خلال الشهر الماضي، نشرت سارة سلفرمان، الممثلة اليهودية الكوميدية المشهورة، تغريدة تضمنت رابط عريضة لمنظمة العفو الدولية التي تدعو إسرائيل إلى إطلاق سراح الطفلة الفلسطينية عهد التميمي، البالغة من العمر 17 عاماً، والمحتجزة رفقة عدد من أفراد عائلتها بتهمة صفع جندي إسرائيلي. ولقد كانت ردة فعل التميمي ناتجة عن تعرض ابن عمها محمد التميمي، لطلق ناري من سلاح الجند الإسرائيلي، يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر، أثناء مشاركته في احتجاج ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
في هذه التغريدة، لم تكتف سلفرمان بإدراج ذلك الرابط فقط بل أرفقته بكلماتها خاصة، حيث كتبت “على اليهود أن يقفوا في وجه الظلم خاصة عندما يكون الجاني يهوديا أو الحكومة الإسرائيلية”.
تسخير وسائل التواصل الاجتماعي
رغم تلقيها لأكثر من 1600 تعليق على هذه التغريدة التي كانت أغلبها تدين موقفها الراقي، إلا أن سيلفرمان لا تزال متمسكة بالتزامها المعلن بكشف المظالم التي ارتكبتها دولة “إسرائيل”. وهي ترد الصاع صاعين لكل من هاجمها على الإنترنت، موضحة بتفاصيل دقيقة سبب نشرها لهذه التغريدة.
من خلال الترهيب والمضايقة، نجح الجيش الإلكتروني الإسرائيلي في حشر سلفرمان في زاوية ضيقة
عندما اتهمت الناشطة المؤيدة لـ”إسرائيل”، كلوي فالداري، عهد التميمي بالانتماء إلى “عائلة سيئة السمعة وداعمة للإرهاب”، ردت عليها سلفرمان قائلة “حسنا صديقتي. لكن هل لي أن أسأل، هل تساءلتم لماذا فعلت ذلك؟ وما هو مصدر غضبها؟ وهل يمكننا أن نرى أنفسنا فيها بأي شكل من الأشكال؟”.
في الواقع، لقد أشاد الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان الفلسطينيون بموقفها الشجاع، الذي يتحدى أولئك الذين يسعون فقط إلى تبييض جرائم “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني. وكنت أتمنى أن تكون هذه نهاية القصة ولكن للأسف لم تكن كذلك.
Jews have to stand up EVEN when — ESPECIALLY when — the wrongdoing is BY Jews/the Israeli government. https://t.co/vIKDxgLm41
— Sarah Silverman (@SarahKSilverman) February 16, 2018
من خلال الترهيب والمضايقة، نجح الجيش الإلكتروني الإسرائيلي في حشر سلفرمان في زاوية ضيقة. فبعد ثلاثة أيام من التعبير عن تضامنها مع عهد التميمي، وحث الأمريكيين اليهود على الوقوف في وجه جرائم “إسرائيل”، تراجعت سلفرمان وانسحبت إلى أمان المراوغة المزيفة.
في تغريدة لها يوم 18 شباط/ فبراير، قالت سلفرمان “كلما تعلمت أكثر تضاءلت احتمالات أن أعيد نشر تغريدات من أجزاء متضاربة عن “إسرائيل” وفلسطين، من الناس الذين هم على يقين بأنهم يعرفون من هو على حق ومن هو ضلالة. وكلاهما مقنع، وقد يكون كلاهما على حق”.
أما استسلامها، فقد كان واضحا في اليوم التالي عندما نشرت تغريدة بينت فيها “أعزائي الفلسطينيون واليهود والإسرائيليون ولكل ذي رأي: لا أستطيع أن أتكلم إلا نيابة عن نفسي، وكل ما أهتم به هو الوصول إلى الحقيقة، وما هو عادل. ولكن لسوء الحظ، من وجهة نظري، يبدو أن هذه الآراء غير موضوعية إلى حد بعيد، فقط الرب، الله، هاشم، وروجرز من يعرفون ….”.
لقد مثّل ذلك انتصارا جديدا للجيش الإلكتروني الإسرائيلي، الذي نجح مرة أخرى في الضغط على شخصية عامة بارزة ودفعها للتراجع عن انتقادها للدولة الإسرائيلية العنصرية.
