ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ميلاني أمان وكريستوف شولت ورانية سلوم
يعد “ترحيل اللاجئين” إلى مواطنهم الأصلية على غرار سوريا والعراق، من أهم المطالب السياسية لحزب البديل من أجل ألمانيا. وفي الآونة الأخيرة، قدمت كتلة الحزب في البرلمان الألماني مطلبا بترحيل اللاجئين إلى مسقط رأسهم. لهذا الغرض، قصدت وفود عن هذا الحزب اليميني منطقة الشرق الأوسط لتوفير أدلة تثبت مدى قدرة بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق، على استقبال لاجئيها المرحّلين من ألمانيا.
في الواقع، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صور توثق الزيارة التي أداها وفد عن حزب البديل من أجل ألمانيا إلى سوريا. ووفقا لمعلومات تحصلت عليها صحيفة “دير شبيغل”، أدى النائب البرلماني المنحدر من ولاية ساكسونيا، أولريش أومه، خلال الأيام الأخيرة زيارة إلى العراق. وفي البداية، توجه هذا النائب، الذي يعمل مهندسا، إلى شمال العراق مرورا بتركيا. وقد سمحت له الحكومة الكردية بالدخول إلى شمال العراق دون تأشيرة علما وأن هذا الأمر قد يكلفه عقوبة بالسجن لا تقل عن سنة، بموجب القانون العراقي.
باعتباره عضوا في اللجنة البرلمانية المكلفة بالتعاون الاقتصادي والتنمية، يسعى أولريش أومه إلى ربط علاقات مع منظمات الإغاثة الألمانية في العراق. لكن، يبدو أن هذا النائب البرلماني قد خلق نوعا من الارتباك لدى المسؤولين العراقيين، خاصة وأنه تظاهر بأنه في مهمة رسمية، والحال أنه أعلن أنه قدم للعراق لدوافع شخصية. ومن جهته، رفض متحدث باسم حزب البديل من أجل ألمانيا تأكيد هذه الزيارة مكتفيا بالقول إن أومه متواجد في “منطقة محرمة”. وبعد العودة، سيفصح هذا النائب عن الوجهة التي قصدها.
تبرأ القياديون لدى حزب البديل من أجل ألمانيا من هذه الزيارة.
من المتوقع أن تؤدي زيارة الوفد عن حزب البديل من أجل ألمانيا إلى سوريا إلى حدوث بعض المشاكل الدبلوماسية. فربما يعمد النواب البرلمانيون، الذين يفتقرون للخبرة في مجال السياسة الخارجية، إلى إنشاء علاقات شخصية مع النظام السوري، على الرغم من أن السفارة الألمانية في دمشق مغلقة منذ سنة 2012. أما السفارة السورية في برلين، فهي مفتوحة رغم طرد السفير منذ سنة 2012.
المفتي العام للجمهورية العربية السورية، أحمد بدر الدين حسون، مع عضو حزب البديل من أجل ألمانيا بليكس في دمشق
في الحقيقة، يستبعد الخبراء في الشأن السوري فرضية وقوف جهات قنصلية وراء هذه الزيارة. فقد أكدت تقارير متطابقة صادرة عن دوائر أمنية بولاية شمال الراين-وستفاليا، وعن حزب البديل من أجل ألمانيا، أن هذه الزيارة تمت بمساعدة روسيا. وفي مطلع شهر شباط/ فبراير، جرت اتصالات بين قياديي حزب البديل من أجل ألمانيا وأطراف روسية في شبه جزيرة القرم. وما يؤكد ذلك أن أحد الأطراف المنظمين لزيارة سوريا، العضو البرلماني كريستيان بليكس، قد زار شبه جزيرة القرم خلال الشهر الماضي. ولكن، لم يتسن لنا الحصول على توضيحات من أفراد الوفد البرلماني.
من جهتهم، تبرأ القياديون لدى حزب البديل من أجل ألمانيا من هذه الزيارة. وفي هذا السياق، أفاد عضو اللجنة الرئاسية الاتحادية لحزب البديل من أجل ألمانيا، ستيفان كونيغر، بأن “اللجنة الرئاسية الاتحادية للحزب أعلنت أن الزيارة خاصة، لكن على أرض الواقع جرت محادثات بشأن السياسة الخارجية”.
