المغتربين لدى الحكومة السعودية.
فيما اعتبر مراقبون هذا التعليمات إعلانًا صريحًا لفشل الحكومة اليمنية في إقناع السلطات السعودية باستثناء المغتربين اليمنيين من قوانين العمالة السعودية التي أفقدت آلاف اليمنيين المغتربين في المملكة فرص عملهم، وتسببت في تسريحهم.
تعنت واضح من السلطات السعودية حيال اليمنيين، هذا ما أشار إليه الكثير من الخبراء ممن حذروا من أن ترحيل هذا العدد الكبير من العمالة اليمنية من السعودية قد يضطر الكثير منهم الذهاب إلى جبهات القتال التابعة لجماعة الحوثي في محاولة للانتقام من تصرفات الرياض ضدهم، إلا أن مثل هذه التحذيرات لم تلق آذانًا صاغية من السعوديين أيضًا.
الإيرادات المتوقعة للرسوم المفروضة على الوافدين بحسب ما نشرته قناة “العربية”
“المقابل المالي”.. شبح يهدد الجميع
“المقابل المالي” هو المصطلح الرسمي المرادف للنظام المتعلق بفرض رسوم على العمالة الوافدة بالمملكة، يستهدف تحقيق عائدات مادية من وراء تطبيقه تصل إلى 65 مليار ريال (17.5مليار دولار) تقريبًا خلال أربعة أعوام، بدءًا من 2017 حيث تم فرض 100 ريال شهريًا (26.6 دولار) على المرافق، ترتفع تدريجيًا، تستهدف تحقيق 267 مليون دولار نهاية العام.
وفي 2018 يتم زيادة الرسوم إلى 400 ريال (106.7 دولار) شهريًا عن كل عامل وافد، بهدف تحصيل 24 مليار ريال (6.4 مليار دولار) نهاية العام، وصولاً إلى 2020 حيث تزداد الرسوم إلى 800 ريال (216.2 دولار) شهريًا بهدف تحصيل 65 مليار ريال (17.5 مليار دولار) بنهاية العام.
قرارات المالية السعودية بفرض رسوم إضافية على العمالة الأجنبية بالمملكة تأتي في إطار سياسة إعطاء الأولوية لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، في سياق “رؤية السعودية 2030” التي تهدف إلى تنويع موارد الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط وحده.
مغترب يمني في السعودية: لم تترك لنا الجارة الكبرى أي خيارات جانبية أو حلول أخرى تمكنا من العيش والبقاء في المملكة، لقد وضعت كثير من المقيمين أمام وضع حرج
وتشير البيانات الإحصائية الرسمية أن عدد المقيمين غير السعوديين بالمملكة بلغ 12.2 مليون نسمة وهو ما يمثل نحو 37% من إجمالي عدد السكان الذي بلغ وفق إحصاء النصف الأول من 2017 نحو 20.4 مليون نسمة بنسبة 63% من الإجمالي بزيادة بلغت نحو 870 ألف نسمة مقارنة بنهاية 2016.
ورغم اتهام العديد من المنظمات الحقوقية الدولية للسعودية بارتكاب جرائم حرب في اليمن، داعية مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى إعادة اسم التحالف العربي الذي تقوده المملكة فورًا إلى قائمة العار السنوية للجهات المنتهكة لحقوق الإنسان في الصراعات المسلحة، وما نجم عن ذلك من نزوح الملايين من اليمنيين خارج بلادهم بحثًا عن مورد رزق آخر بعدما قضت الحرب على الأخضر واليابس، إلا أن هذا كله لم يكن كافيًا لإقناع السلطات السعودية بإعفاء اليمنيين من مقصلة القوانين الجديدة لتضيف المملكة رصيدًا جديدًا من الكراهية لدى الشعب اليمني، سواء المقيمين فوق أراضيها من المجبرين على البقاء قهرًا أو المرحلين قسرًا لعدم قدرتهم على الوفاء بالرسوم الجديدة.