حرب الدعاية
هذه هي الطريقة التي يعمل بها المتصيدون في “إسرائيل”، فكلما كان الشخص الذي ينشر منشورات لصالح حقوق الإنسان الفلسطينية من الشخصيات المرموقة والمشهورة، أصابت ذلك الشخص موجات تسونامي من المتصيدين الموالين لـ”إسرائيل” عبر الإنترنت، الذي لا يتوانون عن ممارسة التهديدات والمضايقات على ذلك الشخص حتى يستسلم ويحذف تلك المنشورات أو يعتذر عنها.
خلال السنوات الأخيرة، سجلت العديد من الحالات التي نشر فيها أشخاص مشهورون أو شخصيات بارزة منشورات تعكس تأييدهم أو مساندتهم لقضية التحرير الفلسطيني أو حقوق الإنسان
إنه تكتيك فعال، ليس لأن هؤلاء المتصيدون المؤيدون لـ”سرائيل” يعملون مع المنشورات الإعلامية اليمينية فحسب، بل لأنهم أيضا يستغلون مخاوف الناس من تصنيفهم بشكل خاطئ ضمن خانة المعادين للسامية. لقد أصبحت جهود “إسرائيل” لإسكات منتقديها يائسة ومشوشة، حتى بلغ بها الحد إلى تسخير مواقع التواصل الاجتماعي من أجل “شن حرب دعائية” ضد أولئك الذين يهددون أو يعدون بمقاطعتها حتى تنهي احتلالها غير الشرعي للأراضي الفلسطينية.
حيال هذا الشأن، قال مايكل بوكيرت “تهدف “إسرائيل” إلى تجنيد حشد من المتسللين والمتصيدين للانضمام إلى حربها ضد أشد أشكال العنف خبثًا: وهي التغريدات المؤيدة للفلسطينيين ومنشورات الفيسبوك”. وفي دراسة أجريت سنة 2017، تبين أن “إسرائيل” تهدد أو تهين فلسطينيًا عبر الإنترنت كل 71 ثانية، وعادة ما تحرض أو تهدد بارتكاب العنف، وتستخدم كلمات مهينة مثل “قمامة” و”عاهرة” و”كلب” و”حرق”، وهي كلمات تكشف مدى سوء الحالة النفسية للمتلقي الذي يكون عرضة لهذا النوع من المضايقات.
حذف، سحب، اعتذار
خلال السنوات الأخيرة، سجلت العديد من الحالات التي نشر فيها أشخاص مشهورون أو شخصيات بارزة منشورات تعكس تأييدهم أو مساندتهم لقضية التحرير الفلسطيني أو حقوق الإنسان. ولا يستغرق الأمر سوى مدة وجيزة، حتى يقدم ذلك الشخص على حذف المنشور أو الانسحاب أو الاعتذار عن مشاركته؛ نتيجة وابل من التهديدات والمضايقات التي تصله من الجيش الإلكتروني الإسرائيلي.
اختيار خان لتكون أول عارضة أزياء مسلمة تتصدر الحملة الجديدة لشركة لوريال
في وقت سابق من هذا العام، تعرضت أمينة خان، وهي عارضة بريطانية مسلمة، لضغوط علنية تسعى لدفعها للتنحي عن موقعها كوجه لحملة إعلانية تابعة لشركة مستحضرات التجميل العملاقة “لوريال”. وقد حدث ذلك عندما قام ناشطون على الإنترنت بالكشف عن تغريدات لها حول القضية الفلسطينية يعود تاريخا لأكثر من ثلاث سنوات. وقد وصفت هذه التغريدات الهجوم الإسرائيلي على غزة آنذاك بأنه “ترهيب للمواطنين الأبرياء”. بعد تشويه سمعتها واتهامها زورا بمعاداتها للسامية، حذفت خان كل تغريداتها، وأصدرت بيانا أعربت فيه عن ندمها الشديد بسبب الأذى الذي تسببت فيه هذه التغريدات.
في سياق متصل، غردت مغنية البوب ريانا مستخدمة هاشتاغ #حررواـفلسطين خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي دام51 يوما سنة 2014. وقد تسبب هذا الهاشتاغ في موجة من التغريدات التي تنم عن الكراهية تجاه المغنية الأمريكية، فضلا عن العديد من الشخصيات الإسرائيلية والأمريكية التي استنكرت هذه الخطوة. ونتيجة لذلك، ارتأت ريانا حذف التغريدة، ثم نشرت صورة لطفلين يهودي وعربي يعانقان بعضهما البعض.