من وجهة نظر سياسية، لم تكن هذه الزيارة حركة ذكية. وحيال هذا الشأن، أكد القيادي بالحزب، جورج بازديرسكي، أن “عدم وجود قياديين من ذوي الخبرة في مجال السياسة الخارجية ضمن الوفد، الذي زار سوريا، أمر مؤسف للغاية. ويجب علينا تجنب التسرع في ميدان السياسة الخارجية نظرا لما قد ينجر عن ذلك من سوء توظيف”.
أورد الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية ببيروت، هاتكو فيمن، أن “زيارة الوفد الألماني لم تكن بالضرورة بمساعدة روسية، وإنما تخدم هذه الزيارة النظام السوري، الذي يسعى إلى كسب شرعية وتقليص الإجماع الدولي على فرض عقوبات ضده.”
في شأن ذي صلة، أعرب هانس – توماس تيلشنايدر، مؤسس “المنبر الوطني” وهو جناح تابع لحزب البديل من أجل ألمانيا، والمعروف بتأييده لبشار الأسد، عن استغرابه من هذه الخطوة الأحادية، التي أقدم عليها زملاؤه بالحزب، مؤكدا أن “هذه الزيارة خطوة متسرعة”.
في الآونة الأخيرة، حاولت رئاسة الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا دون جدوى تمرير مدونة سلوك فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية لنواب البرلمان. ولعل الأمر المثير للاستغراب أن هذه الكتلة ذاتها كانت أول المبادرين بخرق هذه القواعد السلوكية. ولكن يبدو أنه من حق كل شخص السفر أينما شاء. وقد تثير تصريحات أعضاء الوفد البرلماني، الذي زار سوريا، فرحة الحكومتين السورية والروسية. ففي كل يوم، ينشر أفراد هذا الوفد صورا للأسواق السورية وبعض الطلبة في جامعة حمص، بالإضافة إلى بعض النساء المبتسمات وغير المحجبات.
والجدير بالذكر أن هذه الزيارة الخاصة لم تسجل لدى إدارة البرلمان الألماني. وفي نطاق تغطيتها لهذه الزيارة، لم تذكر صحيفة “تشرين السورية” اسم حزب البديل من أجل ألمانيا وإنما اكتفت بالحديث عن “وفد برلماني ألماني”، خشية ردة فعل الشعب السوري الذي لن يرحب بزيارة حزب يعادي الإسلام.
إلى جانب ذلك، لم تتطرق هذه الصحيفة السورية في تقريرها إلى مسألة عودة اللاجئين إلى سوريا. واستشهد هذا التقرير بتصريح القيادي في حزب البديل من أجل ألمانيا بليكس، الذي قال إن “الوفد البرلماني يسعى إلى بلورة صورة حقيقية بشأن الأوضاع في سوريا، ومن ثم سينقلها إلى الشعب الألماني وإلى البرلمان بهدف إغاثة الأطفال المنكوبين وتزويد المستشفيات بالتجهيزات الطبية الضرورية”.
في هذا السياق، أورد الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية ببيروت، هاتكو فيمن، أن “زيارة الوفد الألماني لم تكن بالضرورة بمساعدة روسية، وإنما تخدم هذه الزيارة النظام السوري، الذي يسعى إلى كسب شرعية وتقليص الإجماع الدولي على فرض عقوبات ضده. وعلى هذا الأساس، يعتبر حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للاجئين حليفا استراتيجيا بالنسبة للنظام السوري”.
في سياق متصل، أوردت الصفحة الناطقة بالعربية التابعة لوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” تقريرا تحت عنوان “وفد برلماني ألماني في زيارة رسمية إلى سوريا. فهل تعود العلاقات بين البلدين؟”. وقد ورد في التقرير ما يلي: “من الواضح أن وفدا برلمانيا مكونا من نواب عن الحزب الحاكم وغيرها من الأحزاب الألمانية يجري اتصالات مع السلطات السورية”.
بناء على هذا التقرير، يبدو أن الإعلام الروسي يعتقد أن حزب البديل من أجل ألمانيا يقود الحكومة الألمانية. كما نقل تقرير “سبوتنيك” تصريحا للنائبة في البرلمان السوري، نورا أرسيان، التي أكدت أن الزيارة نظمت من قبل وزارة الخارجية الروسية، ما يعني أن الاتصالات بين الجانبين الألماني والسوري أجريت عبر القنوات الدبلوماسية”.
المصدر: دير شبيغل