خلال السنة ذاتها، وقعت المغنية بينيلوبي كروز رفقة زوجها خافيير باردم على رسالة تدين القصف الجوي والبري والبحري الذي تنتهجه “إسرائيل” ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. لكنهما تراجعا عن موقفهما في وقت لاحق بسبب موجة الانتقادات اللاذعة التي تعرضا لها. وعلى نحو مماثل، نشرت المغنية الأمريكية سيلينا غوميز رسالة على الإنستغرام، تلتمس بموجبها أن يقوم معجبوها بالدعاء لغزة. وبالمثل، انتهى بها المطاف بحذف المنشور بعد غضب عشرات الآلاف من رواد هذا الموقع، الذين يتخذون موقفا داعما لـ”إسرائيل”، وقد أتبعت ذلك بمنشور بينت فيه عدم انحيازها.
ضعف لا يمكن إنكاره
قبل سنتين، رفض الفائزون بجائزة الأوسكار رحلة شاملة التكاليف إلى “إسرائيل” بقيمة 55 ألف دولار أمريكي، في محاولة منهم لإبداء دعمهم الضمني لأهداف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الموجهة ضد “إسرائيل”. في المقابل، اتهمت “إسرائيل” رفقة وسائل الإعلام اليمينية المتعاطفة معها نجوم هوليوود بالتأثر بموجة معاداة السامية، وهو ما عمل على إسكات الممثلين الحائزين على الجوائز من الإدلاء ببيانات علنية حول قرارهم الذي يقضي برفض الرحلة.
بات واضحا تزايد التهديد والعدوانية التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي، رفقة كوكبة الناشطين وجيش الداعمين الإلكتروني الداعمين له، في سبيل مهاجمة وتشويه سمعة أي شخص اضطلع بإبداء انتقاد علني ضد “إسرائيل”
في واقع الأمر، لا يجب الخلط بين جيش “إسرائيل” الإلكتروني والقوة، لأن “إسرائيل” أصبحت تعتمد على هذا النوع من حروب الدعاية، ما يمثل نقطة ضعف لا يمكن إنكارها. وعموما، يمثل هذا الأمر اعتراف “إسرائيل” بأنها لا تستطيع تحمل دعوات المجتمع الدولي المتزايدة للامتثال للقانون الدولي. لذلك، من العدل أن نفترض أن أيام نظام الفصل العنصري والاحتلال، التي أصبحت تعرّف “إسرائيل”، يمكن تعدادها بالسنوات لا بالعقود.
إقرارا للحق، باتت الأعباء الاقتصادية والسياسية الهائلة والمتنامية لتحدي القانون الدولي وقواعد حقوق الانسان أثقل من أن تتحملها “إسرائيل”. وقد تبدو هذه الانتقادات طويلة الأمد لسياسة “إسرائيل” اعتباطية، إلا أنه من الواضح أن “إسرائيل” أصبحت تعتمد على جيش إلكتروني للدفاع عن نفسها ضد هذه الانتقادات. وبذلك يبرز التساؤل جليا حول ما إذا كانت “إسرائيل” تخشى من تداعيات هذه الانتقادات على مستقبل سياستها.
علاوة على ذلك، بات واضحا تزايد التهديد والعدوانية التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي، رفقة كوكبة الناشطين وجيش الداعمين الإلكتروني الداعمين له، في سبيل مهاجمة وتشويه سمعة أي شخص اضطلع بإبداء انتقاد علني ضد “إسرائيل” أو أعرب عن دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أو لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال السنوات القليلة الماضية.
عموما، يكون الحيوان البري أكثر تهديدا عندما يتم حشره في الزاوية. ومن هذا المنطلق، تدرك “إسرائيل” أن تعنتها ورفضها لوضع حد لاحتلالها لفلسطين يقلص خياراتها ولا يترك لها مجالا للمناورة. وهذا يدفعها إلى التكشير عن أنيابها أمام كل من يسعى إلى زعزعة كيانها.
المصدر: ميدل إيست آي